الحوار المتمدن- الموقع السياسي للمرأة وِخَطابَُها الّراِهِن.. فكري̒ا كان أو ثقافي̒ا أو حتىِسيَاِسي̒ا واحد من أهم الأسئلة في علم الاجتماع، كونها تتعرض لضغوط زائدة و تصبح عملية التََّحُّكِم و الُحْكِم مستحيلة، لأنها تعيش في مجتمع مبني على التناقضات، رغم أن هذا المجتمع يعيش في دول تتبنى نظاما ديمقراطيا، لكن وسط هذه التناقضات تصبح الديمقراطية عاجزة عن التعبير عن احتياجات المواطنين و في مقدمتهم المرأة. و لذا نجد الخطاب الراهن للمرأة العربية يختلف عنه عند المرأة الغربية التي تعيش في مجتمع منفتح، من حيث الالتزام و الانخراط فيه، و من حيث المشاركة السياسية، وهذا يدفع بالمرأة إلى التكيف مع كل الثقافات و الإيديولوجيات مهما كان اختلافها..، فهي “موالية”( لا نعطي لهذا المفهوم بعده المذهبي) أي أنها تؤيد النظام مهما كانت أخطاءه و عيوبه من أجل الحصول على منصب في السلطة، من خلالها تكتسب الحصانة البرلمانية، وهي بالتالي تعتبر “خضوعية”، حسب المفهوم الاجتماعي، أو أنها “معارضة” ، أي أنها تميل إلى الاتجاه المخالف و ليس المعادي للنظام القائم، لأنها تعتقد أنه يقهر الشعب، أو أنها تختار الجهة الوسطى أي “الحياد” فهي لا مع هذا و لا مع ذاك، و حتى لو وصفت بالسلبية، فهي بصفتها عضو في المجتمع بل جزء منه، مطالبة بأن تتعامل مع الكّل أي مع المجموعات بشكل مبني على النظرية “المساواتية”.
و الحقيقة أن علم الاجتماع السياسي و الثقافي حلل شخصية المرأة و تركيبتها السياسية و الثقافية، خاصة بالنسبة للنساء الماكثات في البيت، و دون تعميم طبعا فالبعض منهن لا يشعرن بأن مكانهن هو المشاركة السياسية، و لكنها تدرك أن وجود حكومة أمر ضروري لكل دولة و تحتاج إلى رجال يسيرونها، و هم الموظفين في الحكومة طبعا، و تعتقد أن كل المؤسسات تسير في الاتجاه الصحيح، لأنها لا تملك ثقافة سياسية واسعة، بل هي غير مطلعة عما يدور حولها، حتى داخل مسكنها الزوجي، لأنها تثق في الزوج و تعتقد أن كل ما يقوله صواب، و لذا فالعاملين في الحكومة على صواب أيضا، و كأن الجميع متماثلين و متشابهين في القول و الفعل، و قد قدم علماء الاجتماع أمثلة عن هذا النوع من النساء و دعوا إلى وجوب التنوع الثقافي في المجتمع ، كونه ضروري في عملية التنمية.
و قد ذهبت في ذلك العديد من الأقلام إلى تسليط الضوء على الخطاب الراهن للمرأة العربية بين ثقل الواقع و تطلعات التحرر، حيث انتقدت الكتابات محدودية مشاركة المرأة في صنع القرار، و هو ما نلاحظه داخل البرلمان، بحيث يلاحظ أن أغلب التدخلات البرلمانية يقوم بها رجال بالضغط على الوزراء و الحكومة من خلال نشرهم البيانات عبر الصحف لحل مشكلة من المشاكل التي يرفعها المواطن.
