يساعد المصطلح (رجال الدولة) في شرح حال السياسيات الإيرانيات في نظامٍ شهد فقط دخول 49 امرأة إلى البرلمان منذ عام 1979، أي ما يعادل 3% من مجموع المقاعد البرلمانية. ولكي تحافظ النساء على وجودهن في البرلمان، على واضعي القوانين من النساء أن يوفّقن بين القيم الإسلامية المحافظة والتقدم الاجتماعي الذي أحرزته النساء في العالم.
كفاح مع الحفاظ على الدور التقليلدي
حتى إن كانت المرأة تتمتع بتاريخٍ سياسي وديني ناصع، إلا أنه يتوجّب عليها أن تكافح من أجل تطوير أجندتها بدون أن تغير الدور التقليدي للمرأة، والذي وضعه المشرِّعون الإسلاميون الذكور. وحتى حين تتناول النساءُ مسألةً أساسية مثل مشاركة المرأة في القوة العاملة- كما فعلت عضوة البرلمان المحافظة، سهيلة جيلودار زادة- يحرصن على أن يدعمن فكرة التوظيف بدوام جزئي، إذ تبقى الأولوية لدور النساء كأمهات وربات بيوت.
أما عضوات البرلمان من مختلف أطياف الحركات السياسية الإيرانية واللاتي يتميزن بصراحتهن فقد تعرضن للتهميش، وحتى السجن، بسبب آرائهن التي اعتُبرت مفرطةً في تقدميتها. بينما الأخريات فقد اكتفين بوجود شكلي في الحياة السياسية، يصوِّتن لصالح التيارات المتعصبة وضد مصالحهن الخاصة كنساء.
وقالت الناشطة السياسية الإصلاحية، فاطمة راكي، لوكالة “إيسنا” الإخبارية في شهر إبريل/ نيسان الماضي: “لم تكتف عضوات البرلمان الحالي بعدم إنجاز أيّ شيء يُذكر في مجال حقوق المرأة، بل قمن أيضاً بتأييد أفكار معادية للمرأة، بقين صامتاتٍ وأيّدن تلك الأفكار”.
قانونٌ ذكوري
وانتقدت راكي صمتَ عضوات البرلمان تجاه مواضيع مثل التمييز الجنسي ضد النساء في الجامعات، وجود النساء في المجمعات الرياضية، والتشريعات التي تؤيد تعدد الزوجات وزواج المتعة.
غالباً ما دافع الرئيس حسن روحاني عن دورٍ أكبر للنساء في الجمهورية الإسلامية، كما حدث في خطاب ألقاه في الثامن من فبراير/ شباط في مؤتمر يحمل عنوان “النساء: الاعتدال والتطور”.
ناشطات حقوق المرأة الإيرانيات، اللواتي شجعتهن الوعود التي قطعها الرئيس روحاني خلال حملته الرئاسية، رأين في انتخابات السادس والعشرين من فبراير/ شباط القادمة فرصةً لزيادة حضورهن في البرلمان ولاختراق مجلس الخبراء (المسؤول عن اختيار القائد الأعلى للثورة الإسلامية) والذي لا توجد فيه امرأة واحدة.
تغيير وجه البرلمان
تهدف حملةُ “نحو تغيير الوجه الذكوري للبرلمان” والتي أطلقت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى زيادة نسبة المقاعد البرلمانية التي تشغلها النساء في البرلمان من 9% إلى 30%. ولكن ورغم ما يدعو له روحاني: “تحمل النساء مسؤولية كبيرةً على عاتقهن، ويجب أن يحققن حضوراً لافتاً ومؤثراً” في كل المجالات، إلا أن الحكومة لم تقم بالكثير لتوضيح الكيفية التي تستطيع بها السياسيات الإيرانيات تحقيق هذه الأهداف.
