سيريا ستيبس- معاناة منتشرة في بعض الأرياف السورية، وقد تكثر في منطقة أكثر من سواها، وهي زواج الأخ من أرملة أخيه. هذا النوع من الزواج يحدث بالفعل عند بعض الأسر، إذ يصر والد المتوفى على أن يضع أولاد ابنه تحت مظلة العائلة، ويبقيهم في دائرة تلاحمها وتجانسها، فيجبر أحد أولاده بالزواج من زوجة أخيه حتى لو كان متزوجاً، غير مبالين إن كان لهذا الزواج سلوك صحي تتوافر فيه الأبعاد الإنسانية والعاطفية والأسرية، أم أن له تداعياته النفسية على الرجل والمرأة والأطفال، وله متاعبه ومشكلاته المستقبلية التي قد تلقي بإحباطاتها وأوجاعها عليهم؟.. فهل هذا الزواج في أغلب الأحيان يكون ناجحاً وسعيداً، وتتوفر له كل مقومات البيت الأسري المبتهج الذي يعيش أفراده بشكل سوي ومتناغم وودي، أم أن هناك أطرافاً يتضررون، ويقلقون، وتسوء أحوالهم النفسية والحياتية مثل زوجة الشقيق وأولاده إذا كان متزوجاً من قبل، وكيف ينظر من عاش التجربة إلى هذا الزواج، وكيف يقيّمون أسباب فشله أو نجاحه، وهل هو في الأساس قرار سليم، أم خطأ يُرتكب بحجة المحافظة على وحدة الأسرة وتجانسها؟.
ليلى والذئب
بعد وفاة شقيقة سلمى قرر والدها أن تتزوج من صهرها زوج اختها المتوفية حتى لا تربي أطفال المتوفاة زوجة أب غريبة على العائلة، تقول “سلمى”: توفيت شقيقتي الكبرى، وتركت أربعة أطفال، أصغرهم طفل لم يتجاوز عامه الثاني، وفي اليوم الثالث لوفاتها، أي نهاية العزاء “تنطّح” والدي أمام جموع المعزين، وقال لزوج أختي: “أبشر بالعوض، وليس هناك أفضل من خالة الأطفال لتربيتهم بعد وفاة أختها”، وبطبيعة الحال فزوج أختي المتوفاة تسيطر عليه مشاعر الحزن والأسى لفراق زوجته والتفكير في مصير أطفاله بعدها، وما إن تقدّم والدي بذلك العرض حتى قوبل بالاستجابة من قبل زوج أختي المتوفاة وزوجي حالياً، وبكلمات خالطتها الدموع، تقول: “هذه العادة مترسخة في مجتمعنا، ولم أكن الأولى، ولا الأخيرة”، وقع عليّ عرض والدي كالفاجعة، حيث فاجأني بعد ثلاثة أيام من وفاة أختي بهذا القرار، ومن هول الصدمة أحسست بعقدة في لساني، ولم أتمكن من الرفض أو القبول، واكتفيت بالصمت الذي سيطر على مشاعري قبل حواسي، وأعتبر صمتي هذا من نوع الموافقة، وفي كل الأحوال لا أستطيع الرفض، وكسر وعد والدي أمام أهل القرية.
وبحسرة شديدة تقول: “لم أفق من هول الصدمة إلّا في ليلة زفافي إلى زوج أختي، وكان ذلك في وقت سريع جداً، أي بعد أربعة أشهر من وفاتها، وبالفعل انتقلت إلى بيت زوجي، أي زوج أختي سابقاً في البيت ذاته، وعلى الأثاث ذاته، وعند دخولي إلى المنزل لم أتمالك نفسي، فانفجرت بالبكاء فور وقوع نظري على طقم، قد أهديته لها بعيد زفافها.
فصول الحكاية
وتسترسل سلمى، مرت عليّ أيام عصيبة، لا أستطيع فعل أي شيء في المنزل سوى رعاية أطفال أختي، وبدأت بإقناع نفسي بأنني لن أكون الزوجة التي تأخذ مكان أختها، ولكنني اقتنعت في مجيئي لهذا المكان لهدف، وهو تربية أطفال أختي، وشقيقتي التي كانت بمثابة التوءم لي، فأكون كالزوجة المكلفة في الاسم فقط، وتتابع: مع مرور الأشهر والسنين أدرك زوجي ووالدي الحالة النفسية التي أعيشها، وطلب مني تغيير المنزل، فوافقت، ومع مرور الزمن، واختلاف المكان أثر على نفسيتي، وبدأ يقنعني بأن هذا الأمر فُرض عليهما، ولا بد من تقبله حتى تستمر الحياة، وهي فعلاً استمرت، ولكن بطعم الموت.
قبول على مضض!!
بينما يصف وضاح فصول حكايته المرة، قائلاً: عندما رحل أخي ترك خلفه زوجة وطفلين، ورغم أنني أصغر منه بعامين، ولي زوجة وطفلان، وجدت نفسي أمام نارين، لم يترك لي الوالد حرية فيهما، إما ترك زوجة أخي تذهب للعيش مع أهلها، فيتعرض أولاده لمشاكل وإذلال لا حد لهما، وإما الاقتران بزوجة أخي، وهكذا حدث الأمر على مضض، ولا أريد أن أصف لكم حال زوجتي الأولى، بل ونفسيتي أنا التي جعلتني حتى الآن لم أقترب من المرأة التي أصبحت زوجتي أمام الله ثم الناس، فهي كانت بمثابة أختي، والظرف جعلها زوجتي، وأترك الأمر للأيام.
