موقع “منشور”- في تسعينيات القرن العشرين، رأى القس الأمريكي «بات روبرتسون» أن الحركة النسوية لا تهدف إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، بل هي «حركة سياسية اشتراكية تهدم الأسرة وتشجع النساء على هجر أزواجهن وقتل أولادهن وصناعة السحر، وسحق الرأسمالية وممارسة السحاق».
رغم غرابته وتشدده، ما زال هذا الاعتقاد أو اعتقاد شبيه يشكِّل تصور الرجال عن الحركة النسوية، ويكشف مقال نشره موقع «IPM» الأسباب وراء السمعة السيئة التي التصقت بالحركة النسوية، ويجيب كاتبه على سؤال: لماذا يعتقد الرجال أن النسويات يكرهنهم؟
«بعض» النسويات يكرهن الرجال
من خلال بحث سريع عن الحركة النسوية المتشددة على الإنترنت، يقول كاتب المقال إنه وجد مقالًا عنوانه «لماذا أكره الرجال؟»، بالإضافة إلى مجموعة أقوال عن الرجل نُسبت إلى نسويات، اعتبره أحدها «أحط قدرًا من الحيوان، وتحركه غرائزه»، لذلك يؤكد الكاتب أنه يسهل العثور على نماذج لنسويات يكرهن الرجال.
لكن هناك مصطلحًا بعينه يصف هذه الحالة من العداء: «كراهية الرجال» (Misandry)، وهو تعبير يشير إلى حالة تختلف تمامًا عن الحركة النسوية المعنية بتحقيق المساواة في المجتمع بغض النظر عن الجنس، فقد تكون هناك نسويات كارهات للرجال، لكن كراهية الرجال ليست شرطًا للانتماء إلى الحركة، حسب كاتب المقال.
رغم أنه لا يمكن إنكار وجود هذه الحفنة الكارهة للرجال، فإنه لا يمكن كذلك إغفال تصيُّد أعداء الحركة النسوية لتلك الحالات الفردية على حساب الكَمِّ الأكبر من الكتابات والأشخاص والمؤسسات النسوية المعتدلة.
لا ينبغي أن يخدعك كَمُّ الكراهية الموجهة ضد الرجال على الإنترنت، فما زالت كلها حالات فردية لا تمثل جوهر الفكرة النسوية، فالحركة النسوية تسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وهدفها خلق مجتمع لا تتحدد فيه السعادة والنجاح على أساس النوع.
يرفض معظم النسويات الاعتقاد بأن النساء أفضل من الرجال، ويرون أن هؤلاء اللاتي يعادين الرجال يخرقن القواعد الأساسية للحركة النسوية، التي تدعو إلى المساواة بين البشر جميعًا، لكن وجود النساء الكارهات للرجال كعضوات في الحركة النسوية لا يعيب الحركة نفسها.
حرب عمرها أكثر من مئتي عام
ليس الادعاء بكراهية الحركة النسوية للرجال وليد الأمس، فقد كان دائمًا رد فعل مصاحبًا للحركة، التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية للمطالبة بالمساواة مع الرجال أواخر القرن الثامن عشر، وازدادت قوةً في القرن التاسع عشر.
يتساءل الكاتب عن الجُرم الذي فعلته النساء بالمطالبة بالحق في التملُّك والالتحاق بالجامعة والتصويت في الانتخابات، كي تُواجَه مطالبهم العادلة باتهامات بالسعي إلى هدم الأسرة ومعاداة الرب والرجال، ولا تزال الحركة النسوية تواجه نفس الاتهامات حتى اليوم، لأن الرجال يملكون السطوة التي تمكنهم من تجاهل تلك المطالبات باعتبارها تشددًا.
يقول كاتب المقال إن هذا النوع من القهر هو ما تتعرض له المجموعات الإثنية (المختلفة عرقيًّا وثقافيًّا) الأقل عددًا، وكذلك الأقليات الدينية التي تتبنى معتقدًا غير معتقد الأغلبية، وهو بالضبط ما تعانيه النساء. تصدق الناس هذه الأكاذيب لأنهم لا يتصرفون بعقلانية، وأحد الأمثلة التي توضح تلك النزعة إلى التفكير غير العقلاني هي ما يسميه الكاتب «الانحياز التشخيصي».
أظهرت دراسة أن تغييرًا بسيطًا في الطريقة التي يُوصف بها شخص ما كفيلة بأن تبدِّل الطريقة التي نراه بها. وفي هذه الدراسة حلَّ مدرس بديل مكان أستاذ المادة الأساسي في فصل بإحدى الجامعات، وقُدِّمت للطلبة سيرة مختصرة تُعرفهم بالأستاذ الجديد، لكن نصف السِّير التي وزعت عليهم خضعت لتغييرات بسيطة استُبدلت فيها السمات الإيجابية للأستاذ بأخرى سلبية.
بعد انتهاء المحاضرة كان على الطلاب تقييم أستاذهم، والعجيب أن نصف الطلبة أعطوه تقييمًا إيجابيًّا، في حين منحه النصف الآخر تقييمًا سلبيًّا، فرآه النص الأول لطيفًا ومتفهمًا، فيما اعتبره الآخرون قاسيًا وغير مبالٍ.
يؤكد هذا في رأي الكاتب أن تغييرًا محدودًا في وصف الأستاذ الجديد أثر على وجهة نظر نصف الطلاب، ويتساءل: ماذا لو نُعِت ذلك الأستاذ بصفات أسوأ ممَّا ورد في السيرة، مثل أنه يكره الطلبة ولا يخدم سوى مصالحه الشخصية؟ هذه هي الصفات نفسها التي تُنعت بها الحركة النسوية في علاقتها بالرجال.