من بين 12 ألف مرشَّح للانتخابات البرلمانية، كان عدد النساء يتجاوز 1400 امرأة، ولكن “مجلس الحماية” وافق على 584 فقط منهن، أما عدد المرشّحين لمجلس الخبراء فوصل إلى 801 مرشحاً، 16 منهم كانوا من النساء، ولم تتم الموافقة على أيٍّ منهن.
حتى الآن، اجتازت امرأةٌ واحدة فقط واسمها زهرة سفاتي- المجتهدة التي ساهمت في تأسيس قسم النساء في معهد قم الديني- التدقيقَ الصارم لمجلس الحماية، وكان ذلك في عام 1998. ورغم إنجازها الكبير، إلا أنها سحبت ترشيحها بعد أن عارض رجلُ دين محافظ وجودَ امرأة في “المجلس”.
تعاون باهت من قبل مؤسسات الدولة
وتقول ناشطات حقوق المرأة أن مفتاحَ ضمان مساحةٍ أكبر في الحياة السياسية الإيرانية هو إطلاق حوارٍ يمد الجسور بين الانقسامات المتعصبة العميقة. قد يقود انعدام التعاون هذا إلى كوارث كتلك التي حدثت في عام 2007، حين ثار جدلٌ بسبب مشروع قانون إعانة العائلة الذي طرحته حكومة محمود أحمدي نجاد، وهو مشروع القانون الذي يحرّر الرجال من تسجيل زيجات المتعة من الحصول على موافقةٍ من زوجتهم الأولى إذا أرادوا الزواج من امرأة ثانية.
وبينما وصفت عضوات البرلمان المناصرات للتيار الإصلاحي القانونَ ب”الكارثي”، وافقت العضوات المناصرات للتيار المحافظ على مشروع القانون. لاله إفتخاري، وهي عضوة من التيار المحافظ ومتحدثة باسم كتلة النساء في البرلمان، نصحت المشرِّعين بعدم الرضوخ لما يقوله المجتمع الدولي، مضيفةً أنه “بناءً على شرع الله، لا يحتاج الرجل إلى موافقة زوجته لكي يستطيع الزواج مرة أخرى”.
توحيد جهود المرأة
أما زهرة إلاهيان، وهي أيضاً من التيار المحافظ، فوصفت القانون بأنه “تقدميّ”، وأضافت أنه إن صادقت إيران على القانون فلن يتوجب عليها أن ترضخ للضغوط الدولية التي تحاول إجبارها على قبول الاتفاقية التي تزيل كل أشكال التمييز ضد المرأة.
وتقول فاطمة حاجي حاتجو، عضوة البرلمان الإصلاحية في الفترة الممتدة بين عامي 2000- 2004: “لتثقيف عضوات البرلمان ولضم كل تنوع آراء النساء في تيار واحد، يتوجب على ناشطات حقوق المرأة الالتقاء بشكل منتظم مع ممثليهم في البرلمان، سواءٌ كانوا رجالاً أو نساء، للضغط على السياسيين”.
غادرت فاطمة إيران عام 2005 بسبب حكم بالسجن بتهمة “تحريض الرأي العام وإهانة القضاء”، لكنها تبقى مناصرة فعّالة لحركة حقوق المرأة في وطنها. وقالت فاطمة عن منفاها الطوعي: “علينا أن نعرف كيف نخدم القضية بشكل أكبر”.
وبينما تلاحظ أن عدد المرشحات أعلى من الانتخابات الماضية (2012)، إلا أنها تتوقع أن الاختلافات السياسية ستشكل تحدياً أمام وحدة النساء اللواتي سيشغلن مقاعد البرلمان الجديد.
“النساء في البرلمان القادم لن يفكّرن بنفس الطريقة، لكني أعتقد أنهن سيتّفقن على معظم القضايا المتعلّقة بالنساء. عليهن الجلوس معاً ومناقشة كل الأمور معاً”، قالت فاطمة لمكتب صحيفة الغارديان البريطانية في طهران.