موقع الغد الأردني- رحبت منظمات نسائية بقرار محكمة التمييز القاضي بنقض حكم لمحكمة الجنايات الكبرى يقضي “باستعمال الأسباب المخففة التقديرية بحق شخصين أدينا بقتل شقيقتهما باستخدام مادة سامة”، مؤكدة أن “عدم الأخذ بالأسباب المخففة في قضايا قتل النساء يسهم في الحد منها”.
وكانت محكمة التمييز قضت، أول من أمس، برفض قرار للجنايات الكبرى، مسوغة رفضها بأن “حكمها كان في غير محله، كونها لم تراع بنزولها بالعقوبة للحد الأدنى بشاعة الجريمة التي اقترفها المحكوم عليهما، ولم تراع الطريقة التي نفذت بها جريمة قتل المغدورة وكيفية استدراجها ليلاً، ولم تراع محاولة المحكوم عليهما تضليل العدالة بأن المغدورة انتحرت من تلقاء نفسها، ولم تراع استهتار المحكوم عليهما بالنفس البشرية التي حرم الله قتلها، وما أقدم عليه المحكوم عليهما يتنافى مع الروابط الأسرية التي تكرس وحدة العائلة”.
وفي هذا الصدد، علقت الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة سلمى النمس على القرار بإشادتها به، مؤكدة “نزاهة القضاء الأردني وإدراكه لأهمية عدم إفلات الجاني من العقاب، وعدم تحليه بالأعذار المخففة مهما كانت الأسباب، ما يشكل رادعا لأي شخص تسول له نفسة الإقدام على ارتكاب أية جريمة”.
وأشارت النمس لـ”الغد” إلى استمرار الجهود في اللجنة فيما يتعلق بحملتها الخاصة بإيقاف “جرائم قتل النساء والفتيات” حتى نهاية العام الحالي، مبينة أن “العريضة الخاصة بهذا الشأن ماتزال متدوالة في ورش توعوية تعقد شهريا، ليصار إلى رفعها إلى الجهات المختصة بعد حشد التأييد حولها”.
وكانت اللجنة أطلقت مؤخرا عريضة، ضمن حملتها “أوقفوا قتل النساء والفتيات”، طالبت من خلالها باتخاذ حزمة من الإجراءات التشريعية، لوقف “العنف المتصاعد ضد النساء”.
وأشارت إلى “وجود نصوص تعطي أعذارا وأسبابا مخففةً ورخصاً للجناة؛ تمكّنهم ليس فقط من ارتكاب جرائمهم بدم بارد واطمئنان، بل أيضا الإفلات من العقوبة، إضافة إلى ضعف آليات الحماية المتوفرة للنساء والفتيات المعرضات للخطر من قبل أفراد العائلة”.
وتطالب العريضة الحكومة ومجلس الأمة “بتحمل مسؤولياتهما بالعمل على تعديل نص المادة (98) من قانون العقوبات، بحيث تستثنى جرائم الإيذاء والقتل المرتكبة ضدّ النساء بداعي ما يسمى “الشرف” من تطبيقات العذر المخفف المنصوص عليه في هذه المادة، والتي أظهر الواقع العملي أنها تشكل أساس مشروعية قتل النساء”.
وتنص المادة 98 على أنه: “يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”.
بدورها، قالت جمعية تضامن النساء “تضامن”، في بيان لها، إن “صدور هذا القرار يعتبر انتصارا للنساء ضحايا جرائم القتل بشكل خاص، وللنساء ضحايا العنف بشكل عام”، مؤكدة ضرورة أن “يكون ذلك دافعا ومحفزا إضافيا، إلى جانب المطالبات المستمرة من منظمات المجتمع المدني، لصانعي القرار خاصة في السلطتين التنفيذية والتشريعية، لاتخاذ خطوات نحو تعديل وإلغاء بعض النصوص في قانون العقوبات، والمتعلقة بالجرائم تحت ذريعة الشرف، وعلى رأسها المواد 340 و97 و98 و99”.
