المرأة السـورية.. وتعـزيز قيم المواطنة بعد الحرب
المرأة السورية في لوحة تشكيلية

جريدة تشرين- مستندة إلى موروث وتجارب حضارية تتفرد بها من دون سواها من نساء العالم، جسّدت المرأة السورية مناحي الحياة بأرقى أشكالها حين تخطت كل القيود والتحديات التي كبلها بها المجتمع قبل الحرب وأثنائها، وبين خطي الحقوق والواجبات توزعت أدوارها بشكل فطري وواعٍ، حيث تحولت الأسر السورية من خلالها إلى جبهة قوية للدفاع عن الوطن ومحاولات تمزيقه، وفي المرحلة التي ستلي الحرب على الإرهاب وعودة الأمان لسورية ينتظر من المرأة السورية أن تؤدي دوراً فعالاً في إعادة البناء.

أدوار مهمة 

أدت المرأة السورية أدواراً متعددة ومتنوعة فكان لها تمثيلها في مواقع متعددة. تقول السيدة شفيعة سلمان أم شهيدين ارتقيا بمعارك الدفاع عن سورية: المرأة السورية هي وزارة التربية بعنايتها وتنشئتها لأطفالها على قيم المواطنة حتى يكونوا مواطنين صالحين لهذا البلد ومحصنين من أي محاولات اختراق، وهي وزارة الاقتصاد حيث كيفت المواد المتوافرة في منزلها بما يناسب الحاجات الأساسية لأسرتها (إعادة التدوير)، وفي حال فقدان المعيل زادت مسؤولياتها لتكون هي الأم والمعيل لتلك الأسر، وهي وزارة الصحة لعنايتها بابنها أو زوجها الذي تعرض للإعاقة نتيجة الحرب وداعم نفسي له، ووزارة المصالحة الوطنية فكثير من المصالحات كانت أمهات سورية وأمهات الشهداء هن ركيزتها وعمادها، ووزارة الإعلام لم تغفل فتح قنوات تواصل مع مجتمعها المحلي بغية دحض الشائعات المضللة وتوضيح الرؤية وتالياً قامت بالتخفيف من الآثار النفسية للحرب، وهي وزارة الأوقاف إذ ضحت المرأة السورية بأغلى ما تملك الأبناء، الزوج، البيوت والأرزاق وبنفسها أحياناً مقابل مرضاة الله والوطن، ووزارة الدفاع عندما عمقت لدى أبنائها الانتماء والولاء فدفعت بأبنائها للالتحاق بالجيش والقوى الرديفة كما شكلت مجموعات دفاع وطني خاصة بالنساء تحمل طابعاً قتالياً وإنسانياً أتيح للنساء المتطوعات في صفوفها المشاركة مع الرجل في الدفاع عن سورية وتقديم الخدمات الطبية لجرحى الجيش وإعداد الطعام لهم ، وأيضاً لم تشغلها مسؤولياتها الجسام عن المشاركة في الحياة السياسية والعامة من تشكيل أحزاب سياسية والترشح للانتخابات البرلمانية ودعم الاستفتاء الرئاسي وتشكيل مجموعات نسائية ذات طابع إنساني والإعداد لمسيرات تؤكد لحمة الشعب السوري ووحدة أراضيه.

ثمرات النضال  

وربما تكون الثمرات والمكتسبات التي حققتها المرأة السورية نتيجة رحلة طويلة من النضال فحسب سلمان التي أكملت قائلة: عندما أسس الاتحاد العام النسائي السوري منتصف ستينيات القرن الماضي نتيجة نضالات أمهاتنا وهو منظمة شعبية كانت تهدف منذ تأسيسها لتنمية وتوحيد وتنظيم طاقات وجهود المرأة السورية لنيل حقوقها وأداء واجباتها وتالياً المساهمة في مسيرة تنمية المجتمع في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية مناصفة مع الرجل، وكانت الركيزة الصلبة التي وقفت عليها المرأة وحصدت نتائجها اليوم. أما ما قدمته المرأة السورية في ظروف الحرب المريرة من تهجير ونزوح وتعدد المسؤوليات فقد بوأها مكانة متقدمة في المجتمع لأنها صبرت وأدت رسالتها الإنسانية والوطنية على أكمل وجه.
وتؤكد سلمان أنه بعد الحرب ستكون مشاركة المرأة من منطلق تجربتها التي ستقودها إلى تنمية مستقبلية مبنية على تخطيط ونتاجات إبداعية متفردة عالمياً.

