روزنة\محمد حبش- لا يوجد شعار تبناه البعث الاشتراكي أكثر من تحرير المرأة، وخلال خمسين عاماً من حكم البعث لم تتوقف ماكينة النظام الإعلامية عن الحديث عن دور المرأة في البناء التقدمي، وطالما كرروا أن ثورة البعث اختارت يوم الثامن من آذار لإطلاق مشروعها التقدمي والتحرري لدعم المراة في مشروع نهضتها وقيامها.
وفي يوم أسود من عام 1980 هجم عناصر سرايا الدفاع على نساء دمشق في الشوارع وأرغموا كل محجبة على نزع حجابها، في أجواء هستيرية حاقدة، تحت شعارات تحرير المرأة، والثورة على التقاليد البالية.
وكان هذا اليوم الهائج مقدمة لعشرين سنة من القمع على الحجاب، في المدارس والجامعات ومراكز العمل، وقد أدى هذا السلوك الاستبدادي تلقائياً إلى موجة هائلة من ردة الفعل، وأعاد عشرات الآلاف من النساء السوريات إلى ثقافة النقاب، وحول عشرات الآلاف من السوريين بناتهن من التعليم العام إلى مدارس التعليم الديني أو إلى المنازل، وطبقت أكبر حملة تجهيل في تاريخ المرأة السورية.
ومن حقنا أن نتساءل اليوم: هل يستطيع الاستبداد أن يجلب الخير للمرأة، وهل كانت هذه الممارسات الثورية في مصلحة المرأة السورية؟
عشرات الممارسات التجميلية لدور قيادي للمرأة لم تقدم تنمية حقيقية للنساء، اتحاد نسائي، هيئة للمرأة والأسرة، أسماء نساء على المدارس والشوارع، ومع ذلك فلم تستطع قيادة البعث أن تتحمل أكثر من اسم واحد في القيادة القطرية من النساء، وزيرة أو وزيرتين بين الحين والآخر، منصب وهمي لنائب رئيس الجمهورية من النساء لسيدة مثقفة تعلم جيداً كما يعلم سائر المراقبين أنها لا تملك في دولة البعث شروى نقير.
وفي تجربتي الخاصة في سياق منح المرأة الجنسية السورية لأبنائها لم نستطع خلال جهد برلماني استمر نحو عشر سنوات أن نحصل على تعديل بسيط تنال فيه المرأة السورية حقها في منح الجنسية لأبنائها، وكانت مؤسسات البعث المتغولة تشيد بجهودنا ونشاطنا، وحين كنا نطلب منهم الإيعاز للنواب البعثيين لدعم مشروعنا كانت القيادة القطرية تصرح دوماً باننا لا نستطيع التدخل في مسار العملية الديمقراطية المنضبطة في الدولة السورية!
بعد خمسين سنة من شعارات البعث في تنوير المرأة وتحريرها ماذا كانت النتيجة؟
خرج الريف المحافظ كله من العملية التنميوية على مستوى النساء، وصعد المشايخ على المنابر يقولون بكل ثقة وحماس إن التعليم قد صار فتنة مؤكدة، وأن السبيل الوحيد لتعليم المرأة هو المدارس الدينية التي سمح فيها البعث بلبس الحجاب، بل إن أفضل مكان للمرأة هو بيتها وبيت زوجها، وإن علينا أن نجنبها الفتن والمزالق وعاد خطباء كثير يشيدون بعصر الحريم (الجميل) الذي كانت فيه المرأة لا تخرج من بيتها إلا مرتين مرة من بيت أهلها لبيت زوجها ومرة من بيت زوجها الى القبر!
لم تكن هذه الردة الهائلة إلى عصر الحريم وخروج قسم كبير من نساء سوريا من الحياة والعمل لتثير في الاستبداد أي مشاعر، لقد كرر الاستبداد ما يقوله اليوم حين يخرج ملايين السوريين من سوريا: إن البلاد تتنظف! وهذا شيء ضروري إننا بحاجة لعملية تطهير ثورية للحفاظ على مكتسبات المرأة السورية! وقد كلفنا هذا التطهير الثوري خروج جيل نساء كامل من التعليم أسهم بشكل مباشر في تكوين الجيل الآتي على قدٍ أكثر نزقاً ومقتاً وغضباً ضد قيم الحداثة.
في مقارنة سريعة لواقع المرأة السورية وواقع المرأة الخليجية، ومع أن الخطاب الديني التقليدي في السعودية لم يتزحزح قيد أنملة، ولا تزال الفتاوى بتحريم قيادة السيارة على النساء، ولا تزال سياسات الفصل الصارمة التي لا تنتمي لعقل ولا دين تطبق بصرامة ضد النساء، ومع ذلك فإن إرادة التحرر تجنبت الصراع ضد الدين وسارت في مكان آخر وأنجزت مكاسب غير متوقعة للمرأة، وقامت في السعودية أكبر جامعة للنساء في العالم، في مختلف التخصصات وبمناهج أمريكية بالغة التطور، وبلغ عدد المبتعثات السعوديات إلى إمريكا وإوروبا أكثر من أربعين ألف امرأة، وفي مجلس الشورى السعودي تجاوز عدد النساء ثلث الأعضاء فيه، وحققت المرأة مكاسب غير متوقعة في الشركات التجارية والإنمائية، وفي الكويت قادت النساء حركة ريادة تحررية على مستوى الأمة العربية، بمبادرة عدد من الأميرات المثقفات، أما الإمارات فقد قدمت مجلس وزراء فيه ثمان وزيرات منهن وزيرة للشباب بسن 22 عاماً، ورئيسة للمجلس الوطني الإماراتي.
التنمية الحقيقية للنساء لا تعني المواجهة البلهاء مع قيم المجتمع وثقافته، إنها تعني التنمية بالتوازي مع الدور الفضائلي والقيمي للمجتمع، والموروث من الماضي ليس محض رماد أصم، إنه أيضاً لهيب وحياة، وإنما نحتاج من تراث الأجداد الجذوة لا الرماد.