رفع التحفّظ عن السيداو..تعديل للقوانين التمييزية
التزامات الدول الأطراف في اتفاقية السيداو

إيمان أحمد ونوس/ جريدة النور- منذ أن صادقت سورية على اتفاقية مناهضة العنف والتمييز ضدّ المرأة (سيداو) وانضمّت إليها في عام 2002 ارتفعت أصوات الحركة النسوية وعموم النشطاء والمُدافعين عن قضايا المرأة وحقوقها ، ونظمت عدّة حملات صحفية ومدنية حينذاك بقيت مُستمرة حتى اليوم، من أجل رفع تلك التحفّظات التي أفرغت الاتفاقية من مضمونها وهدفها الأساسي الرامي إلى مساواة المرأة مع الرجل في مختلف الميادين وكل الواجبات والحقوق التي حجبتها وتحجبها عنها الأعراف الاجتماعية المُدجّجة بتمييز قانوني وتشريعي واضح وصارخ في العديد من البلدان، لاسيما الإسلامية منها والعربية(قوانين الأحوال الشخصية أنموذجاً).

لكن للأسف، مجمل هذه الحملات والأصوات لم تِلقَ صدىً إيجابياً من الحكومة حتى عام ،2011 وبعد أن قامت رابطة النساء السوريات بحملة استمرت ما بين عامي 2003- 2010 من أجل تعديل المادة 3 من قانون الجنسية بما يسمح للمرأة السورية المتزوجة من غير سوري منح جنسيتها لأبنائها أسوة بالرجل. فكان أن أصدرت رئاسة الوزراء بتاريخ 11/7/2011 قراراً بتشكيل لجنة مهمتها دراسة تعديل المادة المذكورة، وقامت بتكليف الاتحاد العام النسائي السوري بتقديم المشروع إلى مجلس الشعب لمناقشته. غير أن الصدمة كانت كبيرة ومخيّبة للآمال عندما رفض مجلس الشعب مناقشة هذا المشروع. إلى أن قامت وزارة العدل في شباط من عام 2013 بتشكيل لجنة قضائية مهمتها دراسة تعديل بعض المواد التمييزية في القوانين السورية، وقد أنهت هذه اللجنة عملها في شباط من عام 2014 وصرّحت القاضية آمنة الشمّاط رئيسة اللجنة حينذاك قائلةً:

(لا نطالب بتمييز إيجابي بل بالمساواة، وبقانون أحوال شخصية مدني (اختياري) في المستقبل ريثما نصل إلى مرحلة متقدمة بالتوازي مع مرحلة إعادة الإعمار، حيث يتمّ العمل على حماية المرأة والفتيات من العنف الجنسي، وإدارة مكافحة الاتجار بالأشخاص، ووضع إستراتيجية وطنية لتحصين المرأة من العنف، وقد أنشئ مأويان لحماية المعنفات).

ويستمر أسفنا على ما يبدو، إذ إن هذه اللجنة مع مقترحاتها باتت من المنسيات، إلى أن قامت مؤخّراً الهيئة السورية لشؤون الأسرة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بتاريخ 15/10/2016 بعقد ورشة عمل لمناقشة اتفاقية السيداو والتحفّظات السورية عليها، بهدف الوصول إلى بنود جديدة تُساهم في دعم المرأة وحفظ حقوقها وضمان مساواتها مع الجنس الآخر، خاصّةً في حالات الصراع وما بعده. وجاءت التحفّظات على المواد(2- 9/2- 15/4- 16- 29/1)

طبعاً، باستثناء المادة 29 التي لها علاقة بالتحكيم بين الدول، فجميع هذه المواد مُتعلّقة بحقوق المرأة والطفل، فيما يتصل بالجنسية والأحوال الشخصية وحريّة التنقّل. وأرى أن الهيئة السورية لشؤون الأسرة كانت انتقائية باختيارها فقط للمادتين (2- 15/4) ذلك أن المادة 2 التي ضمّت خمس فقرات(أ، ب،ج، د، هـ، و، ز) نصّت جميعها على إلغاء كل تمييز دستوري أو قانوني أو تشريعي قد يُكرّس ممارسة تمييزية ما ضد المرأة. بالتأكيد، فإن رغبة الهيئة برفع التحفّظ على هذه المادة، جاء لأنها تتناسب تماماً والدستور السوري الذي ساوى بين الجنسين في المجالات كافة، بدليل المادة 33 التي تنص:

(المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة) ونستثني هنا المادة الخاصة بالشروط الواجب توافرها في المرشّح لمنصب رئيس الجمهورية في دستور العام 2012 إذ جاء في المادة 84/4 (أن لا يكون متزوجاً من غير سورية) حيث حدّد الجنس. في حين أن الدستور ذاته قد خصّ المرأة بمادة أساسية 23/4 اعترافاً بأهمية دورها في حياة البلاد والمجتمع، نصّت على: (توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تُتيح لها المساهمة الفعّالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع).

أمّا المادة 15/4 المتعلّقة بحرية التنقّل والسفر والإقامة كما يلي: تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة الحقوق نفسها فيما يتعلّق بالتّشريع المتّصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محلّ سكناهم وإقامتهم.

