BeOpen- ثمة وحشٌ يعيشُ بين العرب، هدفه الوحيد هو ترويع الناس من الحب والجنس، لم ير أحد هذا الوحش ولكننا سمعنا عنه، حيث يهمس الوحش في الجزء الخلفي من رأسك بكلمتين شائعتين في عالمنا العربي، هما “عيب” و”حرام”، تعني كلاهما أنك ضد الله والأسرة وضد كل ما هو خير وصلاح في هذا العالم، أنت محكومٌ عليك بالفشل إذا اخترت أن تحب أو أن تكون في علاقة خارج المؤسسة المقدسة للزواج.
هذا الوحش، المعروف أيضًا باسم الخوف من الغرائز الجنسية والحب، وُلِد من رحم مجتمع البداوة الأول، ولا يزال يغذيه كثير من العرب اليوم، ولقد شكّلت مبادئ الشرف لدى البدو قيمنا التقليدية؛ بحيث تفقد المرأة شرفها وشرف عائلتها إذا ارتكبت جريمة جنسية، فتصبح المرأة التجسيد الحقيقي للعار، وليس هناك قيمة لمشاعرها ودوافعها الشخصية في تشكيل اختياراتها؛ لأننا نربط كل شيء بالشرف.
لطالما شعرتُ بأنَّ هناك شيئًا خاطئًا مع مبادئ الشرف المقدسة في مجتمعنا؛ إذ أن رئيس القبيلة البدوية هو شيخ مجلسٍ من الذكور – بنية اجتماعية يهيمن عليها الذكور – يتخذ جميع القرارات الرئيسية، دون مشاركة المرأة التي ليس لديها أي كلمة حول وضعها بالمجتمع. أما اليوم، تستطيع النساء تغيير هذا الوضع، إذ لم يعد العرب بدو يعيشون في الصحراء، لكننا أصبحنا سكان مدن كبيرة.
عندما انتقلتُ إلى كندا، لم يكن هذا الوحش يتجول في عقول الناس هناك، بل جلبه بعض العرب معهم، ولكني تركته ورائي، ولذلك، أعطيتُ مساحة لإعادة النظر في مكان عاطفة المرأة في ضوء تراثي العربي، ولقد بحثتُ في تاريخنا الثري وفي الأدب عن تمكين المرأة، وتذكرتُ فترة المراهقة في الأردن، حيث يتوقف فهمي لمعنى حريتي، وكذلك حرية زميلاتي الأخريات، تحت وطأة العار والشعور بالذنب والخوف.
السير على أرض حسّاسة
الحب والجنس هما من المناطق الأكثر حميمية وشخصية، ولكن في العالم العربي يتمّ الاستمتاع بهما بشكل سريّ وهذا العالم الخفيّ هو المكان حيث تعيش المرأة شخصيتها الأخرى، التي تشعر بها بحرية إحساسها ومشاعرها، ومن أجل أن تنخرط المرأة مع أحاسيسها، فهي بحاجة إلى أن تكون خبيرة في الكذب واختلاق الأشياء، فيجب عليها أن تكذب على والديها حول الأماكن التي تذهب إليها ومع مَن تذهب؛ إنها بحاجة لاختيار المكان المناسب الأقل عرضة لخطر رؤية أحد أفراد الأسرة لها أو مشاهدة الأصدقاء النمّامين، ناهيك عن أنه يجب أن يكون لديها “خطة بديلة” في حال القبض عليها، مما يجعل الأمر يبدو أشبه بمهمة عسكرية وليس مواعدة مع صديق.
فقدان العذرية في علاقة قبل الزواج هو أمر غير وارد على الإطلاق؛ فهو يدمّر مفهوم الشرف، الذي يربط الأسرة والمجتمع معًا. حيث يُنظر إلى الفتاة “العذراء الشريفة” على أنها ثمينة ومرغوب فيها، وكما يقول المثل الشهير، الذي يتردد على لسان الكثير من الرجال (وحتى النساء):
“المرأة مثل قطعة الحلوى، إذا سقطت على الأرض، فهل تريد أكلها مرة أخرى؟”
وتتم مقارنة النساء بالأشياء كما لو كُنّ أشياءً مادية؛ فالمرأة إما قديسة أو عاهرة، كائن مُصطنع يأتي بِلَوْنَين فقط.
العلاقات العاطفية متنوعة ومن ثمّ يجب عدم تعميم طبيعتها، ومع ذلك رأيتُ أنّه في كثير من العلاقات قبل الزواج في المجتمع العربي هناك فصل تام بين الجنس والحب ولسبب وجيه. ففي عمّان، على سبيل المثال، لا يوجد شيء إسمه “التربية الجنسية” المعنية بمعرفة الجنس الآمن وقبول الطرفين للعلاقة، وبالتالي، فهذا يترك العديد من الأزواج الشباب في حالة من الجهل والخوف، أو ما هو أسوأ: يتركهم بلا حماية، بينما الأمر مختلف تمامًا في كندا؛ فالمدارس الثانوية وحتى الجامعات يوجد بها مراكز صحية تعطي توجيهات غير نقدية بشأن الصحة الجنسية وصُنع القرار، والجميع لديه حق اختيار ممارسة الجنس الآمن، ويوفر اتحاد الطلاب -على سبيل المثال- في الجامعة التي أرتادها الواقي الذكري مجانًا، ولكن في الشرق الأوسط فهذا لن يكون مقبولًا.