النسويات لا يرون كل الرجال أشرارًا
لا يتساوى الانتماء إلى الحركة النسوية مع الاعتقاد بأن كل الرجال مغتصبون، وهذا التصور أنتجه الفكر المضاد للحركة النسوية للتشهير بها، وهو ادعاء سخيف استهلك كثيرًا من الوقت في رأي الكاتب.
لا يعتقد النسويات أن كل الرجال أشرار كما يزعم المناهضون للحركة، ولا يلُمن كل رجل يعرفنه على سنوات الاضطهاد الطويلة التي تعرضت لها النساء، فكما أن البيض لا يتحملون جميعًا ذنب اضطهاد السود، فإن الرجال في العموم لا يتحملون وزر ظلم المرأة، فما تكرهه النسويات حقًّا هو مئات السنوات من الظلم والتمييز بين الرجل والمرأة، لا الرجال أنفسهم.
يمارس الرجال التمييز لأنهم تعلموا أن يفكروا على هذا النحو، كما تَقبل النساء هذا التمييز لنفس الأسباب، وما تفعله الحركة النسوية هو أنها تطلب من النساء والرجال أن يفكروا بصورة نقدية في تلك السلوكيات التي اتخذت صبغة طبيعية، وتحملهم مسؤولية ذلك التفكير العنصري حتى ولو لم يدركوا أنه تمييزي.
لهذا السبب، يتخذ الأشخاص الذين يمارسون سلوكيات عنصرية موقفًا دفاعيًّا حينما تصحح لهم الحركة النسوية تصرفاتهم، فهم غالبًا لم يعرفوا أن سلوكهم تمييزي، لكن هذا لا يجعل السلوك الخاطئ مقبولًا على أي حال.
هل تتجاهل النسوية مشكلات الرجال؟
يتساءل الرجال عمَّا إذا كانت مطالب المساواة التي ترفعها النسويات تشملهم كذلك أم تخص النساء وحدهن، والجواب أن الحركة النسوية لم تحسم هذه المسألة أبدًا، وفق الكاتب.
هناك مشكلات كثيرة تخص الرجال يمكن للنسوية تناولها من وجهة نظر المقال، مثل انخفاض الأداء الدراسي المتوسط للذكور قياسًا بالإناث، وضعف سعي الرجال إلى الأدوار القيادية، والنسبة الأعلى من مرتكبي الجرائم الرجال، وكلها أمور تحتاج معالجة اجتماعية.
لكن هل تتجاهل النسويات تلك القضايا بسبب كراهية الرجال؟ بالطبع لا، فالحركة النسوية لم تحسم في رأي الكاتب أمر الاهتمام بقضايا الرجال لأن مشاكلهم تتصدر اهتمام المجتمع على كل حال، بسبب طبيعة المجتمع الذكورية.
تخشى الكثير من النسويات من أن تناول قضايا الرجال قد يحول الاهتمام بعيدًا عن قضايا المرأة، ويعطل مسيرة السعي نحو تحقيق المساواة مع الرجل.
تحقيق المساواة بيد الرجل وحده
قول الكاتب إنه من غير المنصف أن يتوقف رصيدك من النجاح ومكسبك وحقك في التعامل باحترام ومساواة والحصول على منصب سياسي على نوعك الاجتماعي، وهي جميعًا صور تمييزية يمكن قياسها.
أسهل صور التعامل مع انعدام المساواة وأكثرها إثارةً هو تحويل مسار القضية، بوضع المجموعة المتعرضة للظلم، أي النساء، في موقف الدفاع، فالسود يواجهون احتمالات أكبر للسجن لأن الجريمة أصبحت تقترن بلون بشرتهم، وبينما تدور نقاشات محتدمة حول الظلم الذي يتعرضون له، يحصل كثير من البيض على أحكام براءة لا يستحقونها.
تتقاضى النساء أجورًا أقل من الرجال مقابل أداء نفس الأعمال، ولم يعد الأمر يثير الدهشة كأنه طبيعي، وكأنه ينبغي عليهن الرضا بذلك.
إن وتيرة التغيير بطيئة، لأن مَن في السُّلطة هم الذين يديرون الدفة، وكثيرًا ما يفضل هؤلاء تشتيت الانتباه بعيدًا عن قضايا المرأة.
يوضح كاتب المقال أنه حتى مطلع القرن العشرين كانت هناك حالة طبية اسمها «الهستيريا الأنثوية»، تشمل أعراضها اضطرابات الشهية والتوتر وسرعة الانفعال، واحتباس السوائل في الجسم، والتأثر العاطفي والسلبية والرغبة الجنسية المفرطة، وكذلك «النزوع إلى افتعال المشكلات».
معنى هذا أن المرأة متى فقدت شهيتها للطعام أو غضبت، أو حتى شعرت بالسعادة أو برغبة جنسية، أو طالبت بالمساواة، تجد التهمة جاهزة، فهي «تعاني من مشكلات نفسية».
المسؤول عن تلك الأفكار والتهم الجاهزة هو الرجل بالتأكيد، وهو يتمتع بمميزات اكتسبها عبر سنوات طويلة من ظلم المرأة، وللرجل أن يختار أن يوظف تلك المكتسبات في تحقيق المساواة للجميع، أو أن يظل يشكو من كراهية النسويات للرجال بينما تبقى مظاهر انعدام المساواة مستمرة.
النسوية