النساء والفضاء العام في سوريا

رافيا سلامة /شبكة الصحفيات السوريات- ترغم النساء على التعبير عن طبيعتهن في الأوساط المغلقة، وإظهار سلوكيات منضبطة بعدد من القيم عندما يغادرنها، لكن هذا يتغير بتغير الظروف المحيطة وشروطها، وبدفع من جهات وكبت من أخرى، لنرى أنفسنا في سوريا أمام تغييرات جندرية لا يقوم على قياسها وتحليلها كثيرون.

ومن أشكال التمييز الواضحة، إنكار حق المتعرض/ة للتمييز بممارسة حرية المظهر والتنقل في الحيز العام والمتشارك بين مجموعة بشرية، لتمارس
بعض المضايقات ضده/ها، فتغدو العودة إلى الحيز الخاص/البيت هي الحل الأسهل والأكثر أماناً. كثيراً ما تغيب عن الأذهان الدوافع الكامنة وراء اختيار سلوك دون غيره، مظهر دون سواه، إخفاء تصرف والإجهار بآخر، والدفع نحو “الاختباء” عوضاً عن الاندفاع “للإعلان” بممارسة لا تضر بأحد. وتتحكم بهذا مجموعة من الأعراف و العادات الاجتماعية و الدين والأخلاق و التقاليد التي  تظهر الحاجة لنقدها عندما تطبق على مجموعة دون أخرى.

في محاولة لرصد بعض جوانب الدفع باتجاه العام أوالخاص، قامت كاتبة المقال بسؤال عدد من النساء تتراوح أعمارهن بين 20 إلى 40 عن بعض المدلولات المتعارف عليها في تمييز العلاقات الجندرية في مناطق مختلفة من سورية.

التحرش

يعد التحرش واحداً من الممارسات الشائعة التي تعلن الشارع بيئة ذكورية تعرض مخترقاتها من النساء إلى مضايقات جنسية، تحاول الاعتراض على شكلهن أو وجودهن.  ترى ريم 40 عاماً أن التحرش اللفظي ازداد في السنوات الأخيرة، بينما ترى جميع من تمت مقابلتهن (ثمانية نساء) أن هذه الظاهرة تنحسر بازدياد التواجد الأمني في دمشق، ليحل محلها مزاح عناصر الأمن مع الفتيات ومحاولات (التطبيق) وطلب رقم الهاتف بقصد إقامة علاقة عاطفية، بينما لا توجد معلومات أكيدة بهذا الشأن بغياب دراسات اجتماعية تسلط الضوء على هذا الجانب في مدينة دمشق.

في حلب وريف دمشق الخارجتين عن النظام لا وجود للتحرش حسب شهادة عدد من قاطناتها. “الشبان لا ينظرون إليك حتى يتحرشوا بك” تقول هدى 25 عاماً من الغوطة الشرقية، متذكرةً اشتباكاً بين فصيلين مسلحين في المنطقة كان سببه (تلطيش) أحد الشبان المقاتلين لفتاة تبين أنها أخت لأحد مقاتلي الكتيبة الأخرى.

الخروج عن النمط

في حين لم تكن النساء في دمشق معتادات على ركوب السرفيس وسيلة النقل الشائعة في دمشق في وضعية القرفصاء أو (على جنب) بإشارة يؤديها السائق لمن تشير/يشير بيده/ها طالباً الصعود، باسطاً كفه جانبياً قبل أن يقف للركاب، أصبحت هذه الحالة اليوم أكثر من مألوفة بازدياد مصاعب التنقل والازدحام الشديد الناتج عن انتشار الحواجز الأمنية في شوارع المدينة.

كما بات وارداً أن ترى فتاة تقود دراجتها في الشارع، على عكس السنوات التي سبقت 2011 التي درجت فيها العادة على اعتبار هذا الفعل منافياً للحشمة ومسبباً للكثير من التعليقات.

