حرية المرأة الافتراضية
الحرية الافتراضية

يمينة حمدي/ جريدة العرب اللندنية- هل وجدت المرأة شيئاً من حريتها في الفضاءات الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المجموعات والأصدقاء على الهواتف الذكية؟ مثل هذا السؤال يتبادر إلى الذهن، وتكون الإجابة عنه في الأغلب بنعم، إنها فضاءاتٌ معاصرة للاستقلالية وللحرية وللتعبير عن الذات، خصوصاً بالنسبة للفتيات اللواتي يُكْبَتْنَ من قبل أُسرِهن ويُحجَّم على أصواتهن قبل أن يُحجَّم على الأفكار التي ينطقن بها.

نعم هذه الفضاءات الرقمية بما تحمله من تشجيعٍ على طرح الأفكار والنشاط الشخصي المرفوق بالصور، تعبيرٌ معاصر عن حريةٍ لم تكن متاحةً للمرأة في المجتمعات العربية من قبل، لكنها في أغلب الأحوال ستظلّ حريةً منقوصة، بل ومُقيّدةً بسلاسل العرف الاجتماعي المقترن بالتقاليد والعيب والحشمة.. وكل هذه المسميات تتكاتف لتمنع المرأة من ممارسة الاستقلالية التامة في التفكير والتعبير عن نفسها.

هناك أمثلةٌ كثيرة لنساءٍ ناشطاتٍ قادرات على التعبير عن أفكارهن على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يا للحسرة بأسماء مستعارة! خشيةً من الأخ والأب والأسرة والزوج.

وهذه الأسماء المستعارة مُحبِطة أكثر مما هي مُشجّعة للمرأة، وهذا الأمر لا يختلف عن عصر الحريم والتضييق على النساء، فإذا كانت المرأة تخشى من التعبير عن أفكارها بشكل علني، فما أهمية هذه الأفكار إن نُشِرت على صفحة على فيسبوك باسم مستعار؟

مهما أخذت من انتشار وتفاعل فإنها لن تؤثر كثيراً على المناخ الاجتماعي العام في النظر إلى المرأة وفي التعاطي مع حقوقها، وهذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه قضايا المرأة على أرض الواقع.

في بعض المجتمعات العربية وصل الأمر إلى أكثر من ذلك، فحسب الأخبار المنشورة عن العراق مثلاً، الكثير من الأسر والعشائر تقاتلت في ما بينها لمجرد أن أحد الشبان كتب تعليقاً على صفحة فتاة على فيسبوك؟ بل أصبح الأمر قضيةً تمسّ العِرض وتلوّث شرف القبائل.

فهل يمكن بعد ذلك أن تجرؤ الفتاة العراقية على التعبير عن نفسها على صفحتها الخاصة على فيسبوك بشكل علني من دون أن تخشى الرقيب والحسيب وكل من يحاول أن يُلحِق بها العار الذي قد يُدمّر حياتها وحياة أسرتها بالكامل؟

هذا الأمر يفسر لنا لماذا تلجأ الفتيات إلى أسماءٍ مستعارة، ومثل هذا الأمر قد يشجّع أيضاً على التخلص من النوازع الأخلاقية تحت مسوّغ أن لا أحد بإمكانه أن يتعرّف عليّ إن هاجمتُ وتجرأتُ على قول ما لم أستطع قوله في الواقع.

في بلادي تونس أعرف فتياتٍ عشن حياةً بسيطة ومتشابهة لا تخرج من حدود الأهل والأقارب، لكن الفضاء الافتراضي فتح أمامهن آفاقاً مختلفة للتعارف والمشاركة في النقاشات بشأن مواضيع مختلفة وقضايا اجتماعية وحياتية وثقافية، ولكن الخوف من كسر القالب الذي أعده المجتمع لـ”المرأة الصالحة”، جعل الكثيرات منهن يخترن الظهور في العالم الافتراضي بشخصياتٍ مزدوجة.

لكن لا يبدو أن الانفصام في الشخصية حلٌّ صائب، لأنه سيحرمهن من الشعور بالاتساق مع الذات، خاصةً إذا كانت الصورة التي يُقدّمن بها أنفسهن على الإنترنت، مختلفةً عن الكيفية التي يعشن بها على أرض الواقع.

الحرية الافتراضية

الحرية الافتراضية

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015