بيروت- عقد تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية بالتعاون مع مركز الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة، وبدعم من المبادرة النسوية الأورومتوسطية ومنظمة سيدا، ندوة بعنوان “المرأة في الدستور والمواطنة” وذلك في الجامعة الأمريكية في بيروت مساء الأربعاء 20 أيلول 2017. وقد حضر الندوة طلاب وطالبات من الجامعة الأمريكية والعديد من النشطاء والناشطات وممثلين/ات عن منظمات المجتمع المدني.
في بداية الندوة قدمت لمى قنوت المنسقة العامة لتجمّع سوريات من أجل الديمقراطية مداخلة بعنوان “الضمانات الدستورية للمساواة بين المواطنين والمواطنات”، حيث استهلت مداخلتها بأهمية الفرصة التي يشكلها الانتقال السياسي في سورية للعبورِ نحوَ دولةِ المواطنة التي لا تقبلُ قيمُها التجزئة، ونحتاً لمعالمِ المسارِ الانتقالي نحوَ الديمقراطيةِ للنهوضِ بسورية.
وأكدّت قنوت أنه “بقدر ما تقع قضايا المرأة حجرَ أساسٍ في نهضةِ المجتمع، لا يُساورنا أيُّ شكٍ بأنَّ هذهِ القضايا بالذات تخضعُ لترحيلٍ ومساوماتٍ تحتَ مسمياتِ الخصوصيةِ الثقافيةِ وإدارةِ المقدسِ الخاضعِ للهيمنةِ الذكوريةِ في إصرارٍ وعنادٍ أن نحيا كنساءٍ في فضاءٍ ذكوريٍّ مُصَمَمٍ على الاضطهادِ والإخضاعِ، يُرغِمنا على العيشِ خارجَ الزمنِ، وكأنّه قضاءٌ محتوم.” وأضافت: “ولأنَّ الثورةَ على الاستبدادِ بكلِّ أشكالهِ سيرورةٌ، فمعركةُ الدستورِ والقوانينِ إحدى محطاتها المهمّة، وذلكَ لإنهاءِ حالةِ الفصامِ والتناقضِ والتذبذبِ التي نعيشها، كسوريين وسوريات:
أولاً: بين دسترةِ حريّاتِ وحقوقِ ومرجعيةِ التشريعِ ومصادره، أدت لتناقض بين مواد الدستور، وتناقض بعض مواده مع القوانين.
ثانياً: أو/و بينها كحقوقٍ على الورقِ، وسحقها وكرامةِ الفردِ في الممارسة.
ثالثاً: أو/ وبين القيمِ الكونيةِ للحريةِ الفرديةِ وحريةِ الضميرِ، وبين التقوقعِ في دسترةِ الطاعةِ والتحكّمِ والسيطرةِ على كيانِ الفردِ وأفكارهِ وجسده.”
كما قدّمت قنوت أمثلة على ذلك، ثم تحدثت عن الضمانات الدستورية للمساواة بين المواطنين المواطنات وعن عمل تجمع سوريات من أجل الديمقراطية منذ تأسيسه 2012 والذي ركز على طرح ونشر المبادئ الدستورية الحساسة للجندر، وأشارت إلى إنَّ “الدستورَ المتوافقَ مع منظورِ الجندر هو دستورٌ ديمقراطيّ، يصححُ التغييبَ التاريخيَ السياسيَ والاقتصاديَ للمرأة، ويؤمّنُ الأساسَ القانونيَ لتمكينها، ويضمنُ أنها والرجلُ يتمتعانِ بحقوقٍ وحمايةٍ متساويةٍ أمامَ القانون وفي القانونِ والممارسة، وينعكسُ إيجابياً على مصالحها التي تخضعُ حالياً لقواعدِ العرفِ والفقهِ، ويؤدي لإلغاءِ التشريعاتِ التمييزية.” ثم تناولت المبادئ الرئيسية التي يجب أن يحتويها الدستور. وختمت قنوت مداخلتها “صحيحٌ أنَّ الانتقالَ السياسيَ وإطلاقَ مسارِ العدالةِ الانتقاليةِ هو المسارُ الوحيدُ لإعادةِ بناءِ سورية على أساسِ المواطنة، لكنّه لا يكفي لتفكيكِ بُنى الاستبدادِ في الدولةِ العميقة، إلا إذا حرّمنا قانونياً السُلطَ السياسيةَ والدينيةَ من استخدامِ العنفِ المُنتجِ للتمييز كأداةٍ للإخضاع، فنحتُ بناءِ المسارِ الانتقاليّ نحوَ الديمقراطيةِ طريقهُ طويلٌ ولا يصنعهُ إلا نساءٌ ورجالٌ أحرار.”
أما المداخلة الثانية فكانت للدكتور حسان عباس تحت عنوان “المواطِنة في المواطَنة” أشار فيها إلى أربع نقاط:
“1- إن التشاركية تشير إلى أن أيَّ أمر، أو قرار، أو قانون، أو إجراء…. يتعلق بحياة المرأة/ المواطِنة، لا يجوز أن تتخذه سلطة ما، كائنة ما كانت، إلا بمعرفة هذه المرأة، وبمشاركتها، ورضاها بعيدا عن أي قهر أو قسر أو وصاية أو إخضاع.
