جيرون- أطلقت “شبكة الصحافيات السوريات” أخيرًا، بالشراكة مع “الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان” ومؤسسة “هيفوس” الهولندية، بحثًا جديدًا بعنوان “النساء في وسائل الإعلام السورية الناشئة”، من إعداد مجموعة من الباحثات السوريات.
يُعالج البحث، قضية المساواة بين الجنسين في وسائل الإعلام الناشئة في سورية، في الفترة بين عامي 2011، و2016، في محورين أساسيين: النساء العاملات في هذه الوسائل، والخطاب المتعلق بالنساء، في محاولة للتحقق مما إذا كان الخطاب السائد فيها، والعرف الاجتماعي، يعززان التعاون القائم أصلًا أم لا.
يُقصد بمصطلح “وسائل الإعلام الناشئة في سورية”، وسائل الإعلام التي ظهرت بعد الثورة، والتي تتركز في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وهي وسائل غير ربحية على الأغلب، وتصدر باللغة العربية، وتوزع مجانًا.
على مدى العقود الماضية، كان قطاع الإعلام في سورية محتكرًا ومملوكًا لدولة تسلطية، وكان خطابه موجهًا لخدمة حزب البعث الحاكم، وشهد العقد الأخير بعض الانفتاح، لكن بقي الإعلام خاضعًا للتحكم، وكان -نتيجة ذلك- التعامل مع قضايا النساء على أنها قضايا ثانوية، وكانت الصورة النمطية للنساء هي السائدة، من خلال حصر النساء في عدد محدود من الموضوعات، مثل قضايا الجمال والصحة، والعائلة، أما في ما يتعلق بالمهن الإعلامية؛ فقد فاق عدد الذكور عدد الإناث، سواء الصحافيين منهم، أم شاغلي موقع اتخاذ القرار والنشر.
وعن محتوى البحث، قالت الصحافية السورية، رولا أسد، إحدى الباحثات فيه، لـ (جيرون): “عملت مع زميلاتي في مراحل البحث المختلفة، واشتغلت على تحرير مضمونه، وكتابة التقرير الخاص بالبحث باللغة العربية، وقد تناول البحث نقاطًا عدة، هدفها الرئيس قضية المساواة (الجندرية) في وسائل الإعلام الناشئة في سورية”.
وأضافت: “يتحدث البحث، عن المأزق في كيفية تصوير النساء في الإعلام، عبر منهجين: الأول يستمر بتصوير النساء على أنهن ضحايا وضعيفات، وعاجزات في مواجهة الاضطهاد، والثاني يعمل على تمكينهن عن طريق إظهار التغير في أدوارهن الاجتماعية، بوصفهن قياديات ومبادرات، وهذا النهج ما يحاول البحث السعي لتنفيذه”.
وتابعت: “يبين البحث -كذلك- وجود نقص في الاستخدام الفعال للغة البصرية من وسائل الإعلام الناشئة، وأن نسبة تغطية الموضوعات الخاصة بقضايا النساء لا تتجاوز 200 مقال في السنة، وترتفع هذه النسبة في المناسبات والأيام العالمية، مثل اليوم العالمي للمرأة، واليوم العالمي لحرية التعبير، وعيد الأم، ويُظهر أن 4 بالمئة -فقط- من كبار الصحافيين في سورية من النساء، في حين أن 54 بالمئة، من القوى العاملة في وسائل الإعلام الناشئة الإذاعية المشمولة بالبحث، هن نساء، وأكثر من ثلث القوى العاملة في الوسائل المطبوعة، 35 بالمئة من النساء، وتشغل 38 بالمئة -فقط- من النساء العاملات في وسائل الإعلام المطبوعة المشمولة بالبحث، مناصب رئيسة”.
واستخدم البحث، كما تقول أسد: “نهجًا مختلطًا، يجمع بين التحليلين الكمي والنوعي، أما الأدوات المستخدمة؛ فهي تحليل محتوى 136 نصًا، أُخذت من 24 وسيلة إعلامية مختارة، و36 استبانة منظمة عبر الإنترنت، و8 مقابلات شخصية، ومجموعتي نقاش الشبكة”.
وعن نقاط القوة والضعف فيه، قالت الباحثة السورية: “توجد في البحث نقطتا قوة أساسيتان، هما أنه يولي اهتمامًا خاصًا بالعوامل السياقية، وليس بالنص وحده، وهو أمر مهم جدًا إذا أخذنا في الحسبان سياق الصراع الدائر حاليًا في سورية، كما أنه يتبع نهجًا تشاركيًا، استفاد استفادة مثلى من دوائر علاقات شبكة الصحافيات السوريات، القائمة على الثقة، ومن معرفة الباحثات القوية في سورية”.
