UNHCR- كانت الجدة السورية عايدة كرمي التي يتخطى عمرها الـ 100 عام تخطط لعيش ما تبقى من حياتها في قريتها في شمال شرق سوريا. كانت تشك في أنها سترى عائلتها مجدداً بعد أن فروا من الحرب واستقروا في ألمانيا. كانت الجدة عايدة كرمي تشك في أنها سترى عائلتها مجدداً بعد أن فرت من بلادها. وها هي اليوم في اليونان وتصر على اللحاق بهم.
وصلت عايدة إلى اليونان وهي تحلم بالاجتماع بهم مجدداً. ومع تفاقم الصراع في سوريا، غادرت قريتها في محافظة الحسكة الواقعة في الشمال الشرقي للمرة الأولى وتوجهت إلى اليونان في سبتمبر بمساعدة عائلة لم تكن تعرفها. حملها الأب على ظهره لمسافات طويلة من الطريق.
ولدت عايدة في العهد العثماني وعاشت الحربين العالميتين وأخيراً شهدت على دمار قريتها. وقد غادر غالبية أقاربها- الأطفال والأحفاد وأبناؤهم- إلى تركيا أو أوروبا عام 2011، في أوائل الحرب. ولم يبقَ أحد سواها في سوريا.
أما اليوم، فتعيش عايدة في شقة في أثينا، في إطار برنامج الإسكان الخاص بالبلدية والذي يؤمن أكثر من 200 وحدة لحوالي 1,600 طالب لجوء، وهو جزء من برنامج أوسع نطاقاً تديره المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وتموله المفوضية الأوروبية التي أمنت أكثر من 20,000 مكان في شقق مؤقتة وفنادق بأسعار خاصة ولدى عائلات مضيفة. ويركز البرنامج على المرشحين للاستفادة من آلية النقل التي وضعها الاتحاد الأوروبي ويعطي الأولوية لطالبي اللجوء الضعفاء مثل المسنين والنساء الحوامل.
تعيش عايدة مع العائلة التي أحضرتها إلى أوروبا والمؤلفة من أحمد سيدو البالغ من العمر 31 عاماً وزوجته بيريفان وعمرها 27 عاماً وأطفالهما الخمسة. وُلد طفلهما الأصغر، محمود، في مستشفى في أثينا في 19 أكتوبر، وكان أحد أطفالهما قد قُتل عندما قُصف منزلهما في عام 2013.
قالت عايدة بإصرار: “أحتاج إلى رؤية عائلتي. أعاني من ألم في وركي وركبتي وبالكاد أستطيع المشي. والآن آمل أن أراهم مجدداً وأن يعتنوا بي.”
حملها أحمد على ظهره لمسافات طويلة من الطريق. وقالت: “أنا هنا بفضل هذا الرجل.” وأضافت أنهم لدى وصولهم إلى اليونان أصبحوا العائلة التي تبنتها. ويناديها أطفال عائلة سيدو “أنّي” وهي الكلمة التركية التي تعني “أمي”.
لا تذكر عايدة تماماً العام الذي وُلدت فيه. ويحمل جواز سفرها تاريخ 1 يناير 1890 على أنه تاريخ ميلادها، أي أن عمرها اليوم 126 عاماً، ما يجعلها أكبر امرأة في العالم. أضحك الخطأ عايدة وأصرت على “أن عمرها يتخطى الـ 100 ببضعة أعوام.” لم يكن في قريتها سجلات ميلاد عندما كانت طفلة، كما قالت.
لم تذهب قط إلى المدرسة أو تتعلم القراءة أو الكتابة. وهي تتكلم لغتها فقط؛ الكُرمنجي الكردية. توفي والدها عندما كانت صغيرة وتركتها أمها عندما كانت في الرابعة عشرة. وبعد ذلك بوقت قصير تزوجت ورُزقت بتسعة أطفال.
لم يكن زواجاً سعيداً كما قالت عايدة، والعقدين الأخيرين اللذين تليا وفاة زوجها كانا الأكثر سلاماً بالنسبة إليها. في الأعوام الخمسة الأخيرة، غادر جميع سكان قريتها تقريباً سوريا، بما في ذلك أفراد عائلتها. أما من تبقوا فكانوا بعض الأشخاص المسنين الضعفاء جداً للفرار. كانت عايدة تعيش وحيدة وتعتني بنفسها وتزرع البصل والطماطم والخيار والثوم في حديقتها.
تقول: “كنت أملك أشياء بسيطة ولكنها كل ما أحتاج إليه. كانت حديقتي جميلة ولكن، تدمرت سوريا بكاملها الآن.”
في وقت سابق من هذا الصيف، تواصل حفيد عايدة البالغ من العمر 22 عاماً، سمير دودو، والذي يعيش في ألمانيا، مع أحمد، وهو صديق قديم، لمساعدته في إيصال عايدة إلى بر الأمان. سافر أحمد وهو عامل في أحد المصانع، مدة ثلاث ساعات ليصل إلى قرية عايدة ويصطحبها.
ودّعت عايدة حديقتها والقرية الوحيدة التي عرفتها. وانطلقت المجموعة في رحلة استغرقت أسبوعين قطعت خلالها نقاط عبور في سوريا كما قطعت الحدود التركية المغلقة. وكلفت رحلتهم هذه 1,500 يورو لكل شخص بالغ، ونصف هذا المبلغ لكل طفل.
ووصفت بيريفان صعوبة الرحلة قائلةً: “كنت حاملاً وتعين علي أن أحمل أربعة أطفال لأن أحمد كان يحمل عايدة .”
وأجاب أحمد عندما سُئل عما ساعد العائلة على التقدم خلال الرحلة الخطيرة: “كان خوف الله. كبرت من دون أبي وأمي، فأصبحت بمثابة والدتي.”
عند وصولهم إلى تركيا، قاموا بثلاث محاولات للدخول إلى اليونان. حاولوا مرتين عبور الحدود البرية الشمالية ولكن السلطات اليونانية أعادتهم. ثم حاولوا سلوك طريق أخرى ودفعوا للمهربين لأخذهم في قارب قابل للنفخ في بحر إيجه. وقال أحمد بأن 18 شخصاً كانوا على متن القارب وكانوا خائفين من ألا يصلوا أبداً. ولكنهم نزلوا في ليسفوس في 6 سبتمبر.
أمضوا أكثر من شهر في مخيم موريا، وهو مركز مكتظ لاستقبال اللاجئين ومعالجة طلباتهم في ليسفوس. أخيراً، وصلوا إلى أثينا.
في إطار نظام دبلن الأوروبي، يمكن جمع عايدة بحفيدها في ألمانيا، وفقاً لتقدير السلطات. عملياً، قد يستغرق هذا الإجراء عدة أشهر أو أكثر من عام.
وقال حفيدها سمير الذي يقيم منذ خمسة أعوام في مدينة أولدنبورغ الواقعة في شمال ألمانيا مع أمه وشقيقاته: “هذه الفترة طويلة جداً. نريدها أن تأتي قريباً لتعيش آخر أيامها معنا.”
وقد دعت المفوضية إلى تسريع إجراءات لم شمل العائلات خصوصاً للضعفاء مثل الأطفال غير المصحوبين أو المسنين وذوي الإعاقة. وهي تدعو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى توسيع تعريفها للعائلة وإلى تعزيز التعاون لضمان لم شمل الأشخاص المؤهلين لذلك.
بالنسبة إلى عايدة فإن اجتماعها بعائلتها هو بمثابة تحقيق لحلمها.