أميرة مالك/ موقع (معكم)- “طبعاً مو أنا ناقصة عقل و دين” ، بهذه الكلمات تبدأ حديثها أم سامية التي تقف على باب القاضي الشرعي بدمشق مع المئات من النساء المراجعات يومياً لأسباب تختلف في ظاهرها وتتفق في جوهرها، قانون ينتقص من كرامة المرأة وحقوق المواطنة التي يفترض أن تتمتع بها.
أم سامية؛ خريجة معهد هندسي وتعمل في اختصاصها في مكتب هندسي وسط العاصمة دمشق؛ أم لطفلة فُقد والدها منذ خمس سنوات على طريق دمشق حمص أثناء قيامه بعمله المعتاد في توزيع الأدوية للمحافظات، تاركاً لهنَّ هي وابنتها “الفان” (نوع سيارة) الذي كان يقوم باستخدامه لهذا العمل.
“من لما بلشت هالحرب؛ أول شي عملو أيمن أنو سجل الفان باسم سامية، كان مفكر أنو عم يأمن مستقبلها إذا صرلنا نحن الاثنين شي”، وتضيف بغضب: “بس يا خسارة ما كان متوقع إني رح كون مضطرة وقف هي الوقفة حتى يسمحلي القاضي استلم آجار هاد الفان، و فوقها بدي قدم ميزانية لحتى برر وين صرفت الآجار الماضي”.
أم سامية لم تشفع لها شهاداتها وعملها؛ وحتى مصيرها في أن أصبحت زوجة لمفقود لتكون قادرة على إدارة أموال ابنتها لتتمكن من تربيتها وتعليمها، وذلك استناداً إلى المادة 170 من قانون الأحوال الشخصية السوري، رقم 59 لعام 1953 : “للأب ثم للجد العصبي ولاية على نفس القاصر ومالُه وهما ملتزمان القيام بها”، وبالتالي فإن الأم لا يحق لها وفقاً لهذه المادة التصرف في أموال أولادها بعد غياب الزوج إلا في حال غياب الجد العصبي وموافقة القاضي الشرعي على ذلك.
وبحسب دراسة قام بها مركز مداد (مركز دمشق للأبحاث والدراسات) بعنوان “تداعيات الحرب/ الأزمة على واقع المرأة السورية” فإن 82.2 هي نسبة الوفيات من الذكور نتيجة الحرب في سوريا غالبيتهم من الشباب أو أرباب الأسر.
رولا المحامية الثلاثينية التي تقف أيضاً على باب القاضي الشرعي، والتي تصف نفسها بمفتاح حل المشاكل الكبيرة “شو نفع إني كون وكيلة لأكثر من 70 شخص، بوقت أنا كل ما بدي اطلع مع ابني أيهم نشوف أهلي ببيروت؛ لازم أجي وقف هون لأخد أذن سفر لأبني من القاضي”.
بسبب وجود المادة 148 في قانون الأحوال الشخصية، والتي تمنع عن الأم السفر بأولادها إلا بموافقة الأب وربط موضوع الموافقة في حال وفاة الأب بمجموعة من الشروط المرتبطة بتقديرات القاضي في بعضها؛ فإن المرأة السورية اليوم ضحية الحرب الدائرة من جهة، والقوانين التمييزية من جهة أخرى.
القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي، وفي تصريحات سابقة له، يقول بأن عام 2015؛ هو أكثر عام شهد هجرة للسوريين، حيث يتواجد 1500 حالة يومياً في المحكمة الشرعية للحصول على أذونات السفر والوصايا المؤقتة للقاصرين وناقصي الأهلية عام 2015.
وإذا كنا اليوم نطالب بتغييرات جوهرية في قوانين الأحوال الشخصية والعقوبات فيما يتعلق بالمواد الخاصة بحقوق المرأة؛ فإن ذلك ليس بهدف تسليط الضوء على كم العنف والتمييز المنضوي في صلب هذه المواد فقط، بل هو نتاج لحاجة مجتمعية ملحة فرضتها ظروف الحرب القاسية التي وضعت المرأة بساحات القتال الاجتماعي والاقتصادي دون أي أسلحة منطقية وقانونية تحميها.