كما أن هناك جانبًا سلبيًا في هذا النهج النوعي، هو “أنه استلزم تركيزًا مكثفًا يستغرق وقتًا طويلًا، وهو متأثر -إلى حد ما- بالرؤية الذاتية للمشاركين فيه، ولا يستطيع أن يُغطّي عيّنة أكبر وأكثر تمثيلًا من الناحية العلمية”، وفق قولها.
يخلص البحث إلى عدد من التوصيات الخاصة بتطوير العمل الإعلامي في سورية، والموجهة -أيضًا- للمانحين والعاملين في منظمات المجتمع المدني السوري، في ما يتعلق بتغطية قضايا النساء، منها:
– توسيع تغطية قضايا النساء خارج نطاق المناسبات المحلية والدولية، وتشجيع مزيد من التفكير النقدي؛ لتجاوز الهوس بجسد المرأة، والعذرية التي ترتبط بها كرامة المجتمع بطريقة غير منطقية.
– تدريب العاملين والعاملات في الوسائل الإعلامية الناشئة على أن تكون تغطياتهم الإعلامية حساسة جندريًا، والعمل مع وسائل الإعلام على تفكيك علاقات السلطة المخفية، والظالمة في المجتمع، ولا سيما المتعلقة بالنساء، وتوجيه الموضوعات المتعلقة بالنساء، لكل من الرجال والنساء، وتصوير النساء على أنهن مستقلات، ويمتلكن القوة الخاصة بهن، والتعامل معهن على هذا الأساس.
– كما يجب على المؤسسات المانحة تقديم مساعدة فنية ومالية، تساعد الوسائل الإعلامية الناشئة على فهم المساواة الجندرية، ثم الترويج لها في عملها.
وترى الباحثة أن هناك تحسّنًا في الدور الإعلامي للمرأة بعد الثورة، وأشارت إلى وجود رغبة لتغيير الصورة النمطية للمرأة في الإعلام، فقالت: “لا تزال التجربة مستمرة بالنسبة للمرأة في الإعلام، ولم تنته الثورة بعد، ولكن، هناك تطوّر كمي ونوعي، حيث ازداد عدد النساء في الإعلام، فهناك الصحافيات والمراسلات، كما ازداد المحتوى بعدد المواد الصحفية المتعلقة بالنساء، من حيث البرامج الإذاعية والأصوات النسائية التي تعبر عن رأيها في قضايا معينة، أو حتى من خلال المقابلات الموجودة في الإعلام المطبوع”.
وأضافت: “هناك رغبة كبيرة لدى وسائل الإعلام السورية الناشئة، والعاملين فيها، من الجنسين، بتغيير الصورة النمطية، ليس للمرأة السورية فحسب، وإنما -أيضًا- للإنسان السوري الذي يصوَّر من زاوية أنه نازح ولاجئ ومقهور، وحسب”.
لعب سياق الصراع في سورية دورًا أساسيًا في إعاقة ظهور نهج بنّاء، في ما يخص المساواة الجندرية، وهذا العامل الناتج عن الوضع الحالي هو -بالطبع- خارج قدرة وسائل الإعلام على الحكم. كما أن تسليح الثورة أعاد الصورة النمطية للمرأة، بشكل أو بآخر، كعاملة في الإغاثة، وضعيفة وحزينة ولاجئة، ومتضررة من الحرب، أمًّا أو أرملة، وهذا تراجع في الصورة التي تعبر عن حقيقة المرأة السورية.
ويُشار إلى أن “شبكة الصحافيات السوريات” مؤسسة غير ربحية، مُرخّصة في هولندا منذ العام 2013، ولها فريق يغطي عملها في بلدان عدة، منها الأردن، ولبنان، ودول أوروبية، وتعمل على بناء جسور بين الإعلام والحراك النسوي السوري، عن طريق تعزيز وتمكين النساء الصحافيات من الوصول إلى شغل الأدوار القيادية في مؤسساتهن، إلى جانب تفعيل دور الإعلام في ما يتعلق برفع الوعي المجتمعي في قضايا النساء، والمساواة بين الجنسين، وتعمل الشبكة على تحسين صورة النساء في وسائل الإعلام؛ وصولًا إلى مجتمع سوري عادل لجميع مواطنيه، من نساء ورجال، وتحقيق تغير اجتماعي إيجابي على صعيد التفكير، والسلوك في ما يتعلق بالعدالة والمساواة بين الجنسين.