كوليت بهنا/ موقع قناة الحرّة- المغالون من الموالين والمعارضين السوريين معاً، تركوا كل الأخبار الهامة والبيانات التي نشرت عن مخرجات مؤتمر “سوتشي” للحوار الوطني السوري، وتوقفوا عند مشاركة سيدةٍ سورية في المؤتمر، كانت تعمل راقصةً لفترة زمنية من حياتها ثم اعتزلت واحترفت التمثيل، وتشارك منذ سنوات وحتى اليوم بمعظم الأعمال الدرامية السورية.
كالوا لها كل النعوت المسِفّة التي تحفل بها المخيلة الذكورية ضد النساء. وبما أن إسم مؤتمر “سوتشي” الإشكالي، حين دعت إليه موسكو بدايةً في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، كان “مؤتمر الشعوب السورية” قبل أن يتغير إلى “مؤتمر الحوار الوطني السوري”، فهذا يعني أنه يحق لهذه السيدة بصفتها واحدةً من هذه “الشعوب” أن تبدي رغبتها بالمشاركة طالما أن الجهة الداعية لم تعترض على اسمها أو عملها السابق كراقصة معتزلة. كما أن مهنتها معترف بها رسمياً في نقابة الفنانين شأنها شأن زميلاتها وزملائها من الفنانين الذين رافقوا الوفد الضخم القادم من دمشق.
ليس الهدف هو الدفاع عن هذه السيدة تحديداً التي لا يضيف حضورها من عدمه نجاحاً أو فشلاً لـ”سوتشي”، إذ ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تهان فيها النساء لأنهن نساء. ولا يبدو أن هذه المشكلة الذكورية تخصّ السوريين أو العرب فحسب، بل تبدو كآفة تكاد تكون عالميةً عابرة للقارات. إذ يصر العقل الذكوري على التعامل مع المرأة بدونية وتحقير، وبخاصة النساء اللاتي في واجهة الأحداث أو تحت الأضواء، أو يتبوأن مناصب، أو يجلسن في مراكز صنع القرار.
حتى العاديات الوديعات اللاتي لا يغادرن منازلهن لا يسلمن من هذه الأذية، حيث لا يناقش أحد من المهاجمين لإمرأةٍ إن أصابت أو أخطأت في قرار أو عمل ما، أو ينتقد ويظهر الدلائل على خطأها أو صوابها. دوماً وأبداً، يتم تناول سلوكها العملي عبر التعرّض لعرضها وشرفها بأقظع الألفاظ، وهي “ساقطة” أخلاقياً بسبب جنسها لا أكثر.
ومن نافل القول إن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت مساهمةً كبيرة في الكشف عن هذه العقلية الذكورية بما تجود به قرائحهم دون رادعٍ أو ضمير في تشويه سمعة نساء اعتباطياً، أو تدمير حياتهن وتسفيههن بأبشع الألفاظ. إن أصدرت إمرأةٌ كتاباً جريئاً اعتُبرت “متفلتة”، وإن عبّرت إحداهن عن رأي أو معتقد يخالف الجموع اعتبرت “سخيفة”. ومن المخزي حقاً أن بعض المثقفين والمتعلمين لا يختلفون في هذا الأمر عن الرعاع، لا بل يفوقونهم في بعض الأحيان.
وكمثالٍ صارخ من المشهد السوري، الضرر المعنوي الذي وجّه للنساء المشاركات في المجلس الاستشاري النسائي الملحق بفريق عمل المبعوث الأممي إلى سورية “دي ميستورا” عام 2016، إيماناً منه شخصياً بدور المرأة في صنع السلام وبخاصة الدور الكبير الذي لعبته المرأة السورية في هذا النزاع. إذ عنون حينها، كاتب معارض مقاله عنهن بـ”نساء دي ميستورا” في غمزٍ لفظي على أنهن “حريم دي ميستورا”، سرعان ما انتشر هذا العنوان ليصير بمثابة شتيمة مستمرة لهؤلاء النسوة رغم وجود مناضلات بينهن منذ أكثر من أربعين عاما، من دون أن يفتخر أحدهم بنساء بلده السوريات اللاتي سُجل أنهن أول نساء يصلن إلى طاولة المفاوضات بين كل النزاعات العالمية.
كل ما أحاط بـ”سوتشي” أو تمخض عنه وعن غيره من المؤتمرات، يكشف مجدداً عن الهوة الساحقة بين السوريين ويؤكد أنهم يحتاجون إلى سنواتٍ طويلة لتعلم لغة الحوار وأصوله. والديمقراطية التي ينشدونها، تحتاج إلى عملٍ شاق لتثبيتها كمفهوم راسخ في البنى الفكرية للمجتمع قبل تطبيقها على أرض الواقع، ولن تكون سهلة المنال إن لم تبدأ بقبول الآخر واحترامه، وإن الديمقراطية لا تفصّل دوماً حسب المشيئة، فكما هي تأتي أحياناً بالورد والريحان، قد تأتي أحياناً بـ”الزفت والصخام”.