حسين الرواشدة/ جريدة الدستور الأردنية- تختلف قضايا المرأة في عالمنا العربي والإسلامي عنها في المجتمعات الأخرى، فهي تتعلّق بأشكالياتٍ لها خصوصياتها، وبأسئلةٍ تُطرح على صعيد الدور لا الوجود، في المجتمعات والثقافات الأخرى ما زال سؤال وجود المرأة معلّقاً: تصوّروا!.. وعلى صعيد العدالة والإنصاف لا الحريّة، وهي – أيضاً – مرتبطة بأزمة المجتمع والإنسان وليست مستقلة عنهما، فمهادها إجتماعي أولاً، ووظيفي في الدرجة الثانية، وغير متصلٍ بالنصوص والثوابت التي منحت المرأة – كما الرجل – ما يلزمها من حقوق ومسؤوليات في اطار التكريم الإلهي للغنسان، ذكراً كان أو أنثى، وإنما بمدى فهمنا وممارستنا لها في الواقع.
بعد عصر الراشدين، تعرّضت المرأة لأنماطٍ عديدة من الفهومات والوقائع التي ابتعدت بشكلٍ أو بآخر عن مقاصد الدين وأحكامه، واختزال دور المرأة – بدافع الخوف منها أو الخوف عليها – في أطر ضيّقة دفعتها إلى الإنعزال عن مجتمعها، والانسحاب من مسؤولياتها، وتحت دعوات مواجهة التغريب والغُلاة الذين أرادوا تحرير المرأة من الإسلام، بدلاً عن تحريرها من خلاله، أصبح خطابنا الإسلامي مثقلاً بكثيرٍ من المحاذير والاحتياطات التي قدّمت حماية للمرأة والحفاظ عليها على استنهاض طاقاتها وهممها، أو تمكينها من العمل والمشاركة بفعالية.
وقد يبدو السؤال حول إذا ما كان ثمّة قضية للمرأة في مجتمعاتنا أم أنها مجرد أجندة قد صُدّرت إلينا من غير تُربتنا، أو فيما إذا كانت مشكلة المرأة معزولةً عن مشكلات المجتمع والرجل تحديداً، مجالاً لنقاشاتٍ طويلة، لكن علينا أن نعترف بأن المرأة في مجتمعاتنا تُعاني من الظلم والاضطهاد، وبأن اختلافه بين دُوَلنا هو اختلافٌ في الدرجة لا في النوع، كما أنّ خطابنا الإسلامي والإجتماعي ما زال مشدوداً غلى المراسيم والتقاليد التي لا علاقة لها بالدين، ومُثقلاً بفهوماتٍ فكريّة وفقهيّة تجاوزها الزمن، وهي بحاجةٍ إلى المراجعة فعلاً.
في القرآن الكريم ثمّة سورة تقدّم نموذجاً حضاريّاً للمرأة المسلمة، دعك من عشرات النماذج الراقية التي تتضمّنها السُوَر الأخرى، وهي سورة المُجادلة التي تتحدّث عن امرأةٍ تحاور الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسمعها الله عزّ وجلّ، ثمّ يُجيب عن سؤالها وشكواها، وفي ذلك ما يكفي للردّ على كلّ ما يصلنا عن دور المرأة وحدود حريّتها ومكانتها في الإسلام، سواءٌ من خلال دعوات التحرّر الوافدة أو الأخرى المُتَشدّدة، أو حتى من اجتهادات فقهائنا الذين ما زالوا ينظرون إلى المرأة كعَورة أو كقَمر؛ لكي لا أقول كجرمٍ مظلم لا بد ان يدور في فلك الرجل.
غياب المعالجات الحقيقية لقضايا المرأة في مجتمعاتنا، سواء على الصعيد الفقهيّ او الاجتماعي أو السياسي، انتهى به إلى خياراتٍ عديدة حاولت من خلالها أن تملأ فراغ البديل: فهي إما أنها تحوّلت إلى مُستهلِكة تُطارد آخر الموضات والصرعات ولا تجد المتعة إلا في التسوّق وإجراء العمليات التجميلية، وإما أصبحت أسيرةً لفضائيات الشعوذة والمسلسلات المُزَيَّفة، ودعوات التجهيل. المرأة الثريّة اختارت الاستهلاك والمرأة الفقيرة لم تجد أمامها سوى الهروب إلى الجهل والمجهول.. وبينهما وجدت بعض النُخب النسوية – على اختلافها – مادةً للتداول والنقاش، فيما الحل يبدو سهلاً وواضحاً: إطلاق سراح عقل المرأة أولاً؛ تُجادل وتُناقش وتُشارك، كما كانت تفعل ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، دون الخوف عليها أو منها، ودون البحث عن المرجعيات الأخرى عن أيّ حقوقٍ تنقُصها.. وهذا اضعف الإيمان.