موقع اقتصاد/ مل وأعمال السوريين- حتى الآن لم يستطع أحد تفسير ظاهرة تشتت الأسر السورية في دول اللجوء والأسباب الحقيقة الكامنة خلفها، وكل ما قيل في هذا المجال، يحاول أن يطعن بالمرأة وبأخلاقها وتربيتها، وبأنها غدرت بزوجها ودمرت أسرتها من أجل حفنة من الوهم، بينما لا نقع بين المقالات والتقارير الكثيرة التي كتبت حول هذا الموضوع، عن رأي لزوجة قررت أن تبعد زوجها عن حياتها وأن تستمر بدونه في أوروبا، ولا نقرأ كذلك سوى عن حالات، قامت الزوجة بالانفصال عن زوجها والارتباط بغيره، بحثاً عن ملذاتها الشخصية، فيما تشير الإحصاءات إلى أن هناك نحو عشرة آلاف امرأة سورية في دول اللجوء انفصلت عن زوجها، فهل جميعهن ارتبطن برجال آخرين..؟
في الواقع، الموضوعات المكتوبة عن هذه القضية، تعكس رأي الرجل فقط، وموقفه وحكمه الأخلاقي عليها.. وهو حكم ثابت، بأن كل امرأة تطلب الطلاق في مثل هذه الظروف، إنما هي قليلة أصل وفي كثير من الأحيان يتم وصفها بأنها “فلتانة”..!!
بعيداً عن كل الرؤى السابقة التي تم فيها تناول هذه المشكلة الخطيرة والحساسة، حاولنا في هذا التقرير، أن نقترب من رأي المرأة ذاتها، التي قررت تدمير أسرتها، بحسب الوصف الشائع، وذلك من أجل خلق مناخ عام للحوار، تستفيد منه الأسر التي تعاني من مشاكل حالياً، وتفكر بالانفصال، أملاً في أن يحاول كل طرف من طرفي العلاقة الزوجية، إعادة النظر في نفسه وفي تصرفاته تجاه الطرف الآخر.
أسباب تافهة للطلاق..!!
تقول رنا “اسم مستعار” التي انفصلت عن زوجها في تركيا ثم ذهبت إلى أوروبا لوحدها، أن من الأسباب التي لا يجعل رأي المرأة ظاهراً في قضية انفصالها عن زوجها في بلاد اللجوء، أن كل من يستمع لهذه الأسباب، وخصوصاً من الرجال، يقيمها بأنها تافهة ولا تستحق أن يحدث ما حدث، لكن من وجهة نظر المرأة، يختلف الأمر كثيراً.. فمثلاً تقول “رنا” إنها تزوجت عن قصة حب عظيمة قبل أكثر من عشر سنوات، وأنجبت أطفالاً، ورعت أسرتها بكل طاقتها، لكن في المقابل، بدأت تشعر بعد سنوات قليلة، بعدم اهتمام زوجها بها، واهتمامه بعمله وأصدقائه على حساب بيته وأسرته.. وتتابع: “ثم أخذ يتغيب عن البيت لساعات طويلة، بحجة شعوره بالملل وبأنه لا يستطيع أن يتحمل ضجيج الأطفال، حيث أصبح عصبياً ويسب ويشتم يميناً وشمالاً على أتفه الأسباب، لهذا عندما خرجنا إلى تركيا – والكلام لرنا- توقعت أن يتغير وأن يصبح أكثر التزاماً ببيته وبي، إلا أنه ظل على ما هو عليه، بل زاد أكثر في إهماله لي وللبيت، وأصبح يستخدم وجودي في مجتمع غريب على أن ذلك سوف يزيد من حاجتي له، ولن أكون قادرة على التخلي.. لكن خاب ظنه، واتخذت قراراً في لحظة وعي كامل، بأن هذا الرجل، لم يعد صالحاً لحياتي”.
وتضيف رنا: “الكثيرون يعتقدون أنه ما لم يكن الزوج حشاشاً وبلطجياً وسكرجياً وقمرجياً، فإن باقي الأسباب لا تستحق أن تطلب المرأة الانفصال فيها”. وتختم: “في كثير من الأحيان كنت أتمنى لو أن زوجي يحمل كل الصفات السابقة، وأن يكون نسوجياً كذلك، لكن المهم أن أشعر باهتمامه نحوي وأن يحس بوجودي في حياته”.
الرجل ليس مال فقط..
