إياد شاكر/shebbaksouri- قبل مرورنا في هذه الضائقة الاقتصادية كانت نسبة جيدة من البنات والسيدات يعملن في دوامين خلال اليوم الواحد، مرةً نتيجة الظروف الاقتصادية؛ وأخرى نتيجة طبيعة عملٍ تقتضي الدوام الطويل.
هذا الحال ليس طارئاً على الحياة الاجتماعية السورية؛ لكنه تنامى الآن (خاصةً عمل المرأة المتزوجة) وذلك نتيجة الأوضاع الحالية، فتنوعت بذلك ردود أفعال أزواجهن بين داعمٍ وخائفٍ على “مركزه الاقتصادي” في الأسرة.
حين عُرِض على زوجتي “المخبرية” أن تعمل بعد وظيفتها العامة في مخبرٍ خاص تناقشنا في الموضوع وأبديت تشجيعي على الفور، نظراً للتقنيات الجديدة والنادرة التي يحتويها هذا المخبر، وإيماناً مني بضرورة التطور.
لم نسأل حينها عن الراتب؛ فلم نكن بحاجة فعلية له. لكن حين استلمت راتبها الأول فوجئنا بأنه يبلغ ضِعفي دخلي الكامل، ما أثار لدي بعض التحفظات بصراحة، خاصةً مع تدهور قيمة العملة، وتحوُّل موضوع العمل الجديد من اختياري لضروري.. ضروري جداً.
صحيح أننا أصبحنا في “بحبوحة”، لكنني اعتدت أن أكون أنا من أسعى وأنفق، رغم اتفاقي وزوجتي، وترفُّعنا عن الأمورالمادية تماماً، إلا أن حالة التبعية الاقتصادية المتجذرة فينا تأبى أن يُنتزع منا هذا “التفوق”، على الرغم من عمل الزوجة ودور راتبها في مصروف المنزل مسبقاً.
حين ننظر إلى الموضوع من وجهة نظر الاقتصاد نصطدم ببديهية تقول أن “من يملك المال يملك القرار”، لكن يظهر لدينا السؤال: هل تنطبق هذه القاعدة العامة على حالة الشراكة بين الزوجين الواعيين المتفاهمين؟
في الحقيقة لا.. هذا ما توصلنا إليه أنا وزوجتي حين وضعنا هذه الهواجس على طاولة حوارنا المعتادة، واستذكرنا أن قيامنا بواجبنا تجاه الأطفال هو الهدف الأسمى، وأن حالة الصداقة التي أنشأت حبنا وارتباطنا تقتضي أن يعمل كلٌ منا ما في وسعه لضمان حياة كريمةٍ للجميع، أضف إلى أنني راضٍ عن نفسي تماماً بما يخص واجبي تجاه المنزل سابقاً وحالياً.
إلا أن منذر (مدرِّس، 33 عام)، لم يتفق مع هذا التوجه، إذ يقول: “الموضوع نسبي جداً، فلا كل الرجال مؤهلين لهذا القبول، ولا كل النساء مؤهلات لهذا القدر من الحرية الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية.”
لا نستطيع أن ننكر أن قسماً كبيراً من النساء يقدمن أنفسهن كتابعٍ اقتصادي للرجل، وفي ذات الوضع لا نستطيع لومهن، فقد رضعن هذا الشيء مع حليب أمهاتهن، خاصةً في بيئةٍ “محافظةٍ” كتلك التي أنتمي إليها، هذه البيئة التي تصالحت مؤخراً مع موضوع عمل المرأة من الأساس، فكيف بتفوقها على الرجل..!
أعتقد أن الموضوع بحاجةٍ إلى زوجين واعيين جداً، وعلى قدرٍ كبير من المسؤولية العائلية، فنسبة لا بأس بها من الرجال يرون في تفوقهم الاقتصادي نقطةَ قوتهم وتميزهم الوحيدة، وهذا ما أرفضه بشدة، فأنا أرفض التبعية الاقتصادية، ولا أتصور نفسي مع زوجة تحبني لأن وضعي المادي جيد، فأنا أرى في شخصيتي صفاتٍ عديدة أستحق عليها الحب والاحترام والانتماء، لكنني عازبٌ حتى اليوم – يقول منذر مازحاً- فلم أجد بعدُ الفتاة التي تقول لي “أهم شي الأخلاق” وتنسى موضوع المجوهرات.
بدوره يقول الشيف رامي (40 عاماً): اعتدتُ أن أجلب إلى منزلي أضعاف احتياجاته اليومية، هذا طبعي وأسلوبي في الإنفاق، فبدلاً من ليتر الزيت النباتي مثلاً كنت أشتري عبوةً بسعةِ 20 ليتر، وأتركها في المنزل، وكذلك سارت الأمور طيلة فترة زواجي من ديمة (طبيبة أطفال)، إلى أن بدأت كارثة كورونا وتدهور العمل في القطاع السياحي، فتأثر بذلك دخلي تأثراً شديداً وقضيت شهوراً في المنزل بلا عمل..
حين بدأت مدخراتي المالية تنقص شيئاً فشيئاً، أحسست أنني صرت أعتمد على دخل زوجتي الذي تضاعف في هذه الأزمة الصحية، بعد أن كنا مكتفين بدخلي سابقاً -ولا أخفيك- لم أقبل على نفسي أن أستمر في “كرمي” على أسرتي من حساب زوجتي، أحسست أن الموضوع ثقيل عليَّ بعض الشيء، لكنني لم أستسلم لهذا الواقع، فأوجدت لنفسي فرصةَ عملٍ مستقلة، أطبخ في المنزل، واقوم بإيصال الطلبات إلى زبائني السابقين والجدد، وأنشأت لذلك صفحة على الفيس بوك، والآن أحقق دخلاً محترماً يسمح لي أن أبقى سخياً وكريماً من جيبي الخاص.
لقد خلقت هذه الأزمة الاقتصادية لدي حالة تحدٍ، وحركت في داخلي جانباً إبداعياً لم يكن ليظهر لولاها..
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.