2- إن الحرية تشير إلى أن المرأة هي التي تحدد، بمحض إرادتها، وفي ظل قناعاتها ووعيها، حجم الحريات الفردية الذي ستتنازل عنه كرمى لأن تنتظم أمور حياتها في المجتمع. وهذا ما يعني من جهة أخرى أن القانون الذي تتمثل وظيفته الأولى بضبط الحريات عليه ألا ينقص من حريات المرأة لأنها امرأة.
3- إن المسؤولية تشير إلى أن المرأة مسؤولةٌ عن نتائج أفعالها الواعية. وبما أن المسؤولية تنبثق أصلا من السلطة وأساسها السلطة على الذات، أي أن الإنسان سيدُ مصيره، يصبح من البديهي أن المرأة في المواطنة هي أولا سيدة مصيرها، وهي، لأنها كذلك، جديرة بتحمل المسؤولية، وجديرة بأن تكون وحدَها صاحبةَ الحق في تقرير أفعالها، وأن تسأل عنها.
4- إن المساواة تشير إلى أن الاختلاف الطبيعي الذي يميز بين المرأة والرجل لا شأن له إطلاقا بوضعها كمواطنة وأنها، بالتالي: مساوية للرجل في القانون وأمام القانون، مساوية للرجل أمام القضاء، مساوية للرجل في استخدام المرافق العامة، مساوية للرجل في استخدام الأموال العامة، مساوية للرجل في شغل الوظائف العامة، ومساوية في تحمل التكاليف والأعباء.”
وأضاف عباس أن مواطنة المواطنات لن تثبت أقدامَها على دروب تحققها مادامت المواطنة لم تتحول إلى ثقافة تشمل جميع أوجه النشاط الإنساني: العقلية والروحية والعاطفية والمادية، فالمواطنة إضافة إلى كونها علاقات قانونية واجتماعية وإدارية، هي ثقافةٌ، ثقافةٌ فاعلة، تضبط سلوكيات الفرد/ المواطن وتؤسس لأشكال تعامله مع الدولة والفضاء العام والمواطنين الآخرين. والسبيل إليها، أن نولي الأولوية للتعليم لأن المدرسة هي مصنع المواطنة، وهي بهذا المعنى مصنع بخطوط إنتاج أربعةٍ مرتبطةٍ بأدوار المدرسة التعليمية والتربوية والتأهيلية والمعرفية.
وأكّد عباس أيضاً أنه وفي موازاة التعليم تؤثر آليات اجتماعية – ثقافية أخرى على ترسيخ ثقافات بعينها ولا بد من العمل عليها لتصبح مسارات لترسيخ ثقافة المواطنة عبر مناهضة ما تحمله من ثقافات تمايزية ومتعصبة وعنصرية تجاه المرأة. والصورة النمطية واحدة من بين أكثر هذه الآليات تأثير. وأضاف على أن الصورة النمطية لها حوامل ثقافية تساهم في تشكل هذه الصور وانتشارها أهمها الخطاب اليومي وما يحتضنه من أطر: النكتة والمثل الشعبي. وأخيراً الإعلام وبخاصة الدعايات التجارية، ومؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي التي تمنح للذكورية والعنصرية مجالات حرة يتم من خلالها تغذية الصور النمطية بلا رقيب ولا حسيب. وختم قائلاً: “في جميع الأحوال نحن نعرف أن المواطنة هي “ممارسة وسيروة أكثر مما هي معطى ثابت وأنها عملية اكتمال لا يكتمل”، كما يقول عالم الاجتماع السياسي الفرنسي إتيين باليبار.”
ثم ناقشت المحامية منار زعيتر مداخلتي قنوت وعباس، وطرحت ثلاث أسئلة، كيف نعمل على صياغة دساتير تؤسس للمساواة؟ ووضحت الخلط بين العقد الاجتماعي والعقد السياسي الذي يقع فيه عامة الناس، فالدستور هو عقد اجتماعى بين أبناء الشعب أو الجماعة الوطنية من أجل تنظيم حقوقهم وضمان حرياتهم دون أن يكون الحاكم طرًفا في هذا العقد، أما العلاقة بين الشعب والحاكم ينظمها ما نطلق عليه العقد السياسي، ولا يمكن لهذين العقدين إلا الإنطلاق من منظومة مبادىء وقيم حقوق الإنسان وأهمها المساواة. وأضافت إن آليات حماية الدستور هي الضمان الفعلي حتى لا يتم انتهاكه من قبل الهيئات والمسؤولين ولا تصدر تشريعات تخالف روح الدستور، ثم تناولت زعيتر إشكالية عدم دسترة مبادئ وقيم حقوق الإنسان سيما مبدأ الترابط وعدم التجزئة والمساواة، والازدواجية التي تعيشها البلدان بين التزامها بالعديد من الاتفاقيات الدولية وتكريسها مبدأ المساواة وبالمقابل التمسك بالخصوصيات وبمقولات الثقافة الغريبة عن البنية الاجتماعية. ثم تناولت زعيتر الإجابة على سؤال طرحته: كيف نعزز المواطنة؟
وختمت في سؤال ثالث: ما هو دور الحركات النسوية والحقوقية؟ ولخصته بأربع نقاط رئيسية: التحول إلى حركات اجتماعية لتعزيز العلاقة مع أصحاب الحقوق، العمل ضمن رؤية سياسية لإنتاج بنى ديمقراطية تؤسس لدساتير حديثة ولمواطنة غير منقوصة، إنتاج قيادات سياسية نسوية، العمل على الدساتير ضمن مقاربة شاملة.
تلا ذلك تعقيبات وأسئلة من الحضور أغنت موضوع الندوة.