نموذج آخر لإمراة انفصلت عن زوجها وتزوجت بغيره في أوروبا، تروي لنا الأسباب الحقيقية التي دفعتها للتصرف بهذا الشكل، فتقول هدى “اسم مستعار”: “مشكلة الكثير من الأزواج أنهم يعتقدون أنه كونهم غير مقصرين مالياً فإن الزوجة يجب أن لا تطالب بشيء آخر من حقوقها.. لذلك مع أول خلاف يحدث بين الرجل والمرأة، يأخذ ويعدّد لها ما اشتراه لها من طعام ولباس ويذكّرها تقريباً بكل قرش دفعه عليها، والسيء في الأمر أنه يظن أن ذلك يقنعها بأنه شخص جيد ويستحق الاحترام والعيش معه، لكن ما يحدث هو العكس أن المرأة يزداد كرهها لزوجها”.
وتضيف هدى: “المرأة تحب الرجل الميسور والغني الذي يستطيع أن يوفر لها كل طلباتها، لكن عندما يغدو ذلك هو كل شيء في الحياة الزوجية، فإنها تتمنى لو ترتبط بمتسول، على أن تبقى مع زوجها الغني”.
رأي مختص
تقول الباحثة في علم نفس المرأة، ايمان عبد الرحيم، وهي لبنانية، مقيمة في فرنسا، وعملت مع بعض الأسر السورية التي قررت الانفصال في أوروبا، تقول في تصريح خاص لـ “اقتصاد”: “إن الرجل الشرقي تنقصه ثقافة فهم المرأة، ويتوارث هذه الثقافة عن المجتمع الذكوري بالدرجة الأولى، وأمه بالدرجة الثانية، التي لم تعش سوى حياة بلون واحد، لهذا هو مسكين ويعتقد أن ما يتصرف به هو الصح”.
وتضيف عبد الرحيم: “أنا لا أحمل المسؤولية للرجل، بل أحملها للدولة، ولرجال الدين، الذين لم يحاولوا أن يتدخلوا في هذا التابو، وتركوه للتقاليد والعادات الاجتماعية، بينما بنفس الوقت، كانت الحياة بعد منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تشهد تطوراً وتغيراً كبيراً على صعيد انفتاح المجتمع على ثقافات مختلفة، تمثلت بدخول القنوا ت الفضائية إلى كل بيت”.
وترى عبد الرحيم أن المرأة العربية بشكل عام، لم تكن محصنة تجاه هذه الثقافة الجديدة، لهذا تلقتها بصدمة، وكانت تتساءل باستمرار: “هل من المعقول أن يكون هناك حياة مختلفة تماماً عن التي تعيشها، ويمكن أن تحصل من خلالها على السعادة..؟”.
وتتابع: “ولا ننسى تطور وسائل الإتصال والتواصل الاجتماعي، فجميعها شكلت بالنسبة للمرأة منافذ جديدة أطلت عبرها على عالم آخر، هو وهمي على أرض الواقع، لكنه من جهة ثانية حقق لها حضوراً مختلفاً على صعيد ذاتها، وأخذت تكتشف مكامن قوتها الجديدة والمدهشة، وهو ما أدى في النهاية، لأن تتعرض لتغييرات تدريجية، زادت من حدة الخلافات الزوجية، ثم أخذت تتبلور بشكل أوضح، عندما أتيح للمرأة أن تقول لزوجها أنها تستطيع أن تعيش بدونه وأن تجد من هو أفضل منه.. بينما في السابق، هكذا كان الرجل يتعامل مع زوجته”. “إذاً انقلبت الآية”، تضيف عبد الرحيم.
وتختم بمجموعة نصائح للرجل ولجميع الأسر، التي انكشفت على مجتمعات مختلفة، فترى أن المطلوب من الرجل بالدرجة الأولى، هو أن يغير مفهومه نحو المرأة، من مفهوم “الجارية” وناقصة العقل، إلى مفهوم شريكة الحياة بكل شيء، وأن يمنحها وجودها العاطفي الذي يعتبر أثمن ما تمتلكه في شخصيتها وحياتها، إذ أن المرأة في مرحلة من المراحل، تصل بها الأمور إلى أن تدمر كل شيء إذا نقص هذا الجانب في حياتها، وإذا وجدت من يعوضها عنه..
وترى في النهاية، أن العلاقة الزوجية يجب أن لا تقوم على الصراع، وعلى من يستطيع أن يسيطر على الطرف الآخر ويفرض شروطه عليه.. فهو جانب يتفوق به الرجل، وغالباً ما تكون ردة فعل المرأة المهزومة، بهزيمة زوجها بطريقة مختلفة، من خلال إخراجه من حياتها بمنتهى البساطة ريثما تحين لها أول فرصة.