الزواج.. شراكة أم امتلاك!؟
الشراكة الزوجية!

إيمان ونوس/alnnour- مع وصول البشرية إلى مرحلة تقسيم العمل، بدأت ملامح المجتمع تتضح شيئاً فشيئاً، بظهور الطبقات الاجتماعية التي كان لا بدّ من تنظيم العلاقات فيما بينها على أساس حاكم ومحكوم، بما اقتضاه ظهور رأس المال وتمركزه بيد فئة حاكمة، بينما الفئات الأخرى التي شكّلت الغالبية محكومة بقوانين الأولى.

وكان الزواج أوّل ما حظي بالقوانين الناظمة له وفق معطيات المرحلة آنذاك، وصولاً إلى مرحلة ظهور الأديان التي وضعت له قواعد وأسساً متناغمة إلى حدٍّ ما مع ما كان سائداً قبلها، وما زالت سارية حتى يومنا هذا حسب رؤى ومعتقدات كل ديانة واختلافها ببعض التفصيلات عن الأخرى، رغم أن جميعها قامت على قاعدة تُعزّز وتدعم سلطة الرجل بالقدر الذي تُعزّز فيه تبعية المرأة له من منطلق اقتصادي وديني بحكم سطوته المادية والدينية والاجتماعية.

ومن هذا المنطلق، كان الزواج ومازال قائماً على مفهوم الامتلاك والتبعية ما بين الجنسين، من خلال مطالبة الرجل بتأمين كل مستلزماته الأساسية من مهر ومسكن ومتطلبات معيشية و …الخ، بينما المرأة فيه مستهلكاً ومُديراً لما سُمّي لاحقاً بالمؤسسة الزوجية التي شكّلت النواة والخلية الأساسية للمجتمع. غير أن التغيّرات طالت مختلف المجتمعات البشرية في عصور لاحقة، بحكم تطور طبيعة الحياة والاحتكاك الذي حصل ما بين الشعوب، إضافة إلى ظهور تيارات فكرية وسياسية نهضوية آمنت بحق المرأة في التعليم والعمل أسوة بالرجل الذي لا تقلُّ عنه مقدرة في هذه المجالات، وإلى أمر آخر أكثر أهمية وهو أن المرأة/ الأم هي من تقوم بعملية التربية والتنشئة لأبنائها، فتمنحهم سماتها وسُلاف وعيها ورؤيتها للحياة، وهنا غدا برأيهم تعليمها واجب أساسي وضروري من أجل النهوض بالمجتمع الذي ترفده أجيال من المفترض أن تحمل قدراً من العلم والمعرفة يؤهّلها لما هو منوط ومطلوب منها في مراحل بناء المجتمع وتطوره الضروري في مختلف المجالات، كي نلحق بركب الحضارة الإنسانية وعلومها المختلفة. وقد استتبع تعليم المرأة ضرورة عملها إثباتاً لذاتها ولزوم استقلالها مادياً عن رجال الأسرة كي لا تبقى عبئاً ومستهلكاً، بل مساهمة فيما تحتاجه وتنتجه أسرتها، ومن جهة أخرى وحين حدثت بعض الهزّات الاقتصادية التي فرضت على الناس واقعاً معيشياً قاسياً لم يعد معه الرجل بقادر وحده على تلبية احتياجات الأسرة المختلفة والكثيرة، خرجت المرأة فعلاً من المنزل للعمل، فلم تعد حبيسة البيت، ولا متفرّغة كليّاً له ولشؤونه الكثيرة، وهذا ما فرض واقعاً جديداً على المؤسسة الزوجية، تتطلّب سنّ القوانين والتشريعات الناظمة لها التي من المفترض أن تأخذ بعين الاعتبار كل تلك التحوّلات.

