مع غياب دور الرجل نتيجة حرب كشرت عن أنيابها بمرور سنواتها الطوال، يغدو فيها الصمت واجباً وتوتر العلاقات الاجتماعية وجعاً، لتتبدل الأدوار في الحياة ويعلو القلق مؤزماً العلاقة الزوجية لدى العديد من الأسر السورية.
سبوتنيك- “أم أحمد” السيدة الأربعينية من ريف دمشق تروي لنا متأثرة بأوجاعها الأسرية، قائلةً “لم أستطع التوفيق بين عملي في المدرسة لساعات طويلة واهتمامي بصحة طفلتي المعاقة، التي فقدت ساقها اليسرى نتيجة سقوط قذائف الإرهاب على مدرستها التي كانت تدرس فيها بحي القابون الذي كنا نسكن فيه…ما أجبر زوجي على التواجد المستمر في البيت…وهذا ما زاد من التوتر بيننا”.
لم تقتصر الحرب المشتعلة في سوريا على الهدم والنهب والقتل، بل خلفت دماراً نفسياً وألماً عميقاً في نفوس السكان وأثرت اجتماعياً واقتصادياً على مختلف مراحل حياتهم اليومية.
ففي الآونة الأخيرة، تزايدت نسبة النساء العاملات تماشياً مع الوضع الاقتصادي المتردي، قبل الحرب كان عمل المرأة الأول مقتصرا على رعايتها لأولادها وشؤون بيتها وخصوصاً في مجتمعنا الشرقي الذي يرفض عمل المرأة خارج البيت، وخروجها من البيت تكون لضرورة متزايدة أو في ظل غياب الزوج.
أما اليوم فقد أصبحت أوليات الحياة تفرض وضعاً معيشياَ قاسياً، خاصة وأن سياسة التشريد والتهجير المتبعتين على الأرض السورية نتيجة أعمال الإرهاب، دفعت الأسر نحو العجز، “أم أحمد” ليست الوحيدة التي غيرت الحرب ظروفها، فمثيلها “أم فؤاد” السيدة الثلاثينية التي هربت من الغوطة الشرقية مع زوجها وأولادها الثلاثة بسبب أعمال الإرهاب الممارسة في المنطقة.
حدثتنا مع ابتسامة ترتسم على شفتها تفسر بأنها ناتجة عن إرباك تسببه فكرة العمل التي لم تكن تجرؤ على استحضارها في حالة السلم، قائلةً ” قررت العمل بأعمال تحضير الطعام المسبق للأهالي، والمطاعم مثل لف ورق العنب، وصنع الكبة والسمبوسك تلك الوجبات التي تتطلب مهارة وجهد، لتحسين الوضع الاجتماعي المرهق اقتصادياً…أترك زوجي وأطفالي ساعات طويلة…لقد تبدل الحال أسرياً حيث اضطررت للعمل بدور المعيل رغم وجوده والأم معاً”.
تعتبر النساء من ضحايا الحروب، لكنهن لسن ضحايا فحسب، إنما تكمن المشكلة في تهميش دورهن في تجارب النزوح وإعالة الأسر، ذاك ما يضعهن بأدوار غير تقليدية، وأعباء تفوق قدرتهن الفطرية.