حقوق بسيطة  

في المقابل، قالت هديل الأسمر- رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، المرأة السورية عنفت ونزحت وهجرت وتشتتت أسرتها وفقدت زوجها أو أحد أبنائها وبقيت من دون معيل، وفي كثير من الأحيان عمدت بعض الأسر السورية لتزويج بناتها اللواتي تحت سن 18 مايسمى (الزواج المبكر) نتيجة الفقر والنزوح، كما فقدت النساء السوريات الكثير من شروط الرعاية الصحية ومتابعة التحصيل العلمي كغيرها من المواطنين السوريين الموجودين في مناطق تحت سيطرة المجموعات المسلحة، كل تلك المظاهر كانت موجودة بنسب قليلة جداً قبل الحرب. وتابعت الأسمر: الهيئة السورية ومنذ تأسيسها عام 2003م أعدت ونفذت دراسات ووضعت الخطط قاطعة بذلك أشواطاً في مجال توعية المرأة بحقوقها وواجباتها وتنمية وتأهيل قدراتها، وتالياً تمكينها كي تأخذ دورها الفاعل في تطوير المجتمع، لكن استمرار الحرب على سورية أدى -حسب الأسمر- إلى تراجع الإنجازات وتضخم الظواهر السلبية وتالياً بتنا أمام أولويات وحلول إسعافية تحدّ من انتشار ظواهر الحرب، ففتحنا هذا العام وحدة تقدم الحماية والرعاية للنساء والأطفال المعنفين داخل الأسرة وخارجها بهدف حماية تماسك هذه الأسرة، وأيضاً كنا ومازلنا ندعم أي مبادرة نسائية تخدم المرأة كمنح قروض لإقامة مشاريع صغيرة تعود بالفائدة عليها وعلى أسرتها.. وعلى الرغم من قسوة الحرب على المرأة السورية وما رافق تلك الحرب من انتهاك الكثير من قيم المواطنة لديها كالعدالة والحرية والمساواة ومنعها من المشاركة الفاعلة بمسؤولياتها، لكنها استطاعت وبالإمكانات المحدودة لديها أن تغير وتبدع، وفي المستقبل لا خوف على المرأة السورية التي استنبطت أفكاراً جديدة مبنية على تجربتها في الحرب، إذ ستكون حاضرة بخططها وأفكارها وتعمم تلك الأفكار على كل مؤسسات الدولة.

