أصدرت محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ نهار الثلاثاء 14 مارس (آذار) 2017، أول قرار خاص يخيّر العاملات بشكل واضح بين وظائفهن، أو معتقداتهن الدينية، حيث أصبح بإمكان الشركات وأرباب العمل في الاتحاد الأوروبي منع الموظفين من ارتداء أي رمز أو لباس له دلالة سياسية أو فلسفية أو دينية بما فيها الحجاب، وفق قرار أصدرته محكمة العدل الأوروبية.
الاتحاد الأوروبي- أصدرت محكمة العدل الأوروبية “ECJ”، حكمًا يفيد بأن حظر ارتداء الملابس التي تشير إلى أي معتقدات سياسية أو فكرية أو دينية، لا يمكن اعتباره اضطهادًا صريحًا، ومن المقرّر أن لا يتم تطبيق “الحظر الأوروبي” المثير للجدل الذي يسمح إلى أصحاب العمل، بمنع الموظّفين من ارتداء الحجاب والرموز الدينية الأخرى في بريطانيا تلقائيًا وبسهولة.
وأثار هذا القرار موجة من الجدل بشأن اندماج المسلمين في المجتمع، خاصة وأن ارتداء النقاب في الأماكن العامة، اعتبر أمرًا مخالفًا للقانون، في العديد من الدول الأوروبية، وبيّن المحامي في “شكسبير مارتينو”، إحدى شركات المحاماة الكبرى، فيل بيبر، أن هذا الحظر، لن يطبّق في بريطانيا بين ليلة وضحاها، وأن الأمر لن يكون بهذه البساطة، مضيفًا أن هذا القرار لن يكون حلاً، وإنما يجعل الأمور مبهمة بالنسبة إلى الكثير من الموظفين.
وأوضح بيبر، أنّ وضع سياسة لفرض الملابس الحيادية أثناء العمل، هو أمر صعب للغاية، وغير واقعي في أغلب الحالات، خاصة في أماكن العمل الحديثة، مشيرًا إلى أنّه “على أي مؤسسة تريد تنفيذ سياسة كهذه التفكير بجدية حول طريقة تنفيذ هذه السياسة وحول تقبل الموظفين لها، قم بالأمر على نحو خاطئ، وسينتهي الأمر بأصحاب العمل يضطهدون موظفيهم”.
المسلمات هنّ الأكثر تأثرًا
«أريد أن أعيش في مجتمع علماني، لذلك يجب على القانون والعدالة في هذا البلد إزالة التأثير الديني، أيضًا يجب على الأفراد أن يكونوا أحرارًا في ممارسة شعائرهم الدينية طالما أنها لا تؤثر في من حولهم»، هذا ما قالته الكاتبة «إيمان عمراني» تعقيبًا على قرار محكمة العدل الأوروبية بحظر ارتداء رموز سياسية، أو فلسفية، أو دينية في أماكن العمل، وأضافت العمراني في مقالها بصحيفة «الغارديان»: «الآن المحاكم الأوربية واليمين المتطرف، نجحوا في تحويل الحجاب إلى شيء ربما أكثر قوة من رمز من الدين، وتحويله إلى رمز للمقاومة أيضًا».
قرار محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ، ينص على السماح لأرباب العمل بفصل الموظفة المسلمة من عملها بسبب ارتدائها الحجاب، إذ إنه «يحقّ للمؤسسات أن تحظر ضمن قانونها الداخلي أي إبراز أو ارتداء رموز سياسية أو فلسفية أو دينية للحفاظ على حياديتها وفق شروط»، ويرى القرار أن: «منع الحجاب في إطار قانون داخلي لمؤسسة خاصة يمنع إبراز أو ارتداء أي رمز سياسي أو فلسفي أو ديني في مكان العمل لا يشكل تمييزًا مباشرًا على أساس الدين أو العقيدة».
بالعودة للقضيتين اللتين نجم عنهما قرار المحكمة، فأولهما خاصة بالمسلمة البلجيكية «سميرة أشبيتا»، التي طردت بعد ثلاث سنوات من عملها موظفة استقبال (بدأت عام 2003) في مجموعة «جي 4 أس» للمراقبة والأمن، وذلك بعد إقدامها على ارتداء الحجاب، أما القضية الثانية فتتعلق بالمهندسة «أسماء بوجناوي» التي كانت تعمل في شركة «ميكروبول» الفرنسية، لكن الشركة أقالتها بعد عام من العمل، بناءً على شكوى من أحد الزبائن في مدينة تولوز رأى أنه «لا يريد أن يكون هناك حجاب في المرة المقبلة»، ونقلت «ميكروبول» الشكوى إلى الموظفة التي رفضت خلع الحجاب فتمت إقالتها.
دول الاتحاد ملزمة بالقرار
يوضح المحامي الدولي المتواجد في أوروبا «محمود رفعت» أن القرار لا يستهدف الحجاب فقط؛ بل كل الرموز الدينية، أو ذات المغذى السياسي أو الفلسفي، بكافة أشكالها وأنواعها، وهو يشترط أن تنص اللائحة الداخلية في مكان العمل على ارتداء زي موحد للجميع.
