مروان حبش\كلنا شركاء- ورد في مقدمة كراس “نتطلع إلى دستور ديمقراطي” : عقد “ تجمع سوريات من أجل الديمقراطية” مؤتمرا دوليا في بيروت في 14و15 كانون الأول 2012 تحت عنوان “المساواة أولاً: نتطلع إلى دستور ديمقراطي” بالتعاون مع المبادرة النسوية الأوروبية(IFE-EFI) وبدعم من (هيفوس Hivos)، وذلك لإشراك دائرة واسعة من المشاركات والمشاركين في مناقشة رؤية مشتركة لمشروع دستوري مستقبلي لسورية، قائم على أساس المبادئ الديمقراطية التي تجمع بين سيادة القانون واحترام كرامة الإنسان وحقوق الإنسان لجميع المواطنين، نساء ورجالاً، على حد سواء، وبين قيم المساواة المبنية على النوع الاجتماعي، ومبدأ عدم التمييز).
انطلاقاً من وعي “سوريات من أجل الديمقراطية” ومناصريهم ومناصراتهم بأن الوطنية هي إحساس عال بالمسؤولية تجاه الشعب والوطن، ومن هذا المفهوم وهذه القيمة الأخلاقية بامتياز أدركن ضرورة تغيير جذري لما هو قائم تجاه المرأة من استبداد ذكوري ونفي وتهميش وبكل ما يعني ذلك من هونٍ وإذلال. وجدن أن دولة المواطنة كدولة عصرية تجسد وتلخص وعي الشعب وتطوره وتاريخه الثقافي والاجتماعي والسياسي وتطلعاته المستقبلية، وتحفظ الحقوق التي تجمع المبادئ والقيم الفاعلة في تقدمه المستمر وتطوره الدائم، وترعى مفهوم المواطنة السليم. وأدركن،أيضاً، ضرورة تحرير الذات الوطنية وتحصينها في:
- – كيان دولة بديلة عصرية (ديمقراطية- تعددية سياسية)، حيادية، فيها فصل حقيقي بين السلطات، وتحقق المواطنة كقيمة حضارية وتكون لجميع المواطنين.
- حكم قائم على التمثيل المتحقق بالانتخاب الحر.
- – تثبيت الكيان الوطني للدولة على ركيزة الوحدة غير قابلة للفصم للشعب والأرض.
والدولة العصرية بحكم كيانها الدستوري بمؤسساتها وتنظيماتها الراسخة، يكون ولاء المواطن/ المواطنة لها، وحريصاً/ حريصة على طاعة قوانينها، وبصفتها هذه تعطي الشرعية للسلطات المتغيرة والعابرة.
والدستور في الدولة العصرية، هو الوثيقة الحيَّة الحاكمة للحياة الوطنية ولسيادة الشعب ولحقوقه السابقة والثابتة. لذا يجب أن يؤسس على قيمتي الحرية والعدالة، من منطلق أن الإرادة والحق هما دعامتا أي عقد، ويحقق الموازنة والمراقبة بين سلطات الدولة، ويرسخ مفهوم المواطنة والمساواة والحقوق غير القابلة للنزع، ويضمن دور جمعيات المجتمع المدني في الدولة والمجتمع، ويلتزم بحقوق الإنسان وبكافة المواثيق الدولية، ويعتمد المنظور الإنساني المتسق المنسجم مع: حقائق الوجود، ومنظومة القيم والمبادئ المنمية التي تنمي إنسانية الإنسان، ومع حقائق العلم المستكشف.
ركزت المبادئ المؤسسة للدستور المقترح، على حقوق المواطنة، أي أن للأفراد والجماعات الإثنية والدينية (بمذاهبها وطوائفها) وللجنسين في المجتمع حقوقاً سياسية وثقافية واجتماعية متساوية من غير تمييز، ومن غير أي استثناء، وللجميع:
أ_ حق الوصول إلى الثروة الوطنية.