بلورة الوعي الاجتماعي  

عن دور الأستاذة الجامعية في ترسيخ قيم المواطنة بعد الحرب أوضحت الدكتورة سبيت سليمان مديرة البحوث في وزارة التربية: لما كان للمرأة السورية دورها في صنع التاريخ والحضارة الإنسانية من نواحيها التربوية والثقافية والاقتصادية، فإن الأمر الذي بلور دورها الوطني في الأزمة وجعلها تتخذ من موقعها أينما وجدت هو الدور الذي يعزز الوحدة الوطنية ويرسخ قيم المواطنة. من هنا جسدت الأستاذة الجامعية دوراً مهماً في تربية شريحة الشباب على فهم قيم المواطنة من خلال الوعي بالحقوق والواجبات في إطار الجماعة التي ينتمي إليها، حيث ساهمت في التأهيل للتواصل الإيجابي مع محيطه إضافة إلى إدراك أن المواطنة تتأسس على الوعي بالخصوصيات الحضارية التاريخية والوطنية والاستعداد لتنميتها وتوجيهها والدفاع عنها بكل الوسائل العلمية والتربوية، وانفتاح متوازن على كل الثقافات وحوار واعٍ مع كل الأفراد لتتلاقى وجهات النظر بما يساعد في بناء مواقف ذات رؤى مشتركة.
وتضيف سليمان: أما أهم ميزات التربية على المواطنة باعتبارها تجسيداً للهوية وللخصوصيات الحضارية التي ينبغي الحفاظ عليها فهي ترسيخ حب الوطن والتمسك بوحدته التي من خلالها تتعزز قيم التسامح والتطوع والتعاون والتكافل الاجتماعي، ذلك أن تسليط الضوء على قيم سامية يسهم في بناء القدرات والمهارات التي تمكنه من الإبداع والابتكار والتميز وتالياً تطور مسيرة الوطن، كما أنها تعزز أساليب التشجيع والتحفيز والتربية على المواطنة وتخاطب عقل الإنسان المواطن لتمده بالمعارف اللازمة عن تاريخ بلده وحضارته التي من شأنها تشكيل منظومة قيم وأخلاق تنمي لديه الإحساس بالافتخار والاعتزاز وتحفزه على العطاء والتضحية، فالقدوة دائماً تتجسد من خلال منابر العلماء والمعلمين الذين اتضح دورهم في تثبيت قيم اجتماعية ويأتي في مقدمتها: الإحساس بالهوية الوطنية والحضارية والاستعداد للتضحية من أجلها، التسامح والحوار الذي يسهم في تقبل ومعرفة رأي الآخر.

وتتابع سليمان: لاشك في أن المعلمين وضمنهم المعلمات قاموا بدور مهم في بلورة الوعي الاجتماعي الذي دعم مجموعة من المبادئ كحب العمل، التفاني، التحلي بالسلوك الإيجابي الذي هو جوهر المواطنة عند الفرد. نتاج تجربة المرأة المشرقة وقطعها أشواطاً في مجال اكتساب الحقوق خلال الحرب يحتاج تهيئة المناخ الخصب لتتمكن من القيام بواجباتها على أفضل وجه وتفتتح السبل أمامها بما يخدم المجتمع ككل، فالأولوية تبدأ بإزالة الشوائب في القوانين السورية التي تميز بين المرأة والرجل والتي تخطتها المرأة بفعل الحرب، وبما أن الحرب أفرزت وقائع جديدة على المجتمع السوري، منها ازدياد نسبة الأرامل والعنوسة وفقدان المعيل، وبالمجمل ازدياد نسبة النساء على الرجال فإن نجاح التجربة الديمقراطية مرهون بوعي المرأة بدورها وانخراطها الفعال بكل مناحي الحياة والتمثيل الجدي، إضافة للتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها من عنف وغيره وتأهيلها على المستوى النفسي للانخراط في الحياة العامة وعكس مصالح مجتمعها.

كلمة أخيرة.. 

سابقاً كنا نسمع بأسطورة (نساء الأنقاض) وهن النساء الألمانيات اللواتي استطعن رغم قلة عددهن بعد الحرب العالمية الثانية المساهمة في إعمار ألمانيا الحديثة وإعادة بناء الإنسان الألماني وتثبيت هويته ومواطنته… أما اليوم فقد استطاعت المرأة السورية أن تجذب اهتمام العالم بقوة صمودها وتمسكها بهويتها وقيمها السامية وتنتزع كل الألقاب بجدارة، لأنها كانت بحق سفينة النجاة لمجتمعها، لكن المأمول من المعنيين في الجهات الحكومية تهيئة البيئة الخصبة القانونية والمادية والنفسية والفنية اللازمة لاستكمال رسالتها المتمثلة بإعادة البناء والإعمار كما يليق بسورية وطناً وشعباً.

المرأة السورية في لوحة تشكيلية

المرأة السورية في لوحة تشكيلية

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015