دمشق/ العرب اليوم- غزت ظاهرةٌ جديدة بعض المدن السورية، وهي زواج بعض النساء السوريات بأجنبي، بعد قدومه إلى البلاد من أجل القتال ضد قوات النظام، في الوقت الذي يمثّل فيه هذا الأمر عائقًا كبيرًا لها ولأبنائها؛ بسبب القوانين الموجودة.
وسلطت مؤخراً صحيفة “الغارديان” البريطانية الضوء على هذه الظاهرة، والتقت بعض النساء اللاتي خضن هذه التجربة، في تقريرٍ لها تمّ نشره يوم الأربعاء 21 مارس/آذار 2018.
وقالت سيدةٌ للصحيفة البريطانية “تزوّجتُ مقاتلًا أجنبيًا من جزر المالديف في عام 2016، وقُتل في الاشتباكات ضد قوات النظام في العام نفسه، أصبحتُ حاملًا من هذا الرجل، وأنجبتُ بعد 3 أشهر من وفاته”.
وكان شعور هذه المرأة، التي تبلغ من العمر 30 عاماً، وهي من مدينة معرة النعمان في محافظة إدلب السورية، بعدم الأمان هو الذي دفعها إلى الزواج، وقالت “قُتل والديّ في غارةٍ جويّة من قِبل النظام. ونتيجةً لذلك، استمررت في الانتقال بين منازل إخوتي الخمسة المتزوجين، ولكنَّ معظم الوقت الذي قضيته كان في منزل أخي الأكبر. لم أكن أشعر بالراحة؛ بسبب عدم الاستقرار، وكنتُ أشعر بأنَّني امرأةٌ عالة. فقررتُ أن أتزوج”، وفقاً إلى تقرير الصحيفة البريطانية.
وتُعدّ مثل هذه القصص شائعةً في أجزاءٍ من سوريا؛ ولكنّ حملةً شعبية تُسمى “مَن هو زوجك؟”، تهدف إلى ردع النساء السوريات عن إقامة علاقاتٍ مع المقاتلين الأجانب، ومحاولة تثقيف العامّة من خلال الملصقات والكتابة على الجدران حول التحديات التي تواجهها هؤلاء النساء وأطفالهن.
واستُقطِبَ مقاتلون أجانب إلى سوريا منذ بداية النزاع، على أمل الانضمام إلى الجماعات الجهادية التي أصبحت بارزةً هناك، وبعضها مُنتسبٌ إلى تنظيم القاعدة وتنظيم “داعش”، وفقًا للصحيفة البريطانية.
أعباءٌ يعانينها
وتتحمّل النساء اللاتي يتزوّجن هؤلاء المقاتلين العديد من الأعباء؛ إذ لا تستطيع السوريّة نقل جنسيتها إلى زوجها، في حين أنَّ المرأة الأجنبية يمكن أن تصبح مواطنةً سوريّة إذا تزوجت رجلًا سوريّاً، وفقًا لصحيفة “الغارديان”.
وتنتقل الجنسية السوريّة إلى الأبناء من خلال الأب، فحتى لو كان الطفل مولوداً لأمٍ سوريّة وأبٍ أجنبي ولم يعش في أيّ مكانٍ آخر غير سوريا، فلا يحقّ له التمتّع بالحقوق والامتيازات التي تُمنح للمواطنين السوريين، وكانت هناك جهودٌ لتغيير هذا القانون، ولكنَّها في الوقت الحالي لا تزال كما هي.
وهناك أيضًا وصمة العار المرتبطة بزوجات وأرامل الجهاديين غير السوريين؛ إذ يقول عاصم زيدان، مؤسّس حملة “مَن هو زوجك؟”، للصحيفة البريطانية: “هؤلاء المقاتلون الأجانب الذين يُقتلون، أو يختفون، أو يهربون، يتركون وراءهم أطفالهم وزوجاتهم، وهذا يؤثّر عليهن بشدّة. وتتأثر حياتهم الاجتماعية”.
وتدعم المرأة من مدينة معرة النعمان -التي طلبت عدم ذكر اسمها؛ خوفًا على سلامتها من العقاب الاجتماعي- هذا الادّعاء؛ إذ تقول “اعتادت الفتيات قول: كيف قَبلتِ أن تتزوجي من هذا الشخص؟ كنتِ ستجدين شخصاً أفضل منه وأكثر جمالاً”.