فقد جرى التحفّظ عليها حينذاك، لأنها تتعارض مع المادة70 من قانون الأحوال الشخصية، التي تُجبر الزوجة على السفر مع زوجها إلاّ إذا اشْتُرط في العقد غير ذلك، أو وجد القاضي مانعاً من السفر.. إضافة إلى تعارضها مع الأعراف الاجتماعية التي ترى المرأة ظلاً وتابعاً للرجل في كل حالات صلتها به. أمّا اليوم، وفي ظلّ ما جرى ويجري منذ ما يُقارب السنوات الست، إذ لدينا واقع مأساوي فرض نفسه بحدّة على المجتمع السوري عامة، والمرأة بشكل خاص، باعتبارها الحاضن والمُعيل الأساسي للأسرة والأبناء في ظل غياب الرجل لأسباب معروفة للجميع، وهذا الواقع المرير هو الذي خرج بالمرأة من قيود قانون الأحوال الشخصية في كثير من المسائل، لاسيما تلك المتعلّقة بالتنقّل والسفر ومكان الإقامة، وبالتالي صار لزاماً على المعنيين بالأمر أن يجدوا مخرجاً قانونياً لتلك الحالات، فتصدّت الهيئة السورية لشؤون الأسرة لتلك المهمة، بإعداد مقترح لخطة عمل وطنية تستند إلى القرار1325 الصادر عن الأمم المتحدة في عام 2000 الذي يدعو إلى حماية المرأة في الأزمات والحروب، ودعم مشاركتها في عملية حفظ الأمن والسلام (سنتناوله في مقال لاحق)، مثلما تستند إلى محاولة رفع بعض التحفّظات عن اتفاقية السيداو بما يتماشى والواقع الراهن اليوم.

بالمقابل، لا يُمكننا الصمت عمّا حيّدته أو أقصته الهيئة من اقتراحاتها هذه، وذلك برفع التّحفّظات عن باقي المواد 9/2- 16باعتبارهما الأهمّ على الإطلاق، فهما على تماس يومي مُباشر بحياة الناس جميعاً، لاسيما في ظل الوضع القائم الذي خلخل قيماً ومفاهيم، بل والعديد من ثوابت الأسرة والمجتمع، وبالتالي أصبح رفع التحفّظات عن المواد كافة ضرورة يقتضيها الواقع الجديد سواء الآن، أو فيما بعد. فالمادة 9/2 المُتعلّقة بقانون الجنسية والتي تنص فيها الفقرة2 على:(تمنح الدول الأطراف المرأة حقاً مُساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما)، وكان قد جرى التحفّظ على هذه الفقرة لأنها تتعارض مع المادة/3- فقرة أ /من قانون الجنسية السوري القائم على حق الدم والإقليم فيما يتعلّق بمنح الجنسية، الذي حصره القانون عندنا بدم الرجل السوري فقط، إذ يُعدُّ وفق القانون عربياً سورياً حُكماً كل من ولد لأب عربي سوري.

حملة رابطة النساء السوريات حينذاك، إضافة إلى المشروع الذي رفض مجلس الشعب مناقشته كانا قد ركّزا على تعديل هذه الفقرة لتُصبح: يُعدُّ عربياً سورياً حكماً من ولد لأب عربي سوري أو والدة عربية سورية. آخذين بعين الاعتبار الآلام والمشاكل العديدة، بل والمآسي التي تتعرّض لها آلاف السوريات مع أبنائهن على صعيد الإقامة والدراسة والعمل والزواج والإرث والتمليك.. ووو الخ بحكم التمييز الجائر في هذه المادة.

أمّا المادة16 من السيداو التي تتعلق كل بنودها بقضايا الزواج والأسرة، فقد جرى التحفّظ عليها لأنها تتناقض مع قانون الأحوال الشخصية السوري الذي ما زلنا نسعى جاهدين لتغييره بما ينسجم مع وضع المرأة السورية الراهن كعاملة خارج البيت، وكذلك مع وضع الأسرة التي طرأت عليها تبدّلات وتغيّرات تفترض وجود قانون خاص بها يحمي حقوق جميع أفرادها وبضمنهم الرجل الذي لم يعد بمفرده قادراً على القيام بجميع الواجبات والمسؤوليات التي كان يحملها سابقاً.

بالتأكيد، نحن لا نُقلل من قيمة ما تبذله الهيئة من جهود في محاولة منها للارتقاء بالأسرة السورية إلى مستويات إيجابية، خاصة اليوم، ولا نُقلل من قيمة هذه الورشة بكل ما حملته وطرحته واقترحته، بل بالعكس يمكننا أن نعتبرها بداية خطوة رسمية(حكومية) في محاولة فكّ أسر اتفاقية السيداو من تحفّظات أفرغتها من معناها، وأبعدتها عن أهدافها الهامّة، بعدما أُوصِدَت كل الأبواب، وصُمَّت كل الآذان عن مطالب الحركة النسوية بناشطيها ومنظماتها المدنية السورية منذ أن جرت المُصادقة على الاتفاقية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يُمكننا التفاؤل من خلال هذه الخطوة بإحياء النتائج والمقترحات التي رفعتها اللجنة القضائية في وزارة العدل التي كُلفت بدراسة تعديل المواد التمييزية في القوانين السورية، على اعتبار أن رفع التحفّظات سيقود بالضرورة إلى تعديل القوانين التمييزية كافة. لذا، علينا جميعاً كمنظمات مجتمع مدني وحركة نسوية وجهات شعبية وحكومية معنية أن نستمر دوماً ونُجدد مطالبتنا بإلغاء كل التحفظات على اتفاقية السيداو، لأنها مطالب مشروعة ضدّ القوانين والتشريعات التي تحمل تمييزاً عُنفيّاً ضدّ المرأة، وأيضاً لإزالة مختلف التناقضات الموجودة ما بين الدستور السوري والاتفاقيات الدولية من جهة، وهذه القوانين النافذة المعمول بها من جهة أخرى.

التزامات الدول الأطراف في اتفاقية السيداو

التزامات الدول الأطراف في اتفاقية السيداو

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015