أمجد الدهامات/ raialyoum- نتيجةً لتأثير موروثات كثيرة ومتنوعة تراكمت عبِر الزمن، تعوّدت المجتمعات الرجولية ذات الطابع البدوي على الحكم الذكوري، فلابد أن يحكم القبيلة (فحل الفحول) ولا مجال لقيادتها من قِبل امرأة.
ومع نشوء الدول الوطنية تمّ التعامل مع الدولة وكأنها قبيلة كبيرة، وتحت يافطة الحفاظ على عادات وتقاليد الأجداد القروسطية، تمّ استصحاب حالة عدم تولّي النساء لحكم الدولة – القبيلة، ورغم محاولة تجميل صورة هذه الدولة بتعيين عددٍ من النساء في بعض المواقع الحكومية إلا أن رئاستي الجمهورية والوزراء بقيتا “ذكورية” بامتياز، أما في الدول الملكية فإن منصبي الملك وولي عهده رجولي أيضاً، وتنصّ عليه الدساتير؛ وبالتالي فمن الإستحالة تولّي امرأة لهذه المسؤوليات.
ورغم أن النساء العربيّات المُهاجِرات قد تولّينَ مواقع سيادية في بلدان المهجر، مثل خديجة عريب وهي من أصل مغربي، رئيسة برلمان هولندا (2016)، ورشيدة داتي، وهي من أصل مغربي جزائري، وزيرة العدل (2007) في فرنسا، وغيرهن.. إلا أن هذه المواقع لا تزال ممنوعة عليهن في قلعة الفحولة العربية، فلم يتم توزير امرأة في وزارات الخارجية، الداخلية، الدفاع، المالية، النفط، العدل، بل جرت العادة على توزيرهن في وزارات أقلّ أهمية مثل الثقافة، السياحة، الشؤون الاجتماعية … إلخ، والمفارقة أنه تمّ في لبنان تعيين رجل (جان أوغاسبيان) بمنصب وزير الدولة لشؤون المرأة!
طبعاً توجد استثناءات لما ذكرتُه أعلاه، مثل نجاح العطار نائبة رئيس الجمهورية السورية، وريا الحسن وزيرة المالية ثم الداخلية في لبنان، والناهة بنت حمدي وزيرة الخارجية الموريتانية، لكنها قليلة ولا تشكّل فرقاً.
أما رئاسة البرلمانات العربية، ورغم صلاحياتها المحدودة في الأنظمة العربية الشمولية، لكنها لاتزال رجولية، وأيضاً مع استثناءات قليلة، مثل: أمل القبيسي رئيسة المجلس الوطني الإماراتي (2015)، وفوزية زينل رئيسة مجلس النواب البحريني (2018)، وفالا فريد الرئيسة المؤقتة لبرلمان كوردستان (2019).
لكن هل يتقبّل المجتمع العربي أن تكون رئيسة الدولة امرأة؟
من الصعوبة بمكانٍ على العقل العربي قبول المرأة في هذا المنصب، والموضوع يحتاج إلى تغيير عقلية المجتمع وطريقة تفكيره والتدرّج من بدايات بسيطة ثم، بمرور الزمن، تتصاعد لتصل إلى القمة ربما على المدى البعيد، وهذا ما حصل في سريلانكا:
فقد تمّ فيها انتخاب أول امرأة بالعالم لمنصب رئيس الوزراء وهي (سيريمافو باندرانايكا) عام (1960)، ومرةً ثانية في عام (1970)، ونتيجةً لنجاحها في عملها وتحوّلها إلى شخصية عالمية، تصاعد رضا وقبول الشعب لحكم المرأة فتمّ انتخاب أبنتها (شاندريكا كماراتونغا) رئيسةً للجمهورية (1994)، والتي بدورها عيّنت والدتها بمنصب رئيس الوزراء، فأصبحت الدولة تحت حكم النساء.
ما حدث في سريلانكا امتدّ تأثيره، بالإضافة إلى عوامل أخرى، إلى الدول القريبة منها في جنوب أسيا بل في عمومها، مثل: أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند، بناظير بوتو رئيسة وزراء باكستان (أول وأصغر رئيسة وزراء في دولة إسلامية)، كورازون أكينو رئيسة جمهورية الفلبين ومن بعدها غلوريا أرويو، ميغاواتي سوكارنوبوتري رئيسة اندونيسيا، … إلخ.
ولم يقتصر الأمر على أسيا فقط بل وصل إلى قارات أخرى مثل قلعة الدكتاتوريّات أفريقيا، حيث حكمت النساء بعض دولها، مثل ألين جونسون سيرليف رئيسة ليبريا، كاترين سامبا بانزا رئيسة أفريقيا الوسطى، جويس باندا رئيسة ملاوي، … إلخ.
أما في قارة أمريكا الجنوبية؛ فكانت أول امرأة تتولّى منصب رئيس الجمهورية هي رئيسة الأرجنتين إيزابيل بيرون عام (1974). وفتحت الباب أمام حكم النساء في القارّة؛ مثل: ميشال باشيليه رئيسة تشيلي، ديلما روسيف رئيسة البرازيل، كريستينا كيرشنر رئيسة الأرجنتين، … إلخ.
هذا التدرّج البطيء، وهو من طبيعة الأشياء على أية حال، لم يحصل في الدول العربية، فرغم أن أول امرأة تولّت منصب وزاري في العالم العربي هي وزيرة البلديات العراقية نزيهة الدليمي عام (1959)؛ لكن لم يتطوّر الأمر ليصل إلى منصب رئيس الدولة أو حتى لمنصب رئيس الوزراء رغم محدودية صلاحيات هذا المنصب في أغلب الدول العربية.
كما أن الطبقة السياسية العربية والمجتمع العربي بعمومه وبالذات (سي السيد) لم يتقبّل بعد أن تكون المرأة رئيسةً للجمهورية أو الوزراء، ودائماً بتأثير الموروثات القديمة التي لا تزال حاضرةً في مخيّلة الإنسان العربي ومن الصعب عليه مغادرتها، رغم أننا الآن في عام (2019) وليس في القرون الوسطى، في عصر المساواة بين البشر وليس عصر الجواري!
أخيراً، هل سيأتي اليوم الذي نقول فيه: السيّدة رئيسة الجمهوريّة؟
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.