جريدة العرب- يحتفي معظم المتصوفة والغنوصيون والروحانيون في الشرق والغرب بالأنوثة كقيمة وجوهر إنساني يوازن أقانيم الوجود، وسواء كانوا زهادا يقدرون الأنوثة أو بحاثة سيميائيين أو علماء نفس من مدرسة “كارل يونغ” ما بعد الفرويدية فإنّهم يتعاملون مع الأنثوية باعتبارها نسقا متكاملا مع الذكورية وليس مضادا أو نقيضا لها، لقد رأى يونغ في الأنثوية نبعا للتلقي والترابط ودعا المفكرين والفلاسفة الغربيين إلى احتضان الأنثوية لتحقيق تكامل الثقافة الغربية التي ارتقت طوال دهور بمفهومات العقلانية والمادية والذكورية المفرطة وأقصت الأنثوية من مجال ارتقائها.
استبعدت النساء غالبا من مجالات العلوم المختلفة ونظر الكثير من المشتغلين بالعلم إلى المرأة باستصغار غير واثقين من قدرتها على منافستهم في ابتكار النظريات وتقديم الحلول والبراهين لتشربهم بفكرة التفوّق الذكوري التي نشأت عليها المجتمعات وتربّى الرجال على أنهم الأفضل والأكثر كفاءة ونموا وفهما بفضل الممكنات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تدعم هذه الفكرة الجائرة..
تطرح النساء المشتغلات بالعلوم الصرفة والمؤمنات بالنسوية المتكافئة سؤالا مهما لا بد من الانتباه إليه وهو “هل بإمكان المرأة التي تؤمن بالنظرية النسوية أن تفكر وتعمل وتتصرف مثل الرجال من أجل أن تحظى بالنجاح وتحقق طموحاتها؟
وهل بوسع الأنثوية امتلاك قدرات فريدة للإسهام في المجالات العلمية التي احتكرتها الذكورية على مدى عصور طويلة؟”.
وللرد على هذا التساؤل تعترف الدكتورة ليندا جين شيفرد في كتابها “أنثوية العلم-العلم من منظور الفلسفة النسوية” إنها كانت تتطلع في مقتبل شبابها إلى امتلاك سلطة كسلطة الذكور لتتحدث بثقة أكبر عن أفكارها ورؤاها ومشاريعها، لكنها وبمرور السنوات وعندما اتسعت معارفها وحققت ذاتها على نحو مؤثر في عملها وحضورها، اكتشفت أن صوت السلطة لا يعكس جدارة المرء في جميع الأحوال، كما اكتشفت أن النساء يمتلكن خبرات معادلة لخبرات الرجال، وإنما تعوزهن السلطة لعرض خبراتهن وتقديمها كما يفعل الرجال في المجالات المختلفة مما يعيق بروزهن على الصُعُد المماثلة بسبب السلطة الذكورية المهيمنة، ولا ينحصر الأمر في مجال الاشتغال العلمي وحده بل يتعداه إلى مجالات الإبداع الأدبي والفني والإنسانيات عموما فطالما طغت الأسماء الذكورية على المشهد الثقافي بفعل سلطة المجتمع الذكوري مما يدفع المرأة المبدعة للمثابرة والكفاح المتواصل دون هوادة لإثبات جدارتها وتميزها بين المبدعين الرجال.
تؤكد دراسات علم النفس اليونغي على أهمية الإنصات للمنظورات الفردية المختلفة واحترام الاختلاف والتأكيد على الحدس الأنثوي ليصبح بوسع كلّ منا استكشاف حقائقه الفردية والحصول على الخبرات المتوازنة.
وبوسع المرأة أن تعثر على صوتها الخاص وتفهم مكانتها في الأنثوية والفلسفة النسوية من خلال الإنصات إلى أحلامها وحدوسها وتفحص صوتها الداخلي وممارسة التأمل والتعمق في قراءة أعمال كارل يونغ نصير الأنثوية الذي ساوى بينها وبين الذكورية، ويساعدها هذا
على تحدّي الأفكار التي تعتبر النموذج الذكوري معيارا في العلم والإبداع، وتتخطى الفكرة المفروضة على النساء من قبل البحوث الذكورية حول موضوع الارتقاء النفسي للأنثى الذي يعتبرونه مشابها للارتقاء النفسي للذكر دون الالتفات إلى المميزات الأنثوية الخاصة في نفسية المرأة، وعبر مجموع الدراسات النسوية المتوازنة البعيدة عن التعصب والتزمت النسوي والذكوري، وجدت المرأة السبيل لتقدر أنثويتها عبر المقاربات النسوية. ففي أحد البحوث الحديثة اكتشفت الباحثات أن النساء أكثر ميلا للترابط والاتصال مقابل ميل الرجال عموما إلى الاستقلالية والانفصال والتعبير المنفرد عن الذات.