ب_ حق التمتع بحماية متكافئة أمام القانون
ج _ حق الوصول إلى المكانة التراتبية في الدولة والمجتمع، وإلى المعرفة بكل أنواعها ومصادرها.
د – حق المساواة الكاملة في كل ما يتعلق بمسائل الأحوال الشخصية، والقوانين المدنية والجنائية، وكرَّست المبادئ المؤسسة، مؤسسةَ المحكمة الدستورية العليا المنتخبة دون أن تُنازع، وأن يكون لها صلاحية الامتناع عن الحكم وفق أي تشريع مخالف للدستور تكون السلطتان الأخريان قد أجازتاه، وأن تملك المحكمة صلاحية حماية الحقوق الدستورية للأفراد نساءً ورجالاً.
كما رسَّخت تلك المبادئ الأسس العصرية للمواطنة، وانطلقت من أنها تتأسس على ثلاث:
1- الفرد الحر: تتحدد حرية الفرد في سياق انتقاله من انتمائه التقليدي، ويعرف بانتماء (ما قبل المواطنة) إلى انتماء حديث يحوّله إلى معطى اجتماعي وقانوني مفرد أمام القانون.
2- الدولة الديمقراطية: يتميّز الفرد ـ المواطن ككيان حقوقي قائم بذاته في الدولة بغض النظر عن انتماءاته المختلفة. فالعلاقة بينه وبين الدولة تنهض على أساس القانون، ولا يقوم بينهما أي انتماء وسيط مهما تكن طبيعته.
3- المجتمع المدني: يمارس المواطن حرياته الشخصية والعامة ويعبر عنها في حيز المجتمع المدني أي في نطاق المجال العام الذي يفترضه هذا الحيز وتتيحه سيادة القانون.
وأن الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني هما في موقع الانفصال النسبي عن بعضهما البعض، وهذا ما يسمح لها أن تُقنّن صراعات المجتمع المدني وتنظمها، كما أن المجتمع المدني يكبح بدوره جموح السلطة ويردع محاولة استيعابه في الدولة.
وهذا ما يتيح القول: إن المواطنة هي منظومة علاقات مجتمعية وسياسية وقانونية تحدد حقوق المواطن وواجباته في مجتمع من مواطنين أحرار، وفي دولة ديمقراطية تجسد الكيان الدستوري لوطن محدد.
وأكدت المبادئ بأن مسألة الأقلية والأكثرية في الدولة العصرية، دولة المواطنة، لا يكون المقصود بكلمة الأقلية انتماء المواطن إلى قومية أو دين أو مذهب، بل يطلق على الجميع الجماعات (الإثنية أو الدينية أو المذهبية) بغض النظر عن عددهم، وينحصر مفهوم الأقلية والأكثرية بالسياسة، أي أكثرية سياسية وأقلية سياسية ناتجة عن عملية الانتخاب الحر للبرلمان في الدولة الديمقراطية، وبذلك يمكن للأقلية أن تصبح أكثرية في اقتراع لاحق أو من خلال تحالف مع قوى سياسية أخرى بغية قيادة السلطة التنفيذية لفترة يحددها صندوق الاقتراع.
ونصت المبادئ على حيادية الدولة بمعنى أن الدولة لا تتبنى إيديولوجيا لها، من جهة، ومن الجهة المقابلة، يحظر عليها الحدّ من حرية ممارسة الناس اعتناق أية إيديولوجيا سياسية أو فكرية أو شعائر أيَّما دين، وبذلك ترعى مفهوم المواطنة السليم.
وورد في البند 1 من المبادئ التأسيسية الفصل بين السلطات، أي إذا كان نظام الحكم رئاسياً أو شبه رئاسي تتضخم صلاحيات الرئيس (الذي يتم انتخابه مباشرة من المواطنين) على حساب السلطة التنفيذية، ومن غير المساس إطلاقاً بصلاحيات السلطات الأخرى.
وفي الأسباب الموجبة للمبادئ المؤسسة للدستور تم ذكر ما تعرضت له النساء من تجارب وضرورة تضمين أي دستور مستقبلي حقوقهن في ضوء حقوق الإنسان الواردة في المعاهدات التي صادقت عليها الدولة كمرجعية رئيسية بعيداً عن أي مرجعية دينية.
