مجلة “الأزمنة”- لم تنج ريما من تعنت زوجها، وإصراره على إذلالها بالرجوع إليه رغماً عنها للمرة الثانية، بعد طلاقها ورميها خارج المنزل وسط تجمع الجيران الذين ألفوا السلوك الهمجي من زوجها، فريما، خريجة قسم الأدب العربي في جامعة دمشق، وتدرّس في مدارس الحي، بالإضافة إلى مساعدتها لجيرانها وأبنائهم فيما يطلبون، حصدت المحبة والاحترام ممن حولها إلا زوجها الذي بدأ يفاقم الخلاف فيما بينهما، لتكون الكدمات الزرقاء علامة مسجلة على وجهها وجسدها، كردة فعل شرقية على الفارق في التحصيل العلمي، والمكانة الاجتماعية لها، ولكن في ظل وجود قانون يعمل على إطلاق يد الرجل في التحكم بمصيرها الأسري والعائلي، عدا عن تهديده بحرمانها من أولادها، أو تشويه سمعتها، أو طلاقها ورميها مع أولادها دون منزل ونفقة، وبالرغم مما وصلت إليه المرأة من علم ومركز منحها إياه القانون، بقيت معرّضة بالقانون نفسه للعنف، والظلم، والزواج القسري، وزواج المقايضة، وإلى الآن لم تستطع الحركات النسائية، والحقوقيون تغيير مواد القانون المتحيزة ضد المرأة، ولكن نشاطاتهم ومطالباتهم أدت إلى تشكيل لجنة قانونية للدراسة، واقتراح التعديل فقط، فهل يبقى القانون يجسّد النظرة الذكورية، ويطبقها بحق المرأة، مع تكريسه للنظرة الدونية لها، لاسيما أن المرأة أثبتت وجودها، وقدراتها الفكرية، والعملية، ورجاحة عقلها في حياتها الشخصية، والمهنية؟! وما هو مصير المقترحات التي أُقفلت عليها الأدراج؟!.
نظرة ذكورية
إن تعديل قانون الأحوال الشخصية يحتاج إلى حشد جماهيري، وحملات توعية للمجتمع والأفراد بأهمية تعديل قانون ليتناسب مع وضع المرأة الجديد، ومكانتها العلمية، وما وصلت إليه من مركز وشهادات عليا، حسب رأي سيدة الأعمال سهير بدور، فالمرأة القاضية التي تصدر الأحكام والقوانين مسلوبة الإرادة في تسيير شؤونها الشخصية، وحياتها المجتمعية، عدا عن المواد التمييزية التي تظلمها كالولاية، والوصاية، والطلاق الإداري، والتعسفي الذي يشكّل ظلماً كبيراً للمرأة، والذي يستخدمه الرجل دون سبب، مشيرة إلى أن المرأة تتمتع بولاية ناقصة، حتى إنها لا تستطيع أن تزوج نفسها إلا بإذن وليها، وتشير بدور إلى تجربتها كسيدة أعمال التي تحتاج إلى موافقة من الزوج لإذن السفر، وفي حال عدم رغبته يتم المنع، متسائلين: كيف يتوافق إعطاء المرأة الحقوق العلمية والتجارية، ولها نشاطاتها في المجتمع، مع بقائها أسيرة نظرة ذكورية يكرّسها القانون؟! وكيف يستقيم الأمر بنائبة بالبرلمان، واليوم لدينا في سورية “رئيسة لمجلس الشعب” لتمثّل صوته، وقد يُمارس عليها ظلم أو ضغط باسم القانون؟!.
تمييز لفظي وقانوني
وفي محاولاتنا لإلقاء الضوء على مجموعة القوانين التمييزية ضد المرأة، كان قانون الأحوال الشخصية في المقدمة، وهو القانون المعمول به منذ عام 1953، والذي يحفل بمفردات لم تعد تتوافق مع لغة العصر في مسائل الزواج، والطلاق، والنفقة، والحضانة، حيث أشارت الناشطات في مجال حقوق المرأة إلى جملة من المواد التي تميزت بالظلم للمرأة، سواء لفظياً، أو عند التطبيق، فقد رأت الباحثة إيمان ونوس أن هناك تمييزاً واضحاً في معظم قوانين الزواج ضد المرأة من خلال عدم إلزام الزوج بشروط عقد الزواج من جهة، وتساهلاً مفضوحاً من قبل المشرع بالمؤسسة الزوجية عندما يريد الزوج الهرب من التزاماته بالطلاق، وهو أبغض الحلال، دون النظر إلى التأثيرات السلبية والمدمرة على الأسرة، والأمثلة كثيرة على ذلك، كالمواد /1-5، والمادة 14/3 من قانون الأحوال الشخصية، عدا عن المواد التي تتيح للزوج حرية كبيرة كتعدد الزوجات في حال قدرته على النفقة عليهن، بإغفال المسوغ الشرعي أو التغاضي عنه، ليصبح تلبية لرغبات الزوج، واعتبار المرأة مجرد سلعة أو أداة للمتعة فقط، وليست شريكة في الحياة الزوجية وبناء الأسرة، كوجود المادة رقم /37/ التي تتيح الزواج بخامسة بعد طلاقه لإحدى زوجاته الأربع، وانقضاء عدتها، ما يثبت إصرار المشرع على إكساب مغامرات الرجل ونزواته الصفة القانونية دون الرجوع إلى خطورة الأضرار التي ستلحق بالأسرة والأطفال؟!.
