دويتشيه فيليه- التعديلات القانونية الأردنية الأخيرة بشأن إلغاء الأحكام المخففة تجاه المغتصبين، تنعش الأمل في القيام بتطبيقات مماثلة في الدول العربية. وبالرغم من تعدد القوانين العربية فغالبا ما يفلت المعتدي من العقاب حال زواجه بضحيته.في خطوة جريئة، قررت الحكومة الأردنية إلغاء مادة 308 من قانون العقوبات الأردني التي كانت مثار جدل لسنوات. وكانت هذه المادة تمنح الجاني في جرائم الاغتصاب فرصة الإفلات من العقاب. وقد تعالت الأصوات المطالبة بإلغاء الأحكام المخفّفة في مثل هذا النوع من الجرائم، والتي تم تطبيقها على المعتدي في جميع الحالات، بما في ذلك تزويج المغتصب بالمغتصبة. وكانت المادة 308 محل انتقاد أيضا من قبل المنظمات الدولية والتي ساهم تطبيقها في الزيادة في جرائم الشرف، حيث كان الجاني يفلت من العقاب في حالة زواجه بالضحية.
وجاء القرار بعد حملة معارضة لمشروع القانون والتي قادها ناشطون وعلماء دين مسلمون ومسيحيون. في حين طالبت الحركة النسائيّة على مدى سنوات، بضرورة تعديل هذه المادَّة من قانون العقوبات الأردني أو إلغائها، لأنها تعبر عن عقوبة ثنائية للمجتمع ضد المغتصبة، ولكن بقوّة القانون. وكانت هذه المادّة تنصّ على أنه يمكن “إعفاء الرّجل من الملاحقة في جرم الاغتصاب أو هتك العرض أو الخطف للزّواج أو ما شابه، في حال انتهت الواقعة بزواجه من الفتاة التي اغتصبها”.
معاقبة الضحية بدل الجاني
وتعتبر الناشطة الحقوقية في شؤون المرأة أمل جبر- الأطرش في حوار مع DW عربية “إن هذا القرار المهم جاء نتاج سنوات طويلة من النضال من أجل إنصاف المرأة في الأردن”. وأضافت الناشطة الأردنية أن “القرار بالرغم من أهميته إلا أنه ما زال يضم نواقص عديدة، حيث إنه لا ينصف المرأة المغتصبة الحامل، ولا يلزم المغتصب بالنفقة المترتبة عن رعاية الطفل”. كم عبرت عن أملها في أن يشكل القانون الجديد أداة رادعة ويحُد من أعداد الإغتصاب المرتفعة بالمجتمع، والتي كان المغتصب يكافأ عليها من خلال التزوج من الضحية .
كما اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في كانون الأول/ديسمبر 2016، أن ذلك “القانون يسمح باعتداء ثان على ضحية الاغتصاب باسم الشرف عبر تزويجها من مغتصبها”
وبحسب وكالة الأنباء الأردنية «بترا» فإن مشروع القانون المعدل لقانون العقوبات لسنة 2017 يهدف إلى تعزيز سيادة القانون وهيبة الدولة بحيث يلقى كل شخص يخالف قانون العقوبة الجزائية المناسبة، إضافة إلى زيادة فاعلية العقوبات المقررة لبعض الجرائم، وتطبيق صفة الإجرام على بعض الأفعال، وإضفاء الحماية الجزائية عليها. وقد تم إدخال تعديل على القانون في العام الماضي، ينص على أنه “يمكن للمغتصب أن يتزوج ضحيته إذا كان عمرها ما بين 15 و18 عاما”، لكن اللجنة الملكية اقترحت في فبراير/ شباط، إلغاء القانون تماما.
وتقول أمل جبر-الأطرش أنه من غير المعروف لماذا تم إدخال نص زواج المغتصب بالضحية في القانون الأردني وفي بقية الدول العربية، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن ذلك تم في الماضي بحسن نية من أجل حماية المرأة، ترى الناشطة الأردنية أنه هدف إلى “تشريع المشكلة من اجل التمكن من إيجاد اعتراف قانوني لها”. وأكدت الناشطة الحقوقية أن المشرع اعتقد أنه يحمي المرأة، إلا أنه أساء إليها مرتين: أولا من خلال إلغاء معاقبة المغتصب، وثانيا من خلال تزويجها له، دون أخذ الاعتبار بالتأثيرات النفسية وحقها في الاختيار.
المغرب تعديل القانون بعد انتحار ضحية
يعاقب القانون المغربي المغتصب بالسجن من 5 إلى 20 سنة، كما ذكرت صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية التي نشرت تقريرا (الثلاثاء 25 أبريل/ نيسان 2017) عن قانون معاقبة المغتصب في الدول العربية. وكان المغرب قد ألغى في عام 2014 قانونا يوقف ملاحقة الجاني إذا تزوج بضحيته. وجاء التعديل عقب قيام الفتاة أمينة الفيلالي، 16 عاما، بالانتحار، والتي تم إجبارها على الزواج من مغتصبها عام 2012.
و فارقت أمينة الفيلالي الحياة بعد تجرعها سم الفئران، مما أثار غضب الرأي العام داخل المغرب وخارجه، كما فتحت المأساة بابا واسعا أمام المنظمات الحقوقية والنسائية للمطالبة بتغيير بعض فصول القانون الجنائي ومن بينها الفصل الذي يتيح للمغتصب الزواج من ضحيته.
يذكر أن القانون الإيطالي كان يعفي أيضا المغتصب من تهمة الجريمة في حال زواجه بالضحية، بحسب الصحيفة الألمانية فإن التعديلات القانونية التي تمت عام 1978 هي التي مهدت الطريق لإزالة هذا البند .