وانطلاقاً من أن القانون ينبثق من مبادئ الدستور، يكون بذلك إحدى المؤسسات الجوهرية في حياة الإنسان، وله الدور الأهم في الشؤون الإنسانية عملياً وفكرياً ومن أهم العوامل التي تساعد على تحضر المجتمع الإنساني وهناك دلالات بارزة على أن نمو الحضارة قد ارتبط على الدوام بالتطور التدريجي لأسس وأنظمة من القواعد القانونية .
وهذا يدلل على أن القوانين لا توجد من فراغ، وتوجد، أيضاً، جنباً إلى جنب مع مبادئ أخلاقية وأعراف متفاوتة التعقيد والعلاقة بينها وبين القانون ذات أهمية عظمى في كل مجتمع بشري، وتقود هذه العلاقة – في كثير من الأحيان – إلى التوتر والتعارض ببن ما هو سائد وبين القواعد القانونية التي تسعى إلى إرساء حقوق وواجبات قانونية واضحة .
إن قانون الأحوال الشخصية هو أكثر القوانين التصاقاً بحياة الناس ، ويحدد حقوق وواجبات مؤسسي الأسرة وأفرادها ، كما ينظم شؤون الإنسان منذ كونه في رحم أمه حتى وفاته وما ينجم عنه من أثر اجتماعي واقتصادي، ولهذا فإن من واجب الدولة بذل الجهود المتواصلة لصقل القوانين ، وخاصة قانوناً له كل هذه الصلة بحياة الإنسان، ليبقى وثيق الارتباط بالحقائق الاجتماعية المعاصرة. انطلاقاً من أن القانون في تغير وتطور مستمرين ويجب تطويره وتكييفه مع حاجات المجتمع وتطوره .
إن تحقيق مجتمع مواطنة يكون الجميع فيه أندداً يمد المشرع بوعيٍ يبني عليه قانون أحوال شخصية خالياً من الأسس الطائفية أو المذهبية أو التمييز بين الذكر والأنثى، ويحمي الأسرة والطفولة.
إن السير نحو المواطنة يوجب الأخذ بأفضل ما في القانون الطبيعي و القانون الأسمى والقانون الدولي، وأفضل ما في الأعراف والتقاليد وتوظيفها في قوانين أرقى تَجُبُّ وتُلغي كل ما يميز بين فئات المجتمع على أساس الجنس أوالدين أو المذهب أو العرف.
ونحن نمضي نحو المواطنة، أيضاً، لا يجوز أن يغرب من أمامنا ما هو من أكثر القضايا حيوية وحساسية في الدولة العصرية وهي قضية حرية المواطن وما تعنيه هذه الحرية والقوانين التي يجب إقرارها للمحافظة على هذه الحرية وتطويرها على الدوام بما يتوافق وتطور المجتمعات ، وبما يرسخ مفهوم العلاقة الوثيقة بين القانون والحرية ، ويؤكد عدم جواز استخدام القانون كأداة للطغيان ” الأسري أو السياسي أو الاقتصادي …. “، بل وجوب استخدامه لتحقيق وحماية الحريات الأساسية التي تعتبر في الدولة العصرية جزءاً جوهرياً من الحياة الكريمة لمواطنيها. وأن يكون القانون ضامناً لأمن المواطن والمواطنة في شخصه/ها وماله/ها وحقه/ها في التعبير عن رأيه/ها دون خوف أو تهديد، وحقه/ها في الانتفاع بثمرات ما يعرف ب” حكم القانون “، أي التحرر من القلق والخوف في إطار دولة المواطنة، الدولة الحديثة.
وختاماً، كل التقدير لتجمع سوريات من أجل الديمقراطية على كفاحهن وعلى ما يبذلنه من جهدٍ لتأسيس دولة مواطنة تضمن حقوق جميع المواطنات والمواطنين على حدٍ سواء.