زاوية مضيئة
هنا ينطبق المثل القائل: “الآباء يأكلون الحصرم، والأبناء يضرسون”، فالآباء يرون هذا النوع من الزواج السترة من الزاوية المشرقة، فهي تحافظ على الأسرة من الضياع، وتحمي الأطفال من التشرد والضياع، وتبعدهم عن تربية الغرباء التي لا ترحم، وفق تعبير أبي كريم الديري، غير أن أبا طارق يرى أن بعض الأهل قد يظن أن تزويج الأخ بزوجة أخيه حل جيد ومناسب لربط شمل الأسرة، إلا أنهم لا يدركون الضرر النفسي الذي قد يصيب هذه الأسرة جراء ذلك، خاصة إذا كانت زوجة الأخ كبيرة في السن، أو بوجود عدد من الأطفال، فالأخ في هذه الحالة قد ينتقم من قرار أهله بمضايقة زوجته وأطفالها من زوجها السابق، والذين يتحوّلون إلى ضحية لأفكار وظواهر اجتماعية لا تراعي الجوانب النفسية، والاجتماعية، والآثار المترتبة لاحقاً على هكذا ظاهرة، والتي تعتبر مشكلة أكثر من كونها حلاً!.
طلاق عاطفي
يتفهم الدكتور مأمون أفليس، “كلية التربية”، البعد الاجتماعي في هذه الزيجات، ولكنه يشترط موافقة الطرفين قائلاً: “رغم تفهم البعد التكافلي في الموضوع، فإن مثل تلك الزيجات تربك العقل البشري، وتضع المرأة والرجل في ضغوطات نفسية لا حصر لها، وقد تحد من الاستقرار النفسي أو العاطفي لكلا الزوجين، وتؤدي إلى عدم الانسجام فيما بينهما، سواء على الصعيد النفسي، أو العاطفي، وهنا قد يقع نوع من الطلاق الخطير بين الزوجين، وهو الطلاق العاطفي الذي قد يفرز حالات نفسية خطيرة أهمها الاكتئاب”!.
ويضيف بأن “من الأمور التي يجب أن يراعيها أولياء الأمور الصحة النفسية للفتاة أو الشاب، فلابد من موافقة الطرفين، لأن أخذ رأيهما خاصة في هذا النوع من الزواج دونما ضغوطات يجنبهما الوقوع في الصراع النفسي، وضغط التفكير، والهواجس المخيفة، ومنها شعور بأنها سلبت حقاً من حقوق أختها المتوفاة، وقد يمتد هذا الهاجس إلى الاعتقاد بأنها لوثت العلاقة الحميمة التي تربطها بأختها قبل وفاتها”!.
امتداد المصاهرة
غير أن الدكتورة سميرة القاضي، “كلية التربية”، لا تقبل مثل هكذا حلول، وتقول: “من المؤسف أن تلجأ بعض الأسر لمثل تلك الزيجات التي قد تسلب الفتاة والرجل حقهما في الاختيار، حيث يفرض بعض أولياء الأمور رأيهم على الفتاة للقبول بزوج الأخت المتوفاة، أو إجبار الرجل على الزواج بزوجة شقيقه المتوفى، وقد يكون هذا من قبيل امتداد المصاهرة لشخص له قيمته المجتمعية، أو من منطلق الرحمة والشفقة على أطفال الأخ أو الأخت”، وتضيف بأن المبررات لا تشفع في ارتباط الفتاة بزوج أختها، أو ارتباط الشاب بزوجة شقيقه المتوفى، ليكون الشاب أو الشابة عوضاً عن المتوفى أو المتوفاة في تربية الأطفال، مشيرة إلى أن مثل تلك الزيجات تهدد أسرة بكاملها، مؤكدة على ضرورة دراسة الأمر من جميع الجوانب، سواء النفسية، أو الاجتماعية، أو الأسرية قبل الشروع به، وترى القاضي أن مثل تلك الزيجات قد تكون مقبولة في السابق عند بعض الأسر من منطلق الشيمة والرحمة ولم الشمل، وغالباً ما تكون في المجتمعات البدوية والريفية القبلية، ولكن الآن تراجعت بحكم انتشار الوعي الثقافي حتى في تلك المناطق.
حل بطعم الكارثة
الزواج بزوجة الأخ ظاهرة صنعها المجتمع في محاولة لتخفيف مشاكله ولم الشمل، إلا أن لهذه الظاهرة أبعاداً متشابكة يجب مراعاتها من قبل الأهل حتى لا يتحوّل هذا الحل إلى مشكلة كبيرة يصعب حلها والسيطرة عليها، ومن هذه الأبعاد تقارب الأطراف عمرياً ونفسياً، ونسبة قبول كل الأطراف لهذا الحل، وتقدير نسبة النجاح الآن ومستقبلاً، وإذا ما راعى أفراد المجتمع هذه الأبعاد، قد تصبح الظاهرة حلاً متميزاً لبعض الحالات، ولكن لا يمكن تعميمها، أما عدم مراعاتها فقد يحوّل الظاهرة إلى أزمة كبيرة، وقد ترفد المجتمع بمشاكل أكبر من أن يستطيع المجتمع نفسه إيجاد حلول لها، لذا على المرجعيات الاجتماعية النظر إلى هكذا زيجات من زوايا متعددة، بحيث لا يكون هناك ضحايا على حساب رغبة عند طرف في الأسرة يريد أن يجعل منها قانوناً أسرياً، أو عرفاً اجتماعياً بحجة لم الشمل!.