ويضيف رفعت الذي يصف القرار بـ«حكم معيب» أن: «الحكم يمس الحجاب لأنه نجم عن قضية تخص امرأة مسلمة تم طردها بسبب الحجاب، كما أن تأثر المسلمين به أكبر لكون الحجاب أكثر الدلالات استخدامًا، ويوضع بطريقة ظاهرة كبعد إسلامي، بينما رمز كالصليب يمكن إخفائه»، ويؤكد المحامي الدولي لـ«ساسة بوست» أنه سيكون لكل دولة في الاتحاد الأوروبي حق بإلزام العاملات بنزع الحجاب وعدم ارتدائه ومنع الرموز الدينية، مشيرًا إلى أن هذا القرار يعني أنه من حق أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي منع ارتداء أي رمز ديني خلال العمل بشكل أوتوماتيكي، ويضيف: «لن يستلزم تشريعات داخلية في الدولة، فحكم المحكمة هو مصدر قانوني، وكل دولة من دول الاتحاد ملزمة، ولا تستطيع المحاكم الداخلية الخروج على الحكم».
ويرى رفعت أنه في حال اتخذت اللوائح بمنع الرموز الدينية، فليس من المصلحة أسلمة القرار، وقال: «ربما بعض الاحتجاجات تضع الجالية المسلمة في مواجهة مع اليمين المتطرف والجناح الليبرالي في أوروبا، وهناك مؤسسات يهودية ومسيحية متضررة من هذا القرار، وهي أكثر فعالية في مواجهة هذه القرارات المعادية للرموز الدينية».
لن يستقر طويلًا
يتعارض القانون الصادر عن محكمة العدل الأوروبية بشكل واضح مع المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة، والتي تنص على أنّ «لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرًّا أم مع الجماعة».
يؤكد المحامي المغربي والخبير في القانون الدولي والقانون الأوروبي «صبري الحو» أن قرار المحكمة الأوروبية بجواز منع الرموز الدينية والفلسفية والسياسية في مقرات العمل هو اجتهاد قضائي يعطي الحرية لأرباب العمل والمشغلين ومديري الشركات ورؤسائها في المنع، ويضيف خلال حديثه لـ«ساسة بوست»: «القرار لم يعط وصفًا مانعًا لتعريف دقيق لـ(الرمز) وتحديده، لذلك سيفسح المجال لغلو وتجاوز وشطط التقدير وتعسف في السلطة، وسيستعمل في حالة رفض العاملات الانصياع لأوامر المنع في تسريحهن في إطار ادعاء الخطأ الجسيم بعدم احترام الأوامر الداخلية للمشغلين».
ويقول «الحو» إن: «هذا القرار ولئن صدر عن المحكمة الأوروبية في إطار قناعة هيئة الحكم المصدرة له، فإنني أراهن على عدم استقراره طويلًا، وستتلوه قرارات تتراجع عن هذا الاجتهاد، لأنه ينال من حقوق وحريات الفرد في المعتقد والتعبير والتصرف».
عدة جهات تستنكر القرار
«لا يحق للحكومة أن تحدد للنساء ما يلبسنه»، هكذا عقبت رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» على قرار محكمة العدل بالاتحاد الأوروبي بحظر ارتداء الحجاب بشروط معينة، قالت ماي أمام البرلمان: «لدينا تقليد راسخ في هذا البلد الذي يحترم حرية التعبير؛ وهو حق جميع النساء في اختيار ما يلبسنه، ولا نعتزم سن قوانين فيما يتعلق بذلك»، أما مفوضة الحكومة الألمانية لمكافحة التمييز «كريستينا لودرز» فقالت: «حظر الحجاب سيصعب على المسلمات العثور على عمل، موضحة أن أرباب العمل سيستبعدون بهذا الحظر موظفات بمؤهلات جيدة».
وقد طالبت رئيسة لجنة المرأة والمساواة في مجلس العموم البريطاني، ماريا ميلر، ببيان عاجل من الحكومة، بشأن هذا القانون، والذي، على حد قولها، يمكن أن يتسبّب في حرمان المرأة المسلمة من فرص العمل، مشيرة إلى أنّ “ما ترتديه المرأة، هو شأنها واحدها، لا شأن المحكمة البريطانية، ولا محكمة العدل الأوروبية، على الحكومة أن تعلم جيدا، أن الموظفين يدركون، أنه ليس من الشرعي، أن تمنع الناس ببساطة، من أن يرتدوا ملابس، تدل على معتقدات دينية، كالحجاب والصليب، كما يتوجب على الحكومة إصدار بيان عاجل، بشان هذا القرار، وأن تقدّر التمييز العنصري، الذي ستواجهه المرأة المسلمة بسبب هذا الحكم”.
كما عبّر أيضاً مجلس مسلمي بريطانيا، عن قلقه من أن يعطي هذا القانون الضوء الأخضر إلى مثيري التمييز ضد المعتقدات الدينية تزامنا مع تزايد التعصب العرقي والديني، مشيرًا إلى أنّ “الحكم خطوة للوراء، وعلى الجميع من جميع الأديان والمعتقدات أن يعارضوه”، وبيّن البروفيسور في جامعة وارويك، ألين نيل، أنّه “من الخطير جدًا معاملة مجموعة بشكل مختلف عن البقية، فالقوانين العامة يجب أن تطبق على الجميع بشكل متساوٍ”.
من جانبه، اعتبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قرار محكمة العدل الأوروبية أنه: «تراجع كبير في حرية الدين أو المعتقد في دول القارة الأوروبية»، وجاء في بيان المرصد: «إن القرار يمثل انتهاكًا واضحًا وضربةً قويةً لمبادئ العدل والمساواة والحرية التي ينادي الاتحاد الأوروبي بها»، وأكد المرصد على أن: «القرار قد يلقي بظلالٍ كارثيةٍ على المكانة الاجتماعية والمادية للنساء، والتي قد تصل إلى اضطرار بعضهن إلى مغادرة البلاد التي ستطبق هذا القرار».