سامح المحاريق/alquds- لا تقف المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عند الحديث عنها، بوصفها سيدة على الفراغ، فإعادة بناء ألمانيا مادياً ومعنوياً بعد الحرب العالمية الثانية، تحملته المرأة بشكل أساسي، وكانت نساء اﻷنقاض Trümmerfrau يقمن بمهام جليلة وصعبة، بداية من إزالة ملامح الخراب التي خلفها قصف الحلفاء والسوفييت على المدن اﻷلمانية، وحتى الانخراط في عمليات إعادة تأسيس المجتمع المدني.
وحالة مشابهة، وبدرجة أقل، كانت تدفع المرأة الحديدية مارغريت ثاتشر في بريطانيا، فهي لم تهبط من السماء، ولكنها أتت تجسيداً لدور المرأة الإنكليزية وسيدة الطبقة الوسطى، التي كانت تتصاعد أصلاً، مع القيام بمهام كبرى أثناء الحروب الاستعمارية البريطانية.
تستدعي هذه الحقائق الغربية، صورة لفتاة عراقيّة، أخذت تقود المظاهرات قبل الدخول في حقبة كورونا وتهتف بسقوط كل اﻷكاذيب السياسية، وتتوازى هذه الصور أيضاً مع عشرات أخرى تقاطرت من لبنان، من أشهرها الفتاة التي واجهت بشجاعة أحد أفراد اﻷمن، وردّت عليه الاعتداء البدني بآخر، وقبلهنّ كانت الكنداكة السودانيّة، والمصريّات واليمنيّات والتونسيّات، في ميادين الثورة المختلفة، وهو ما يُعطي دفعةً من اﻷمل في أنّ المرأة العربية ربما تخوض حربها مع اﻷنقاض، وتشترك في ورشةٍ كبيرة لترويض الخراب وإنتاج الحياة من جديد في الفعل نفسه الذي اعتادته المرأة على امتداد آلاف السنين، وتصدّيها اليومي والروتيني لفوضى المنزل، لتعود وتخلق منه فضاءً مناسباً للعيش، بغضّ النظر بالطبع عن مستواه المادي.
قبل الانسياق مع اﻷمل، وكم هو خطيرٌ أن يفعل المرء ذلك، يجب أن نتذكّر أنّ المرأة العربية عليها أولاً أن تواجه تاريخاً مثقلاً بالخيبات، ومزدحماً بالقهر، وأن تحمل فأساً في يدها لتحطّم الأصنام الكثيرة من حولها، وتعلّقها في رقبة الديكتاتور، والديكتاتور في هذه الحالة، ليس وحده القائد أو الزعيم، فالجميع يرضع الاستبداد في هذا الشرق، من أب الأسرة إلى الأخ الأكبر إلى المدرّس وأستاذ الجامعة، ونقيب المهنة وصاحب العمل، والاستبداد السياسي هو صورة الاستبداد المتفشّي في كلّ مفصل من المجتمعات العربية.
القصّة لا تتعلّق بالحديث عن النسوية بوصفها توجّهاً سياسياً جديداً يحتلّ مواقع متقدّمة وساخنة، والأساس هو العمل على تفكيك حالة الاضطهاد العام للإنسان العربي، والنظر في مخزون المرأة العربية، التي تستطيع في هذه المرحلة التاريخية المعقّدة أن تتقدّم لتتخذ أدواراً محوريّة.
لتحقيق النجاح في هذه الحالة يجب تثوير وضع المرأة العربية جذريّاً، وعدم الانخداع بوضعية بعض النساء اللواتي يحجِزن مواقع في مناصب متقدّمة، ضمن الحكومات العربيّة، لأنهن لا يُعبّرن عن المرأة، بقدر تمثيلهن لديكور المرأة، كما أنّ وضعهنّ يتأتى من مواقعهنّ، أو مواقع أُسرهنّ في منظومة النخبة المغلقة، فهنّ جزءٌ من مشكلة المرأة، ولا يُعتَبَرن بأيّ شكل جزءاً من الحل، وعادةً ما يكون الأداء مخيّباً ويصبح وسيلةً لانتقاد المرأة العربية، والأداء الضعيف هو نتيجة لوضعهنّ كديكور في الحكومات، والمواقع الرسمية، ولعدم وجود ما يدعم أهليَتهنّ، سوى الوضع الأُسري، أو المواقع المحجوزة داخل النُخبة.
لَحَقَ العالم العربي الكثير من مظاهر الخراب، وفي الوقت الذي يحتاج فيه المجتمع العربي لاستنهاض طاقاته من الشباب، فإنّه يتجاهل قبل ذلك الجزء الكبير المعطَّل من ثورته الاجتماعية الضرورية، وكما هي الحال في كثيرٍ من التحرّكات الاحتيالية، تحضر المرأة تكميلياً، ونجد صورة وردة بدلاً من صورتها الشخصية في الانتخابات المصرية، أو كانت كثيرٌ من مسوّغات وجودها، قرابتها من أحد العناصر الأساسية في منظومة الحكم، وتحضر المرأة ممثّلة عن العشيرة لاستغلال موقعٍ يلوح في الكِرْم، الذي تمثّله الكوتا النسائية في الانتخابات الأردنية، أما في العراق فتحوّلت المرأة إلى جزءٍ من المنظومة المذهبية، واشتبكت مع تفاصيلها.
المطلوب ثقافة كاملة للمرأة العربية، تستطيع من خلالها أن تتقدّم باستقلالها الشخصي، وأن تستخرج من داخلها إمكانيات المواجهة. ومطلوبٌ من الدولة، أن تُفسح المجال لذلك، فإذا كانت لا تستطيع عمليّاً أن تقدّم الدعم للمرأة، فعليها على الأقل ألا تتحوّل إلى جزء من منظومة القهر المتكاملة.
سنحتاج إلى سنوات طويلة قبل أن نجد تاتشر أو ميركل عربية، ولكن التأخير لن يكون مفيداً، لأنّ الخراب سيبقى على حاله، والخراب ليس معنيّاً بالهوية الجنسية للشخص الذي يتقدّم لانتزاعه.
تلوح أمام المرأة العربية فرصة كبيرة للتعبير عن ذاتها، من دون وساطة أو وكالة أحد، ومن دون أن تتحوّل إلى ذخيرة حيّة لأي جهة، ومن دون أن يستمر الاستغلال، ومع الوقت ستستطيع المرأة المهمَّشة أن تجد صوتها وأن تُطلقه. وعلى المجتمع الذكوري، وليس الذكور طبعاً، أن يُعلِن تنحيّه بعد أن أثبت فشله طويلاً في حروبه ومناكفاته وصراعاته.
وعملياً فإن مجتمعاً يعرج على ذكورته وانتفاخه بشعاراته وحروبه وأمجاده المتخيَّلة وفحولته اللفظيّة، لا يمكنه أن يتقدّم ليحجز موقعاً مناسباً، في عالمٍ يحتاج إلى مزيدٍ من الذكاء، في الوقت الذي تتراجع فيه القوّة لتصبح أحياناً عبئاً على أصحابها.
وبالقطع لا يعوز الذكاء المرأة لمجرّد أنها امرأة، ولا يفضّل الإقامة لدى الرجال لأنهم تصادف وأنهم ذكور، كلّ ما في الأمر أنّ الحضارة احتاجت كثيراً من القوة البدنيّة في السابق، والعصر المُقبل هو عصر الذكاء والحكمة.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.