و حسب ما هو ملاحظ فالمسألة طبعا تكمن في أن معضلة المرأة في التنمية، راجع إلى طبيعة العملية التنموية ، و التي تتم في إطار سلطوي فوقي يستبعد مشاركتها في صنع القرار، لأنها واقعة تحت ضغوطات حزبية، و ليس من الممكن أن تعارض قرارات الحزب الذي تنتمي إليه ، لأن عامل المصلحة يلعب دوره في هذه الحالة، في ظل التنافس السياسي و من تكون له حق الأغلبية داخل البرلمان أو المجالس المحلية.
فرغم الدراسات التي أجريت حول حقوق المرأة ، بيد أن هذه الدراسات لم تتناول واقع المرأة و مشاكلها و همومها الجوهرية في المجتمع، و أهملت شرائح واسعة من النساء اللاتي يتكتمن عن مشاكلهن ، و يعتبرنها ضمن “الطابوهات” لأنهن يعشن في مجتمع ذكوري، يختزل صورة المرأة في جسدها، أي أنها ملحق للرجل لا غير، باستثناء بعض الأصوات التي تطالب بتغيير نظرة الرجل تجاه المرأة، و إعادة النظر في صراع الأدوار داخل الأسرة و تحديد مفهوم السلطة، و التعمق أكثر في رؤية الواقع و في القوى الحقيقية التي تتصارع و تشكل هذا الواقع، يرى بعض الكتاب أن الجميع مسؤول عن تردي هذا الواقع، لأن الجميع لم يتحَّل بالشجاعة و الجرأة و بالجذرية الكافية لمواجهة هذا الواقع و مواجهة الأفكار السلبية أو كما وصفها مالك بن نبي بالأفكار الميتة.
من المسؤول عن هذا الواقع المتردّي؟ سؤال وجب طرحه اليوم، هل الفكر السلفي المتطرف، الذي ظن البعض انه سيضمحل تدريجيا، لكنه يزداد في التوسع و الإنتشار و جعل الكثير من المثقفين و المفكرين يعيشون الاضطراب الفكري، بعدما كان بمقدوره أن يفجر ثورة فكرية ثقافية سياسية، لكن المنظر الثقافي كان عبارة عن “كرنفال” ،غير جدير على مواجهة الفكر التطرفي، الذي كفّر كل من يتناول الدين بمنهج عقلاني، أو تصحيح التراث الإسلامي و إعادة النظر فيها نظرة تاريخية، و معرفة إذا ما كان الصراع ديني أم تاريخي؟ طالما البعض يرى أن الدين هو القوة المحركة للتاريخ، و أن الشعوب حاربت من أجل نصرة عقيدتها، أم أن هذا الصراع له علاقة بالتحولات السياسية، فالحرب القائمة في العراق و سوريا و ليبيا و في بورما و كل ما نشاهده من انتهاكات للمرأة العربية مهم كانت توجهاتها الفكرية و السياسية، و إخراجها من عقر بيتها و تكليفها بمهمات انتحارية، أليس هذا تناقض في جد ذاته؟ لا يعطي للمرأة الحق في صنع القرار ، أو تقرير مصيرها لكن يدفعها إلى الموت باسم “الجهاد” و “الشهادة”، فعن أي جهاد أو شهادة يتكلم هؤلاء و هم يقتلون أطفالا أبرياء و يسبون نساًء و يغتصبونهن، بدلا من أن يعترفون بتضحياتهن، فهذه توكل كرمان” أول امرأة عربية، تحوز على جائزة نوبل؛ تقديراً لدورها القيادي النضالي في ثورة “اليمن” ضد النظام البائس الذي حكمه، و نقف مع إيمان العبيدي في ليبيا و ما تعرضت له من عقوبات و عنف، و في سوريا نقف مع المدونة طل الملوحي و معها سهير الأناسي ، دون أن ننسى نساء العراق و فلسطين و ما واجهته المرأة العربية مع الأمريكان الذين تفننوا في تعذيبها و اعتدوا على حرمتها.
أين المرأة إذن في الثورات العربية؟
لأن الأحداث التي تحدث في هذه الدول، شكلت تغييرات كبيرة في المنطقة لم تنته تداعياتها بعد..