وسيلة مجاهد/ ملتقى المرأة العربية- أنا أنثى معنّفة، عنّفها سرطان خبيث عندما عبث بثديها فاضطرّت لبتره، وتركه في سلة مهملات تأكله الديدان، لأباشر بعد ذلك حربا غنيمتها الحياة، حياة تقتلنا ببطئ سحيق عندما تحقننا بجرعات قليلة من موت مؤجّل، أنا المسالمة في جسد عنفواني، يُسلّمني كل يوم لأشعة حارقة، لعلاج قيل عنه كيماوي يفتت داخلي خلاياي التي لطالما علّمتُها كيف تتحجّر لا لشيء إلّا لكي أقذف بها كل من يحاول التحرش بأنوثة بريئة، أنوثة التفّت حولها خصلات شعر كحبل مشنقة تخنقها لتتسرّب بعد تساقط كثيف، مترنحة إلى القمامة، دون أدنى شعور بالإثم، مؤلم جدّا أن أرى شعري الطويل الذي كان قصيرا فمدّدته بزيت زيتون وشامبو باهظ الثّمن، و تكبّدت أمي عناء لفّه بأشرطة من قماش وسقت بحبها بصيلاته ليلمع من بعيد، يتهاوى مخلّفا لمعة في عين ممزّقة بملح الدّمع، من سيعوض لأمي مجهودها ذاك؟ بصيلاته تنحسر لتجعلني على مشارف صلع محتّم. ترى كيف سأمشّط دموعي عندما تجف؟
جارتنا دقّت الباب، فتحت لها، عرضت علي الذّهاب إلى حمام شعبي حيث تجتمع النسوة احتفالا بعروس جديدة، تحمست للفكرة بداية ثم تراجعت، فراراً من نظراتهن القاتلة وهي تسفك داخلي تاء تأنيث مهموسة أجهرها بحمّالة صدر وثدي اصطناعي محشو بسليكون، من سيعيد إليّ الدقائق والساعات التي أقضيها أمام مرآة مشوّهة لأنسق وأوازن بين ثدي إصطناعي وآخر حقيقي ليبدو شكلي أكثر تماشيا وأصل طبيعية، دون أن يشعر المحدّق فيّ بخلل في التّكوين، من سيتكفّل بدفع ثمن الوقت الضّائع في لصق رموش مزيّفة بدل تلك التي مسّتها لعنة خريف جعلت الرّؤية شاحبة.
أريد أن أشكر صانع الفوندوتان وكريمات الأساس، ومن سرق من الورد لوناً زهرياً فهو منحني إشراقة مخدوعة أغطي بها سواداً ارتطم بملامحي. وأريد أن أشكر لون الدّم العالق في شفتي السُّفلى من أثر العض النّاجم عن ألم يفوق سعتي، على تمويهه القبلة المهداة للفراغ المستوطن للجهة اليسرى من الصّدر حين أقنعها بأنّه أحمر شفاه. هذا الأخير وضعته لأكمل الإطلالة التي تليق بحفل زفاف رجلٍ تقدم لخطبتي قبل أن يخدشني الزمن، رأيت فيه صفات زوج مستقبلي قابل لمنحه أمومتي المخبأة في جوفي المظلم، خدش كلّفني رقصةً في زفاف كان يجب أن أكون الملكة فيه، لكنّني اكتفيت بتأدية دور وصيفة طعنها تاج وخاتم أجبرتُ على بتره من يدي اليسرى لأسلّمه لأنثى أخرى جلدها أكثر نعومة من جلدي الخشن، خشونةٌ تفرك الأمل داخلي ليبدو أكثر نضارة من ذي قبل.
الحفل كان كما خططت له، لا وجود لأضواء أو صخب، أو ورود بيضاء فوق الطاولات. فستان الأحلام كان يشبه أحلامي البسيطة جدا، ناعم ولا يشبه بقية الفساتين لا في اللون ولا في التصميم، التسريحة التي رسمتها في مخيلتي منذ نعومة الأظافر، ناسبت العروس. على ذكر الأظافر، أظافري هشّمت بسهولة فحرمتني حق ردّ خدشة القدر.
رغم الموسيقى والرقص والحلويات والجو السعيد، حضرتني عبارة الزوج المسلوب مني عنوة ”كيف أتزوج بأنثى لا تستطيع أن تكون أمّا بعد الآن” لم يكن يدرك أن الأمومة عندي لا ترتبط بالحمل والإنجاب والرضاعة، أمومتي تفوق البطن المنتفخ، لأنها تنتفخ خارج البويضة كالبالون لتُسعد الفضاء اليتيم. عبارته العاقر لم تمنعني من التقدم نحوه وتهنئته. بابتسامةٍ حقيقيةٍ لم تمسحها بطاقة دعوة استبدل فيها اسم لا يحمل نفس أحرفي باسمي. عدت لغرفة الأشعة حاملة معي هالات سهرة في حفلة سُرقت مني.
– يبدو أنّ المرض خبيث جداً لم تكفيه ثدي واحدة هاهو يريد الأخرى أيضا، لا بل يريد أكثر من ذلك إنه يرغب في سلبك الرّحم!
تأمّلت الجدية في كلام ملاك الرحمة وهو يصفع ابتسامتي الحقيقية تلك:
– فليأخذ ما يشاء وليترك لي أنوثتي
– ولكن الثدي والرحم س…
– الأنوثة ليست ثدياً ولا رحماً ولا شعراً طويلاً، إنها أبعد من حدود جسد سيكون وجبة دسمة لديدان جوّعتها الحياة لتسلمنا بعد ذلك قرباناً لها عرفانا على صبرها واحتمالها للبطن الفارغ.
خرجت من غرفة المفاجآت وأنا بكامل أناقتي وأنوثتي بعدما تخلّصت من كل المساحيق والأشياء المزيفة ، تعمّدت التعطّر بقوتي وصلابتي لأغيظ الكتلة التي أخذت تكبر وتتعدّد داخلي، كما تعمّدت التقاط صورة جماعية مع الموت المؤجّل ومع طبيبي الذي أشرف على علاجي ومع خبث المرض، حتى المتعبات والمحترقات والمتألمات والمنكسرات والقويات استوعبتهن الصورة.
أنا الآن أضع الصورة في إطار يليق بحرب شفاء خضتها وحدي وانتصرت فيها.
ـ المرض لا يقتل.. والبتر لا يُنقص شيئاً ـ