النسوية السورية وذكورية المجتمع
لوحة للفنان “أسامة دياب”

سلمى الدمشقي/ swnsyria- تناولت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراًحادثة ضرب أحد الإعلاميين السوريين لزوجته ونشرها لواقعة الضرب على حسابها في الفيس بوك، وهذا ما أثار موجة كبيرة من الاستياء الشديد لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة النسويات منهن وعبرن عن هذا الاستياء بشهادات كثيرة وخواطر ومقالات تدين هذه الحادثة ولتشمل إدانة كل أنواع العنف الموجه ضد النساء، والتي تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

وبعد عدة أيام من الواقعة نشرت الزوجة بوستاً على حسابها بأنها تصالحت مع زوجها بعد أن طلبت منه الطلاق وذلك من أجل مصلحة العائلة والاولاد واعتذرت لزوجها عن نشرها لحادثة الضرب وطلبت من الجميع دون تخصيص عدم التدخل في حياتها الشخصية.

وكعادة السوريين انبرى أحدهم مهاجماً النسويات بأنهن لم يفرحن لعودة الزوجة لزوجها والدليل لم يتم نشر هذا البوست والتفاعل معه كما تم التفاعل مع بوست حادثة الضرب موحياَ بأن النسويات يكرهن الزواج وينشدن المشاكل لإبراز مواهبهن وأن الاموال الكثيرة التي تم صرفها على المنظمات النسوية هي كالهباء المنثور. حيث قال حرفياً: “نسبة النسويات اللاتي تفاعلن مع منشور الزوجة الجديد ودعمن تصالحها مع زوجها لا يشكل 1% ممن تفاعلن مع منشورها الأول وحرضنها بكل الوسائل وأجزم أن كثيراً منهن الآن يعتبرن أن الزوجة خذلتهن وخذلت النسوية ويعتقدن أنها رضخت للتصالح بضغط من المجتمع الذكوري”.

ويضيف: “هل فعلاً كثير من تلكم النسويات يهمهن حل مشاكل الأنثى في مجتمعاتنا ومصيرها ومصير أولادها أم يسعين لتأزيمها وزيادة مآسيها فقط لاستخدامها كمادة نضالية تبرر خطابهن التظلمي”.

هذا الخطاب المتكرر في مواجهة خطاب النسوية يعكس المفهوم الخاطئ للنسوية بشكل عام، وللنسوية السورية بشكل خاص، والخوف منها كفكر رافض للنظام الأبوي السائد كما يعكس بشكل نسبي الأخطاء التي تقع فيها بعض النسويات ومبالغتهن في خطابهن أحياناَ.

سعت النساء السوريات الناشطات، ومنذ بداية عام 2011 الى تنظيم صفوفهن للانخراط في الحراك السوري أنداك، لأسباب عديدة لم يكتب النجاح لمبادرة نسوية واحدة موحدة لجميع النساء، بل تشكلت وعبر السنوات عشرات المنظمات النسوية التي تدعم قضايا المرأة المختلفة بعضها أخفق وتعثر وبعضها نجح الى حد ما. ولكن يمكن القول أن هذا الحراك ساهم بخلق توجه نسوي سوري لديه الكثير من الإيجابيات والسلبيات أيضاً، ولكنه يساهم وبشكل واضح في طرح قضايا المرأة المختلفة ونقلها من الحيز الخاص الى الحيز العام وتسليط الضوء عليها لتنال حقها من الاهتمام والمعالجة أسوة ببقية القضايا الوطنية الشائكة. كما أصبح لدينا أسماء نسوية سياسية بارزة في المحافل الدولية تٌعرف عن  نفسها بأنها نسوية سياسية وتناضل من أجل حقوق النساء.

كما نشأت بعض التجمعات النسوية على مواقع التواصل، ويبدو لافتاً للاهتمام أن أحد هذه التجمعات، وهو حوار نسوي – نسوي يضم عدداً من الأعضاء تجاوز الآلاف ويناقش مختلف القضايا والمشاكل النسوية بكثير من البوح الصادق والمهنية في أحيان كثيرة.

هذا التطور في الوضع النسوي طور ردات فعل متناقضة لدى المجتمع السوري الذي حكمه ولسنوات طويلة جداً نوعاً من السبات الطويل فيما يتعلق بقضايا وحقوق النساء، حيث لم يكن لدى السوريات وبشكل شرعي ومقونن سوى “الاتحاد النسائي” الوحيد (ورغم إنجازاته ونضالات نسائه) ولكنه وبشكل عام كان يتحرك وفق بوصلة محددة وبخطاب واحد، وأغلق بمرسوم جمهوري  مفاجئ. ولكن الآن يوجد العشرات من المنظمات النسوية بخطابات متعددة ومئات الناشطات النسويات، اللاتي لا يتورعن عن نقاش الكثير من المفاهيم التي كانت محرمة سابقاً ويكسرن الكثير من الأعراف والتي كانت سائدة لعشرات السنين.