وتابعت “كان أقاربي أيضاً ضدّ هذا الزواج؛ لأنَّه -في رأيهم- كان شخصاً غريباً وليس لديهم أيّ فكرةٍ عن ماضيه، والأهمّ من ذلك أنَّه كان عضواً في هيئة تحرير الشام”.
ويضم ائتلاف هيئة تحرير الشام، عدّة تنظيماتٍ، من بينها “جبهة النصرة”، التي كانت في السابق مرتبطةً بتنظيم القاعدة، وفق الصحيفة البريطانية.
لماذا تتزوج السوريات بالمقاتلين الأجانب؟
ذكرت صحيفة “الغارديان”، أسباب الزواج بالمقاتلين الأجانب، حيث أكّدت أنها مختلفة ومتنوّعة؛ بعض النساء يَشعرنَ بأنَّه ليس لديهنّ خياراتٌ أخرى، وهناك أخرياتٌ مُتحمّسات للزواج بشخصٍ يرونه شجاعاً وبطلاً.
وتحاول حملة “مَن هو زوجك؟” مساعدة النساء السوريّات في إدلب ومنطقة حلب في سوريا على فهم المخاطر. ويقول زيدان للصحيفة البريطانية إنَّه منذ بدء الحملة في ديسمبر/ كانون الأول 2017، سجَّل فريقهم، المكوَّن من 150 متطوعاً، 1735 امرأةً في إدلب وغرب حلب متزوجاتٍ بمُقاتلين أجانب، وكان لدى 1124 امرأةً من هؤلاء النساء من أزواجهنّ الأجانب 1826 طفلاً.
وأضاف أحد المتطوعين – طلب عدم الكشف عن اسمه؛ بسبب الخوف من عقاب هيئة تحرير الشام- قائلاً “إنَّ الفريق يأمل وقف هذه الظاهرة، ولكنَّهم واجهوا تهديداتٍ من المجموعة”، وأضاف المتطوع “حاولت هيئة تحرير الشام تتبُّع فريق العمل؛ لمعرفة هويته الحقيقية، وقام بعض المقاتلين الأجانب بإزالة الملصقات ثم مزّقوها في مدينة أريحا.”
هدفٌ آخر للحملة
وتهدف الحملة أيضاً إلى مساعدة الأطفال الذين يُولدون من هذه الزيجات، في الحصول على اعتراف المجالس المحلية. ففي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، تُشكّل هذه المجالس الوسيلة الوحيدة التي يمكن للأطفال من خلالها الحصول على وثائق رسمية لتلقي اللقاحات والتسجيل في المدرسة.
ويقول عبد الرحيم حمادي، وهو رئيس المجلس المحلي بقرية كفرومة في إدلب، إلى الصحيفة البريطانية “إنَّه في حين يشجّع معظم الناس في مدينته أقاربهم من النساء على الزواج بالمقاتلين الأجانب، فإنَّ مخاوفهم على الأغلب تتعلّق بالمستقبل القريب، مثل خطر وفاة الزوج في أثناء القتال.” ويضيف عبد الرحيم: “نصائحهم لا تتعلّق بالمستقبل، مثل حقوق الأطفال وجنسياتهم”.
وتقول فاطمة الأبرش التي تعمل في مركز “مزايا”، وهو مركزٌ للنساء يدير أيضاً برامج للأطفال، “إنَّ هناك عواقب أخرى أيضاً.”
وتوضح فاطمة “العديد من المقاتلين الأجانب لا يسمحون لأطفالهم بالاندماج مع الأطفال الآخرين في المجتمع، حتى إنَّهم يمنعونهم من الذهاب إلى المدارس العامة؛ لأنَّهم يعتبرون أنَّ هذه المدارس علمانية. لذلك، يُرسلون أطفالهم إلى المؤسسات الإسلامية التي أسّستها هيئة تحرير الشام، بدلاً من ذلك. وهذا الأمر يخلق صدعاً اجتماعياً ضخماً لدى الأطفال”، بحسب الصحيفة البريطانية.
ويقول زيدان إنَّ امرأتين على الأقل، رفضتا حتى الآن الزواج بمقاتلين أجانب، وأضاف “واجبنا حلّ هذه المشكلة. وعلينا تحمُّل المسؤولية”.