شيري الحايك/ taadudiya- “المَرأة مَكانُها بالمطبخ”، قالَها أحد المُدِيرِين المسؤولين عن الموارد البشريّة، معتقداً أنّه يكفي أن نُضْفي صيغة المزاح على موضوعٍ كهذا، كي لا تَحمل هذه العبارة مواقف غير أخلاقيّة. بعد ذلك، انضمّ إليه العديد من الذُّكور الموجودين، مستخدِمين نَفس المزاح. فدخَلْنا في نقاشٍ، واحتدم، ثم انتهى بوَصْفنا نساءً نَكَدِيَّات، لا نتقبّل المُزاح.
أحياناً، قد يُعاد فتح الموضوع بصيغةٍ مشابهة، مِثل: “المَرأة لِبَيْت جَوزها”، أو “النساء دخيلات على مجال العمل”، وغير ذلك من عباراتٍ مازِحة، في موضوعٍ، أعتقدُ شخصيّاً أنّه لا يتحمّل الدُّعابة، لا سيّما في أماكن العمل.
نَعَم، انزعجْتُ كثيرًا. فالمزاح والسخرية، هُما الطريقانِ الأكثَرَ تَداوُلاً في حالات التَّنمُّر. أُحاولُ مراراً الشرح وإعادة الشرح، والجدل وإعادة الجدل، ويتحوّل هذا الموضوع نفسهُ إلى نُكتة. يكفي أن يشعر أحدهم بالملل أثناء ساعات العمل، لِيَدخل مساحة الاستراحة في المطبخ، ويُلقي بواحدةٍ من هذه العبارات، ليتسلّى باستفزاز أيٍّ من الزميلات الموجودات في الاستراحة.
تنقلبُ هذه العبارات أحاديثَ جِدِّيّةً في بعض الأحيان، وتتطرّق إلى تفاصيل تبريريّة، تَطالُ تربيتَنا والأدوار الاجتماعيّة. وقد تَدُور هذه الأحاديث طويلًا؛ ما يجعلني أشعر بالمَلل والسَّطحيّة، وأُجبر نفسي على النقاش، لأجل ما أؤمن به من نِسْويّة. وأنا أكْرَه فيما أكره، أنْ أقسّم المجتمع إلى ذكور وإناث عندما أناقش النِّسويّة. فالمعادلة أعقَدُ من ذلك، وما يُمارَس من أبَوِيّة وذُكوريّة على الذُّكور أنفسهم، هو جزءٌ من الهيكل العامّ الأساسيّ، الذي تقُومُ عليهِ الأبويّة التي تَحكم مجتمعنا. وقد أُجَرُّ إلى هذه النقاشات، فأُناقض نفسي، وينتابني شعورٌ باللَّاجَدوى.
يَدخل أحدهم ليقُومَ بتنظيف أطباق طعامهِ، فيبدو وكأنّ علينا جميعنا كإناثٍ في المطبخ، أن نكون مُمْتَنّاتٍ لهذا الذَّكَر، الذي لا يترك أطباقهُ متَّسخةً، ولا يَرمي بها إلى زوجته في المنزل لتقوم بتنظيفها. فيصبح هذا الذَّكَر نِسْويّاً بشكلٍ بديهيّ وتلقائيّ، ومَهْما تَفوَّه بعباراتٍ مُستَفِزّة، يبقى نِسْويّاً. فهو يقُومُ بتنظيف أطباقهِ.
غالباً ما أحملُ معي من هذا النقاش، شعوراً كبيراً بالإحباط. فكيفَ لأشخاصٍ ذَوِي مَناصب قياديّة في قِطَاعاتٍ عديدة، منها دعمُ النساء ضمْن مجتمعاتهنّ، أن يَشعروا بأنّ هذه المواضيع، تتحمّل أن تكُون مَصدر تسليةٍ وضحك، مُغْفِلين كَمَّ الإحباط الذي تُولِّده؟ وكيفَ لي أن أؤْمن عندما أعُود لأجلسَ خلفَ مكتبي وأُمارس عملي، بأنّ هذا المدير أو ذاك، يؤْمن بدوري كإنسانٍ أنثى، في هذه المؤسسة أو تلك؟!
بعْدَ ما يقارب السَّنة، على الخوض في نفس المواضيع، والتَّوصُّل إلى نفس النتائج، قرَّرتُ عدمَ الخوض في هذه الأحاديث. فكثيرٌ مِمَّن يُجري هذه النقاشات، لا ليستفيد، بل ليتسلّى، ويَحملُ في محفظته “كَرْتَ” قيامه بغسل الأطباق كَنِسْويّ يدعم المرأة، أو كَرْتَ عدم قيامه بضرب زوجتهِ، أو كَرْت عمله في مؤسسة تعمل على مشاريع تَدعم دور المرأة في المجتمع، أو كَرْت تعريف أنّه كـ “ذَكَر” في هذا المجتمع، يسمح لي كـ “أنثى” بأن أشاركهُ في مجال العمل. وعلى هذا، يعتبر نفسه خارج أيّ منظومة أبَويّة أو ذُكوريّة بطبيعة الحال.
النساء النَّكَدِيّات -مِثْلي ومِثل عددٍ من الزميلات اللَّواتي كنّ يتقاسمنَ معي “وجَع القلب” ذاك-، يُناضلنَ بشكلٍ يوميّ ضدّ الأبَويّة والذكوريّة والسُّلطويّة، التي تشملنا جميعاً (ذكوراً وإناثاً)، لنتمكَّن مِن أن نستمتع يومًا ما بمجتمع أفضل. ولِكَونها تضع جُلَّ ثقلها على أكتافنا كإناث، لا يجعلني ذلك المَعنيّةَ وحدي كأنثى. فالمُزاح الذي لا نتقبَّله اليوم، ليس هو لأننا لا نحبّ المرح؛ بل لأننا لا نَقْبل أن يكُون ما نعانيهِ، موضوعاً لهذا المرح.
لا يكفي أن يُلوِّح لي أحدهم ضمْن هذا النقاش، بأنّني أنا نفسي لا أعاني أكثَرَ المواقف عُنفاً من الذكوريّة (كالضرب، أو الاغتصاب، أو حرمان التعليم، أو غير ذلك)؛ حتّى يَسحب منّي حقّي في التعبير عن القضايا الأخرى التي أتعرّض لها.
تردَّدتُ كثيرًا قبل البَوح بمقالةٍ عن هذه التفاصيل، التي عفَا عنها الدَّهرُ. فهي -كغيرها من البَوح النِّسويّ-، يمْكن لها أن تُوظَّف خارج سياقها وأهدافها. فأنا في الواقع، أكتُب كي لا يكُون مقبولاً الاستهزاء بالهُويّة، حتّى وإن كان ذلك يبدو “نَكَدِيًّا”؛ إذْ لا يكفيك كَرَجُل، أن تَحمل “كُرُوت”: غسل الأطباق، أو العمل المدنيّ، أو أنّك لستَ عنيفاً، أو تترك لأختك حريّة اختيار شريك حياتها، أو أن تكون مثلياً أو أنثى؛ فمَهْما امتلَكْت من كُروت، فلا يُعطيك ذلك حقّ تَداوُل النِّكات، واجتزاء الأشياء حولَ ما أُعانيهِ كأُنثى.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.