القهر الممارس على المرأة؛ أشد من الوأد

عبلة عبد الرحمن/ الحوار المتمدن- مزيج من الروائح الجميله تفوح بالبيت تنبئ بالحدث السعيد، حركة دؤوب من جميع أفراد البيت بألاماني السعيدة، الأب يرمق ابنته بحنان لا يصدق أنها كبرت وستصبح عروساً. الأم تتدخل في طلة ابنتها حتى تكون بأبهى صورة. تلك تفاصيل عادية في حياة جميع الأسر، لكن في الغالب تنتهي مثل هذه اللقاءات بين أي من العائلتين بقليلٍ من الثقة. فهناك تفاصيل مادية وشكلية تصنع الصورة التي لا نشتهي حتى يمر العمر بقلقٍ وخوفٍ وتصبح من كانت مطلوبةً لا يُدَقُّ بابها إلّا نادراً.
في كل مرةٍ تتكرر فيها حادثة عريس من غير اتمام لمراسم الزفاف؛ لا بد أنها ستنتهي بكثير من التحفظ والخجل لدى البنت، وما أن تنهل فترة النقاهة بين عريس وآخر لا يعود لاسبابٍ مختلفة، حتى تتوسل إليهم بأن يرحموها من مثل هذه التجربة لأنها في كل مرة لا يكون لها نصيبٌ بالوصول إلى دفتر المأذون وتصاب بنوع من البلادة والكآبة، وقد تزداد الحالة تعقيداً إلى أن تصل إلى تدمير الذات. ولا أحسب أن تلك المهانة إلّا نوع من أنواع القهر الذي يمارس على المرأة وهو أشد من الوأد. وما هي إلّا أوهام نفتعلها ونتفاعل بها لتحطيم الخلط بين ما نريده وما نسعى له إرضاءاً للعامة حين نساوي بين ما يرضينا وما يرضي غيرنا.
هناك من تقول إنها وبالرغم من عدم الارتياح لمن طرق بابها خاطباً إلّا أنها لم تجرؤ على أن تصرّح بإحساسها أمام كل المدافعين والمؤيدين من حولها؛ والذين يرون بزواجها حلاً لعقدتها وعقدة أخواتها اللواتي يزيد عددهن على أربعة، وقد فاتهم قطار الزواج جميعهن بمعيار المجتمع.
طبيبةٌ قالت بأنه ينتابها الكثير من الحرج والخوف كلما تقدّم عريس لخطبتها، حتى تتوالى المعلومات تتسرب إليها من حيث تريد ومن حيث لا تريد، عن مدى نجاح اللقاء الأول بينهما والذي لا بد أن يكون للأهل فيه دور في القبول أو الرفض؛ لأنها تتساوى مع غيرها حين يتعيّن عليها ارضاء العائلة جميعها.
وتكمل مندوبة أدويةٍ بحسرة أنه في إحدى المرات فشل طلب الزواج لأنهم تابعوا حسابها على الفيسبوك وشاهدوا صور شقيقتها بفستان زفافها؛ الذي لم يرضهم أن يكون مكشوفاً من الذراعين.
معظم الفتيات يتقبلن بصمتٍ ما يجري لهن في كل مرة يتعرضن فيها لنكبة أنهن في سن الزواج، بحيث لا يستطعن الرفض والعروض تنهال عليهن من الأقارب والجيران وزملاء العمل من أجل (السترة)، حتى لا يعود الدعاء أو حتى صلاة الاستخارة مستجابةً؛ لأنها لن تؤدى كما يجب أمام هذا الكم الهائل من العروض التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
من قبيل التجاوز أقول أنه عندما يتم اختيار شريكة العمر على أساس مادي بحت؛ إما لوظيفتها أو لأنها خريجة كلية احتمال الوظيفة فيها كبيراً أو على أساس كتاب الخريجين (بالنظر إلى صور الخريجات وكلياتهن)، فإن في هذا انتهاك لأحلام جميع الفتيات اللواتي تنطبق عليهن مثل هذه الصفات. تخيلوا معي أن مثل هذا العريس سيدخل في اليوم الواحد على الأقل خمس بيوت، ومعروفٌ أن نسبة العنوسة غولٌ وشبحٌ بات يؤرّق حتى الفتيات الصغيرات؛ خوفاً على مستقبلهن وهن يرين طوابير من العوانس لا ذنب لهن مما يعاني منه المجتمع من التضخم الذي طال كل شيء، والأسباب التي أفرزت مثل هذه النتائج كثيرة ومتداخلة.
إذن نحن نقرع الجرس رفقاً بالبنات اللواتي صلاحهن واحترامهن من صلاح المجتمع.

المرأة التي لم تتزوج بعد

المرأة التي لم تتزوج بعد

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015