من جهة أخرى، أوضحت “تضامن”، أن “المفهوم الخاص بجرائم قتل النساء والفتيات لكونهن نساء، يختلف تماما عن جرائم القتل التي ترتكب ضد الأشخاص، سواء أكانوا ذكورا أم إناثا، فجرائم قتل النساء يقصد بها تلك الجرائم المرتكبة عمدا ضدهن كونهن نساء، وكان يشار إلى هذه الجرائم قديما على أنها جرائم “قتل الإناث” أو جرائم “وأد البنات” أو جرائم “القتل الممنهج للإناث””.
وأشارت إلى أنها “تقف بقوة ضد مختلف جرائم القتل التي يقع ضحيتها الذكور والإناث على حد سواء، كجرائم القتل غير المقصود بسبب الحوادث المرورية، أو بسبب إطلاق الأعيرة النارية، أو جرائم القتل العمد لغايات السرقة مثلا”.
وقالت إن “عدد جرائم قتل النساء والفتيات خلال العام 2016، بلغ 29 جريمة، وفقاً لما رصدته وسائل الإعلام، وتقتصر فقط على الجرائم المرتكبة ضدهن لكونهن نساء، وقد تكون الجرائم التي يرتكبها الجناة تذرعا بـ”الشرف” أو “غسل العار” بوصفهما الصورة الأكثر وضوحا في هذا المجال”.
واقترحت “اتخاذ عدد من الإجراءات بصورة عاجلة، بهدف التصدي لجرائم قتل النساء والفتيات، وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب، كإنشاء مرصد وطني لهذه الحالات من القتل”.
وطالبت بإنشاء مرصد وطني تشترك فيه مؤسسات المجتمع المدني كـ”تضامن”، واللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، والمجلس الوطني لشؤون الأسرة، مع الجهات القضائية ممثلة بوزارة العدل والجهات الحكومية الأخرى، بهدف وضع الاستراتيجيات الدقيقة والفعالة لمنع و/أو الحد من هذه الجرائم”.
وأضافت أن ذلك يتم “من خلال جمع البيانات المتعلقة بتلك الجرائم ومرتكبيها وأسبابها ودوافعها وعلاقة الجناة بالمجني عليهن وجنسياتهم، ومناطق وأماكن ارتكابها، والأحكام القضائية الصادرة بحق الجناة، وتتبع حالاتهم بمراكز الإصلاح والتأهيل، والكشف عن الجرائم المرتكبة ضد النساء والفتيات والتي يتم إخفائها بذرائع مختلفة كالانتحار”.
بدورها، قالت مديرة مركز العدل هديل عبد العزيز إن القرار “مهم جداً كونه يفعل دور المحكمة بالرقابة على مدى صحة إسقاط الحق الشخصي وانسجامه مع مبادئ العدالة، حيث إن هذا المفهوم يرتبط بوجود نوع من الانتصاف الاجتماعي، من خلال صلح اجتماعي يؤدي إلى تنازل الضحية عن أمام القضاء”.
وأضافت عبدالعزيز: “إلا أنه في حالات قتل النساء والأطفال، ينتفي عنصر الانتصاف، نتيجة اجتماع صفة ممثل الضحية وممثل الجاني في نفس الشخص، ومنذ سنوات ومحكمة الجنايات الكبرى لا تتساهل مع قضايا القتل تحت مدعاة الشرف، فتحكم بالعقوبة المحددة قانوناً وهي الأشغال الشاقة لمدة 20 سنة، إلا أن إسقاط الحق الشخصي هو ما كان يؤدي الى تخفيض الحكم في مثل هذه القضايا إلى 10 سنوات، وهو ما كان يعني الإفلات الجزئي من العقاب”.
وأكدت أن “هذا ما تداركته محكمة التمييز في قرارها” الأخير، وخاصة أن الأخذ بإسقاط الحق الشخصي كعذر مخفف هو صلاحية تقديرية للمحكمة وليس إلزامياً، وبالتالي يجب أن يتم بشكل لا يمس مبادئ العدالة ولا الردع العام، وهو الهدف الأصلي المتوخى من العقوبة الجزائية”.