غير أن واقع التشريعات التي تحكم المجتمع العربي عموماً والإسلامي خاصّة، والتي اتخذت من الفقه الاسلامي مصدراً أساسياً للتشريع، أبقت على قوانين الأحوال الشخصية التي صيغت في زمن كان فيه نمط الحياة والعلاقات الاجتماعية مختلفاً عمّا هو قائم اليوم، لاسيما للتطورات التي طالت واقع المرأة أولاً، ومن ثمّ التحوّلات الأخرى التي استتبعت حياة المجتمع. وبهذا، بقي الزواج محكوماً بقوانين وتشريعات لم تعد تتوافق والواقع الجديد، فنشأت الكثير من المشاكل والعقبات، لاسيما بالنسبة للمرأة التي انخرطت في العمل والمشاركة في مسؤوليات الأسرة، والجميع بات يعرف المشاكل الناجمة سواء فيما يختص بالمهر أو الولاية والنفقة والطلاق والحضانة وغيرها الكثير.

ولا ننسى أن هذا الواقع التشريعي ليس وحده من بقي متشبّثاً بما فيه، بل هناك التقاليد الاجتماعية بمفاهيمها المختلفة والمتخلّفة فيما يخص المرأة وحياتها كافة ابتداءً من تعليمها وعملها وعلاقتها بالأسرة والزواج، رغم صدور بعض القوانين التي منحت المرأة حقوقاً مساوية للرجل في العلم والعمل مثلاً. ولا شكّ بأن هذه المفاهيم بقيت متشبّثة في عقلية كلٍّ من المرأة والرجل على السواء، إلا إن استثنينا بعض النساء اللواتي رفضن استمرار الانقياد لها لأنها تعيق حريتهن ورؤيتهن لذواتهن وللحياة والعلاقة بالرجل، وعليه بقي الزواج محكوماً بقوانين وقيم سالفة تعتمد سلطة الرجل وتبعية المرأة.

ولكن من جهة أخرى خضعت العلاقة الزوجية لتأرجح غير معهود بسبب عمل المرأة واستقلالها المادي الذي فرض عليها الغياب عن البيت، في ظلّ نظرة تقليدية ما زالت متشبّثة بمفهوم الرجل للمرأة والزواج، وبأن عملها لا يعفيها من مسؤولياتها التقليدية، وفي الوقت ذاته لا يفرض عليه مسؤوليات غير تقليدية بالنسبة للسائد، في حين يطالبها بالمساهمة والمشاركة المادية. بالمقابل، علينا ألاّ نُغفل أن هناك العديد من الزوجات العاملات اللواتي يرفضن الخروج من شرنقة المفاهيم التقليدية التي تحكم مؤسسة الزواج وتفرض على الزوج كامل المسؤوليات المادية والاجتماعية وسواها.

لاشكّ أن هذه التناقضات التي اجتاحت مؤسسة الزواج قد أرخت بظلالها العميقة على العلاقة بين الزوجين، لاسيما إن تذكّرنا أن الدافع الأساسي للزواج في المجتمعات الشرقية والعربية عموماً، هو دافع غريزي جنسي مرتدياً عاطفة الحب، بحكم عدم مشروعية العلاقة بين الجنسين خارج إطار الزواج. وهو ما يُفضي لاحقاً إلى مشاكل لم تكن بالحسبان بسبب طغيان العاطفة على عقلانية الاختيار لدى الطرفين، يُضاف إليها كل ما ذكرناه أعلاه بخصوص منظور كل من المرأة والرجل للزواج في ظلّ المتغيّرات المعروفة، وهذا ما يُعيق ويُعرقل الهدف الأساسي للمؤسسة الزوجية التي تفترض التشاركية الفعّالة بكل الاتجاهات مدعومة بقوانين وتشريعات تحمي حقوق الزوجين/ الأبوين والأبناء في حال حدوث مشاكل تستدعي إنصاف الحقوق التي قد تنتهكها فكرة التملّك من الطرفين، أو التبعية المطلقة التي يفرضها أحياناً الزوج مدعوماً بالقيم الدينية والمجتمعية التي تُعلي من شأنه وحقوقه على حساب المرأة التي لا ترى فيها سوى تابع لمشيئته حتى ولو خلخلت كيان الأسرة والزواج.

الشراكة الزوجية!

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015