ما يزال ركوب الدراجة من قبل النساء مسبباً لتعليقات مختلفة تتراوح بين التشجيع والسخرية، إلا أن مجموعات كثير على مواقع التواصل الاجتماعي تشجعه وتدعو له، كحملتي: بدي صير بسكليتاتي وطلع الميكرو من حياتي، ياللا عالبسكليت وصفحة صار بدها بسكليت على موقع Facebook.

يأتي هذا أيضاً كحل عام أمام أزمة المواصلات الخانقة، ويعطي مؤشرات إيجابية عن استخدام النساء للتغيرات حولهن بما يحقق مكتسبات قد تدوم بزوال مسبباتها. طالبة الجامعة راما 20 عاماً متفائلة في هذا الصدد وتقارن ما يحدث اليوم من تغييرات بطيئة في سورية بخروج النساء إلى العمل إبان الحرب العالمية الثانية وتأثيرات ذلك على الحراك النسوي.

فيما تظهر تغيرات على علاقة النساء في مناطق المعارضة بالخروج للعمل والاحتكاك بالذكور في المجالات الإغاثية، الطبية أو التعليمية، فقد أصبحن كوادر ضرورية لا غنى عنها بعد أن كنّ إضافات غير ذات أهمية كبيرة، وأعطاهن هذا مساحة حرية لم تكن متاحة من قبل، لكنها لا تزال ضمن السياق الذي يضع الذكر في المقام الأول. تحترم النساء لما يقمن به كثيراً، لكنهن يحاسبن إذا ما تجاوزن ما يعتبر عيباً أو حراماً. كل ما يتعلق بحريتهن العاطفية، الجنسية أو الجسدية بمعنى آخر.

تحدي التحرك ليلاً

لعل أكثر دلالات امتلاك الحرية الشخصية تتجلى في التواجد في الحيز العام/الشارع دون الإحساس بالخطر أو إمكانية انتهاك المجال الشخصي من قبل الآخر/الذكر هنا. وفي حين يستخدم/تستخدم كثير/ات من السوريين/ات عبارة “أخته التي كانت تطلع الساعة 3 بالليل” للسخرية من أمان يتغنى به موالو/يات النظام السوري، ورغم أن السوريات لم يكن يتمتعن بحرية الحركة في الشارع/الحيز العام في أوقات متأخرة من الليل، إلا أنهن بشكل عام كنّ يستطعن التواجد خارج المنزل/الحيز الخاص بنسبة أكبر، حسب عينات قليلة أتيح سؤالها في دمشق. كثيراً ما يستدعي هذا الخروج عن المعهود/المنزل حماية ذكر، لكنه اليوم انعكس لتصبح الأنثى هي الحامية. فالمرور على الحواجز يغدو أمراً أكثر راحة إن كان سائق السيارة مصطحباً امرأة، وأسهل بشدة إن كانت المرأة هي من تقود. وهو ما تؤكده  ريم 40 عاماً “زوجي يطالبني بالقيادة عند العودة  إلى المنزل في أوقات متأخرة، الأمر الذي يسرع عملية المرور على الحاجز”. ويمارس عناصر الأمن تمييزاً يعده كثيرون/ات في صالح النساء، ويميل مسؤولو الحاجز إلى اعتبار النساء بريئات من الانتماءات والأفعال السياسية، وعاجزات بالمعنى المتضمن عن الانخراط بالشأن العام. وتتداخل في بعض الأحيان اعتبارات طائفية وظاهرية قد تؤثر في هذا السلوك، كالتعامل بشك أكبر مع النساء المحجبات أو المنقبات، أو المنتميات إلى مناطق معارضة إن تم إبراز البطاقات الشخصية.

زين العبد الله 28 عاماً تدرّس تلاميذ الابتدائية في مناطق المعارضة من حلب في أحياء الشعار والصاخور، تتحرك وأقرانها الناشطات مازال هناك ضوء لنهار ، قلة من يتحركن بعد أذان المغرب وبصحبة رجل بالضرورة خوفاً من الخطف.