لبنان أيضا غيرت القانون
الثغرات القانونية بهذا الشأن في البلدان العربية مازالت قائمة. وقد علّق ناشطون في لبنان فساتين زفاف في العاصمة بيروت في منتصف أبريل/ نيسان 2017 للاحتجاج ومطالبة البرلمان اللبناني بإقرار إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات. وتنص المادة على أن القيام بالاعتداء على العرض ومن بينها جرائم الاغتصاب واغتصاب القاصرات وارتكاب الاعتداءات الجنسية، والخطف بالقوة بقصد الزواج يشكل التزاما من قبل المعتدي تجاه المعتدى عليها بحيث تسقط العقوبة المقررة عليه إذا تزوج الضحية”. وقد تمكنت الحركات النسوية من إلغاء القانون، إلا انه ينتظر المصادقة عليه من قبل البرلمان منذ عدة أشهر .
ولا توجد إحصائيات دقيقة بشأن زيجات الضحايا من مغتصبيهم في لبنان، لكن هذه الممارسات موجودة في المناطق الريفية. وقالت مسؤولة الحملات في جمعية “أبعاد” التي تقود حملة داعمة لإلغاء المادة 522، علياء عواضة، لوكالة فرانس برس: “في كل يوم يمكن أن تُغتصب امرأة ويتم إجبارها على الزواج من مغتصبها”.
نفس الجريمة بتشريعات مختلفة
أما بالنسبة للسعودية فقد يكون الأمر مختلفا بعض الشيء، إذ أنه وفقا لبيانات حكومية سعودية، فلا يوجد بالمملكة قانون عقوبات، والقانون المطبق في هذه الحالات هو القانون الإسلامي. وليس هناك من صياغة قانونية تجرم الاغتصاب تحديدا، ولكن معاقبة الجاني تختلف بين الجلد والإعدام. وتعاقب الفتاة أيضا في حال ثبوث عملية الاغتصاب في وضع الخلوة غير الشرعية. وتواجه السعودية دائما انتقادات بخصوص أوضاع النساء في المملكة، خاصة من قبل منظمات حقوقية عالمية.
في القانون الجزائري تنص المادة 336 على “المعاقبة بالسجن من 5 إلى 10 سنوات، لكل من ارتكب جناية الاغتصاب”. كما إنه:”إذا وقع الاغتصاب على قاصر لم تكمل 18 سنة، فتقتضي العقوبة بالسجن من 10 إلى 20 سنة”. ويوفر القانون الجزائري للمغتصب فرصة الإفلات من العقاب إذا تزوج ضحيته في حال كانت دون سن الـ18″. منظمات حقوقية جزائرية تطالب دوماً بإلغاء هذا البند، حيث تجبرالنساء الضحايا على الزواج من الجاني للإفلات من العقاب.
أما في السودان فحين تتقدم المرأة أو الفتاة ببلاغ تعرضها للاغتصاب فقد تعرّض نفسها بذلك لاحتمال الملاحقة القضائية. ويجب على الضحية أن تؤكد براءتها عبر الإثبات بأن اللقاء لم يتم بموافقتها، وإذا لم تنجح في ذلك، فقد تكون عرضة للمحاكمة بتهمة الزنا.
في موريتانيا حق الضحية مهدور بالكامل
ولا يعاقب القانون الموريتاني مرتكبي جرائم الاغتصاب، كما أنه يهدر حق الضحايا بسبب نواقصه، بحسب منظمات حقوقية دولية، إذ تجدر الإشارة إلى وجود صعوبة إثبات ارتكاب الجريمة أمام القضاء، فمن الضروري أن يقر الشخص نفسه بفعلته، أو من خلال تطابق شهادة أربعة رجال بشأن وقوع الجريمة.
وفي تونس لم يصل الأمر إلى مرحلة إلغاء المادة المتعلقة بوقف ملاحقة المعتدي الذي يتزوج الضحية، إلا أن تونس شهدت تحركات لإلغاء الفصل 227 من القانون، الذي ينص على أن زواج الفاعل بضحيته يوقف الملاحقة الجنائية، علماً أنه خلال فترة صياغة الدستور الأخير، حاولت منظمة العفو الدولية تمرير بيان يتضمن توصية بإلغاء البند الذي يعفي من العقاب، إلا أن 32 حزباً سياسياً فقط من أصل 100 وافقت على المقترح، حيث لم يتم اعتماده.
وينص القانون التونسي على أنه “يعاقب بالإعدام كل من واقع أنثى باستعمال العنف، ويعاقب بالسجن مدى الحياة كل من واقع أنثى من دون رضاها”، لكن على مستوى التطبيق، فإن عقوبة جرائم الاغتصاب تتراوح بين 10 و15 عاماً من السجن.
ويأمل ناشطون أن يكون تعديل قانون الاغتصاب في الأردن فرصة من أجل إحداث تغييرات مشابهة في البلاد العربية الأخرى. وتقول الناشطة الأردنية أمل جبر-الأطرش في حال إقرار التعديل والمصادقة عليه من قبل البرلمان الأردني، فقد يكون هذا بداية لتغييرات قانونية مماثلة في الأردن والدول العربية الأخرى، وتوضح الخبيرة جبر- الأطرش أن “هناك قوانين أخرى مماثلة تغبن حقوق المرأة، مثل قانون القتل بدافع الشرف والذي لا يختلف كثيرا عن قانون الاغتصاب ويحاكم الجاني ضمن شروط مخففة”.