تناقض صريح
وفي التأكيد على إهدار كرامة المرأة، وسحق كيانها، أشارت إلى وجود مواد قانونية تنص على ضرورة وجود ولي أمر للمرأة، في حين أن الرجل ولي نفسه، ليظهر هناك تناقض واضح لا يتماشى مع ما وصلت إليه المرأة من علم، ومكانة، ومراكز مرموقة، حيث يمكن أن تكون وزيرة، ورئيسة برلمان، وحائزة على أعلى الشهادات العلمية، ولكنها تحتاج إلى ولي أمر في حال الزواج حسب القانون، ولمن ليس لديها ولي أمر يكون القاضي ولي أمرها، فعجباً لقانون ولاها أعلى المراكز، ومنحها امتيازات، وثقة عالية بقدراتها وعلمها، أن يحرمها حق تولي أمرها بنفسها؟!.
حكم العادات والتقاليد
وفي العودة قليلاً إلى الوراء رغبة في وضع النقاط على الحروف، نجد أن المرأة ظلمت بقانون الأحوال الشخصية ولم يحمها، حيث مورس عليها أقسى أنواع الظلم، ابتداء من قانون جرائم الشرف الذي فسح المجال لتسليط السيف على رقبتها بدوافع كثيرة لم يكن الشرف أحدها، بل كان الحرمان من الميراث مثلاً أو التخلص منها كسبب حقيقي وراء تلك الجرائم، وساهمت العادات والتقاليد الاجتماعية في تصنيف المرأة لدى بعض الشرائح الاجتماعية في سورية ناشزاً بخروجها عن رغبة أهلها في اختيار شريكها أو زواجها، وبذلك تكون دنست شرف العائلة، ولا يجرّم من يتخلص منها، فيحرمها من أبسط حقوقها وهي الحياة.
غياب المتابعة
وبناء على تنامي أعداد المطالبين بتعديل القانون وإلغاء التمييز ضد المرأة، شكلت وزارة العدل لجنة لدراسة القوانين واقتراح التعديلات المناسبة منذ عام 2013، ولكن إلى الآن لم تصدر أي تعديلات أو مقترحات ولم تُعرف نتائج هذه اللجنة، فحاولنا استيضاح الموضوع من الأستاذة آمنة الشماط، رئيسة اللجنة في وزارة العدل، التي أكدت على قيام اللجنة بدراسة كافة المواد التي لوحظ ضمنها التمييز اللفظي أو القانوني الصريح ضد المرأة، واقترحت البديل القانوني واللغوي لتلك المواد مع أسباب التعديل باستثناء قانون الإرث كونها مستندة إلى نص قرآني، وقد تم رفع المقترحات إلى الجهات المعنية لمناقشتها ودراستها وإدراجها حين الموافقة في قوانين جديدة، ولكن اللجنة انتهت مدتها المقررة وفقاً لقرار التشكيل /10/ أشهر، دون التوصل إلى صياغة توافقية للقانون الجديد، بسبب الاعتراضات التي قدمتها وزارة الأوقاف على مقترحات اللجنة لمواد قانون الأحوال الشخصية وزودت بها وزارة العدل، وحاولنا معرفة مصير هذه الاعتراضات ومن يقوم بدراستها أو مناقشتها، إلا أنه إلى الآن لم يتم تشكيل لجنة لهذه المهمة، ليبقى السؤال برسم وزارة العدل، هل قضية تعديل قانون يتحكم بمكانة المرأة والأسرة السورية ككل لا يحظى باهتمام الوزارة لمتابعته منذ عام 2013؟
تتغير الأحكام بتغير الأزمان
أقرت اللجنة تعديل ثلاثين مادة من قانون الأحوال الشخصية، ومنها على سبيل المثال العبارة التي تعرّف عقد الزواج “تحل له شرعاً” لتصبح “يحلان لبعضهما شرعاً”، فهي حسب الشماط، لا تشكل تغييراً في المعنى ولكنها تشكل توافقاً مع الدستور، وبذلك يُعطى للمرأة مركز قانوني، وكذلك الأمر في الشهادة على عقد الزواج اعترضت اللجنة على تحديد العقد بوجود امرأتين ورجل لعدم مساواة شهادة المرأة بالرجل، مستندة إلى أن القوانين النافذة بموادها التي تحكم القضايا المالية والمدنية، حيث تعتبر أن الشاهد بذات