 اللباس الشرعي شرط لاجتياز الحواجز

على زين أن ترتدي حجاباً ومعطفاً ينزل دون ركبتها التزاماً بالشرع، حسب رغبة عدد من الفصائل العاملة في المنطقة، وتطالب ابنة حلب عهد 23 عاماً من حواجز النصرة وأحرار الشام بأن (تطب) على وجهها ، وتقوم كتيبة أمنا عائشة النسائية والعاملة في منطقتها الشعار بتولي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). أما إذا ارتدت عهد كنزة قصيرة قد تمنع من المرور عالحاجز ويطلب منها ارتداء لباس طويل كي تمر. وعندما اشترت سيارة بات الناس يشيرون إليها مستغربين.

لا امرأة اليوم لا تضع حجاباً في مناطق المعارضة، إلا ما ندر، القواعد اليوم باتت واضحة، ولا يحاول أحد عصيانها.

ترى عهد أن المنطقة لم تتغير كثييراً فهذا حالها قبل 2011. لكنها تتذكر مرور غير محجبات من خارج الحي حيث تعيش. لكن ما من تغير كبير في النظم الاجتماعية حسب رأيها.

وتتباين الآراء في مناطق النظام، فبعض النساء يرين أن الخروج في شوارع دمشق بلباس قصير بات أقل قبولاً من ذي قبل، لكن أحياء كالقصاع والغساني باتت معروفة بثياب فتياتها التي تجاري صيحات الموضة ببنطلونات ممزقة أو قصيرة. كذلك في السويداء حسب رأي نهى 23 عاماً، التي تستطيع الذهاب إلى الجامعة بالشورت في السويداء لكنها لا تفعلها في دمشق.

في دمشق شوارع نسائية

الشوارع في دمشق صباحاً مزدحمة أشدّ الازدحام لتغدو شبه مقفرة ليلاً، ويجري هذا على ذكور المجتمع وإناثه بشكل شبه متساوٍ، إلا أن الملاحظة الدقيقة في مناطق تواجد الجامعات والأسواق تنبأ بحضور نسائي كثيف، خصوصاً بعد حملات النظام المكثفة لتجنيد الذكور للاحتياط في الجيش؛ الأمر الذي تسخر منه سماح 30 عاماً زاعمة أن الشارع اليوم نسائي لا يستدعي أن تتكلف الفتيات فيه ارتداء ملابس غير تلك الخاصة بالبيت.

كذا الأمر في بعض مناطق المعارضة ولكن لأسباب مختلفة، في النساء من يتحركن خارج منطقة برزة في ريف دمشق المنطقة الصغيرة شبه المحاصرة، فلا يسمح لسيارات البضاعات الغذائية بالدخول ويسمح لكل شخص بما يكفي عائلة واحدة، فتقوم النساء بتهريب السكر والخبز في ثيابهن ليبعنها عند وصولهن بربح زهيد. هن والأطفال مصدر معظم الأغذية في المنطقة، يتحركن للعمل بدافع من فقدان المعيل غالباً أو عدم قدرته على العمل، فيما لم يغير هذا كثيراً من الضغوط المفروضة على لباسهن وخروجهن ليلاً، وأضاف القليل من الحرية لعلاقتهن بالذكور ما خص أمور العمل والتجارة.

لا يبدو حتى الآن أن التغييرات العسكرية والإنسانية في السنوات الأخيرة ساهمت في فتح المجال العام أمام المرأة، فيما بات ملكاً للعسكر، وللعنف والسيطرة بمعنى آخر، رغم التغييرات المجتمعية لاستعادة الحيز العام التي تحاول النساء الدفع باتجاهها مع مرور الوقت.

النساء والفضاء العام في سوريا

النساء والفضاء العام في سوريا

2 تعليقان في “النساء والفضاء العام في سوريا”

  1. يقول ملك شنواني:

    هذا المقال لي كيف صار اسمي رافيا سلامة؟

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015