ردّات الفعل هذه تتباين من رفض مطلق للنسوية، كفكر بشكل خاص ولنقاش قضايا المرأة بشكل عام، وهذا لا يقتصر على المتشددين السوريين بل يمكن تعميمه على كل المنطقة العربية حيث شهدنا منذ فترة وجيزة نزول الكثير من الفلسطينيين في رام الله رفضاً لاتفاقية السيداو وكذلك شهدنا ردات فعل غاضبة في الأردن لازدياد تدخل المرأة في الشأن العام. كما تم التعرض إلى الكثير من الناشطات النسويات على صفحات الجرائد في مصر، وتعرضت أكثر من واحدة منهن للعنف المباشر في الشارع، إلى رفض تدخل النسوية بقضايا العنف ضد المرأة ولاسيما العنف المنزلي الموجه من الأب أو الأخ أو الزوج بدعوى أن أمور المنزل لا يجب أن تناقش على العلن وتزداد حدة في حالة العنف الموجه من الزوج بدعوى الحفاظ على مصلحة الأطفال والعائلة. وهنا  تظهر الذكورية في أوضح أشكالها حيث نرى الاتهامات الموجهة إلى النسويات بأنهن كارهات للرجال وللزواج ويشجعن النساء على الطلاق وترك الأطفال ويدعين إلى العلاقات الجنسية المفتوحة بدعوى أن جسد المرأة ملكها ولا يحق لأحد أن يتحكم به وبها.

كما تظهر هذه الذكورية عند تناول موضوع دخول النساء الى المجال السياسي ووصول الكثيرات منهن إلى مواقع صنع القرار في مجالات عديدة حيث تظهر الوصاية الذكورية بالرفض المطلق لدخول النساء في المجال السياسي وهذه لاحظناها كثيراً في ردات فعل بعض أعضاء مجلس النواب الأردني على زميلتهم هند الفايز حيث صرخ عليها أحدهم بأن مكان المرأة منزلها، أو بالإملاءات  والتنظير للنسويات السياسيات من قبل زملائهن بأنهن يجب أن يفعلن كذا ولا يفعلن كذا.

ردّات الفعل هذه لها أسبابها الكثيرة والواضحة، فالسيادة المطلقة للرجل في المنزل وفي الشأن العام، التي تربى عليها لمئات السنين وقطف ثمارها الكثير من الدلال والرعاية في المنزل، ومن المكاسب المالية والمعنوية وسلطة فرض القرار في الشأن العام، لا تترك له مجالاً للمهادنة أمام خطر نسوي قادم يطالب بالمشاركة والمساواة والمناصفة في هذه المكاسب. هناك كثير من المزايا عليه أن يتنازل عنها،  فبدلاً من تقسيم العمل بين المنزلي للزوجة وخارج المنزل له هناك مطالبة قوية للمشاركة بالعمل المنزلي والعمل خارج المنزل، وهناك مطالبة لكوتا نسائية بالحد الأدنى 30% وصولاً الى المناصفة في كل الوظائف والمناصب والأماكن.

لذلك لدى الرجل هنا أمام هذا التدخل النسوي الكبير حلين لا ثالث لهما أن يكون إما مشككاً أو رافضاً. أن يكون رافضاً، وهو الحل الذي لا يستدعي الكثير من الذكاء والمهارة ويضعه بشكل مواجه ومكشوف تماماً أمام النسويات، ويمارس هذا الحل الكثير من المتعصبين والمتشددين والرجال العاديين أمام زوجاتهم في منازلهم وبين بعضهم.

وأما أن يكون مشكّكاً بقدرة النساء وخاصة في الشأن العام، فهذا يلزمه الكثير من المناورة والمراوغة، والتي تأخذ أحياناً شكل الأخ الأكبر والصديق الناصح والداعم والمساند، وتخفي في أحيان كثيرة هذا التشكيك بقدرة النساء. وهذه نلاحظها في خطاب بعض المثقفين الذين يدعون أنهم داعمين للنساء بالمطالبة بحقوقهن ولكن على النسويات أن يكن لينات ولا يلجأن الى الصدام والمواجهة والكشف وأن يستمعن الى وجهة نظر شركائهن الرجال، وأن يبقين في الصف الثاني لأن شركائهن لديهم الخبرة ويتفوقون عليهن بها. كما تأخذ شكل الاتهامات المتواصلة للنسويات بأنهن يفهمن النسوية بشكل خاطئ وأنهن يسعين الى كراهية الرجل وإعلان الحرب ضده.

ربما لازال الطريق طويلاً جداً أمام النسوية السورية بأن تقطف ثمار نضالها وأن تحجز لها مكان مساوي للرجل في جميع مجالات الحياة، لكن وكما قيل دائماً طريق الألف ميل يبدأ بخطوة والنساء السوريات بدأن هذه الخطوة ولن يتوقفن.

لوحة للفنان “أسامة دياب”

لوحة للفنان “أسامة دياب” 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015