القيمة القانونية، ذكراً كان أم أنثى، ولما كانت أحكام قانون البينات نافذة بالمحاكم الشرعية، وقانون الأحوال الشخصية يستند إليها، اُقترح التعديل، منعاً للتناقض في تقدير قيمة الشهادة من جهة، ولتقدير دور المرأة، واعتبار شهادتها بمقدار شهادة الرجل، عدا عن التعديلات التي شملت مواد الطلاق وحضانة الأولاد، وأكدت الشماط، رئيسة اللجنة، أن كل التعديلات التي تمت أخذت بعين الاعتبار إلغاء أي تمييز ضد المرأة بما لا يتعارض مع نص قرآني صريح، لتكون التعديلات إلغاء للتمييز ومتوافقة مع مفردات الفترة الحالية، ولاسيما أنه قد ورد في المذكرة الإيضاحية لقانون الأحوال الشخصية بأن من أسباب التعديل اختيار الأقوال التي أكثرها يوافق العرف ويطابق المصلحة الزمنية، فإذا كانت المذكرة الإيضاحية لقانون الأحوال الشخصية أخذت بعين الاعتبار المصلحة الزمنية وموافقة العرف، فمن باب أولى أن تكون المصلحة الزمنية في هذه الفترة، التي أخذت فيها المرأة دورها ونالت شهادات عليا، واستلمت مناصب قد تفوق مناصب الرجل، إجراء تعديل يتوافق مع فكرها ومكانتها، ولابد من إيجاد مواد قانونية تتوافق مع نص الدستور السوري الذي نادى بعدم التمييز بين المرأة والرجل، وبالمساواة في نص صريح وواضح.
قطعية الدلالة
لم يرَ القانون الجديد طريقه إلى النور بسبب اعتراض وزارة الأوقاف على بعض مقترحات اللجنة، علّلها لنا القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي بأولى مآخذه على أنها لجنة نسائية بامتياز، وهنا يكمن الخلل برأيه، لأن قانون الأحوال الشخصية هو قانون يختص بالأسرة والرجل، ومن المفترض حسب رأيه تأليف لجنة من الطرفين، يكونون مختصين بقانون الأحوال الشخصية لتفضي إلى قرارات متوازنة ومنصفة، مؤكداً أن هذا القانون هو من أفضل القوانين بإجماع كل الحقوقيين العرب، إضافة إلى تأكيده على وجود قوانين تستند إلى نصوص قطعية موجودة في المصادر النقلية الشرعية لا يجوز المساس فيها على الإطلاق، وهي القرآن والسنة، المؤكدة قطعية الدلالة كتعدد الزوجات وعدد الطلقات والشهادة والإرث، على سبيل المثال، يذكر المعراوي اقتراح اللجنة إلغاء فقرتين الثانية والثالثة والبقاء على شرط الزواج الباطل ضمن مادة تنص على شروط عقد الزواج، بحجة صياغة البندين الثاني والثالث التي تظهر التمييز ضد المرأة، لأن أي شرط يقيد حقوق الرجل غير ملزم، لكن من وجهة نظر المعراوي يرى أنه لا يجوز الإلغاء لإنصافهم للمرأة، لأنها هي من تطلب الشروط في عقد الزواج وليس الرجل، كما اعترض على عدم منح الفتاة المهر قبل الزواج في فترة الخطوبة، باعتباره وعداً غير ملزم، وللخاطب الذي يفسخ الخطوبة الحق في كامل المهر.
تقصي الحقيقة
وفي التقصي لمعرفة حقيقة بعض الانتقادات على اللجنة، توصلنا إلى معرفة أن اللجنة لم تكن نسائية، بل تم إصدار قرار لاحق بأعضاء ذكور كي لا يتم الطعن بمصداقيتها أو اتهامها بالتحيز للنساء، فأضيف الدكتور علاء الدين الزعتري من وزارة الأوقاف، والأستاذ حسن وردة من رابطة الحقوقيين، مع أعضاء من المجتمع المدني أيضاً، وعلمنا أيضاً أنه سيصدر قريباً قانون العقوبات الجديد المتضمن كل التعديلات المقترحة، ويبقى السؤال: هل سنرى قانوناً جديداً للأحوال الشخصية، أم سيبقى الملف مقفلاً لأعوام طويلة قادمة؟