ولكي تكون هناك علاقة عاطفية وحميمية بين فتاة وشاب، فهذا يُدخلهم في دوامة من الخوف والشعور بالذنب، كما يمكن أن يكلّف المرأة حياتها. ووفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، يتمّ الإبلاغ عن 5000 جريمة شرف سنويًا على مستوى العالم، وقد يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك، حيث تميل العائلات لإخفاء مثل هذه الجرائم للحفاظ على شكلها أمام المجتمع، وهناك حالات كثيرة في مناطق عديدة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا يتمّ وضع الجناة في فئة قانونية أكثر تساهلا من القتل، حيث يُنظر إليهم باعتبارهم يحافظون على القيم والعادات والتقاليد بارتكابهم هذه الجرائم.
وتوضح مقالة بموقع بي بي سي أنَّ العديد من المراهقين الأردنيين يؤيدون “جرائم الشرف”، إذ يتم تبرير الجرائم على أنها صحيحة من الناحية الأخلاقية. ومع ذلك، ووفقًا لمقال نُشر في موقع آخر، فإنَّ هذا الموقف الثقافي يلقى معارضة كبيرة من بعض الشباب الأردني الذي لديه وجهة نظر مغايرة؛ حيث يؤيد كثير من الرجال والنساء من مختلف الأعمار والخلفيات حملات التوعية، مثل “لا شرف في الجريمة”، التي يجري تنظيمها لإجراء نقاش مجتمعي حول جرائم الشرف ووضعها القانوني، وهذا يثير الأجيال الشابة للانخراط في تلك المناقشات باعتبارهم مستقبل المجتمعات العربية.
المرأةُ المتحرّرة
تأتي الثقافة العربية بتقليد أدبي ثريّ يعد بمثابة دعوة إلى الإنسانية، لطالما رسّخ هذا التقليد مكانًا للتعبير عن الغرائزية والرومانسية، لا سيما عن طريق الشعر. فهناك ثلاثة أنواع من الغزل العربي: الحجازي، العُذري، والكوفي، والتي ازدهرت في الحضارة الإسلامية في القرون الوسطى؛ إذ يتناول الشعر الحجازي والعُذري الحب العفيف أو الحب الديني، في حين أن الشعر الكوفي هو غزل جنسي صريح، يتميز بالهجاء، والمجون والخطيئة.
وفي الحضارة الإسلامية في القرون الوسطى، كان نطاق الشعرية النسائية محدودًا للغاية، ووفقًا للدكتور طاهرة قطب الدين، خبيرة الأدب العربي، تمً عزل النساء الأحرار بشكل إلزاميّ، ونتيجة لذلك، كان للمرأة حضور محدود في الحياة العامة التي يهدف الشعر لتسجيل أحداثها، وقد سُمح للنساء بالتعبير عن شعورهنّ في حالة وفاة قريب أو محارب، وهذا هو السبب في أن معظم قصائد المرأة كانت في الرثاء، وفي حالة الجواري، كتبت المرأة في الغزل؛ لأن العديد منهنّ شاركنّ في الترفيه الجنسي والموسيقي.
وعلى الرغم من الأدوار الاجتماعية المقيدة للمرأة، برزت المرأة كمفكرة وشاعرة في تلك العصور، حيث نساء مثل ليلى الأخيلية، وعائشة التيمورية، وولادة بنت المستكفي، التي تحدت النطاق الشعري المحدود وتجرأت على الكتابة في المجالات الشعرية الأخرى مثل الهجاء وخطابات المدح، والتي كانت حِكرًا على الرجال، ومن ثمّ يجب إعادة مثل تلك النماذج النسوية إلى العقل العربي، واعتبارهنّ رموز إبداع ناجحة تحدت القيود وعدم المساواة في المجتمع.
كانت ولّادة بنت المستكفي شاعرة أندلسية وأميرة أمويّة، ابنة أبو القاسم عبد الله المستكفي بالله، وكانت ولادة شغوفة ومثقفة، وبصفتها أميرة، كانت امرأة ثرية جدًا، مما سمح لها بإقامة صالون أدبي في قاعات القصر، ووفقًا لأليسون ماكمان، “هناك، درست ولادة الشعر والفن – الذي كان في ذلك الوقت مجالًا قاصرًا على الرجال فقط – وقبلت النساء من مختلف الأوضاع الاقتصادية، من الأميرات إلى الجواري”، وفي صالونها الأدبي، تنافست مع الرجال، حيث تمّ تصنيف شعرها بأنه تحدٍ لأدوار الجنسين.
ولم تتزوج ولادة بنت المستكفي لأسباب غير معروفة، وظلّت مستقلة بذاتها حتى بعد دخولها في علاقتين عاطفيتين، ورفضت ارتداء الحجاب والستر وكانت ملابسها شفافة، وهذا أثار غضب المؤسسات الدينية المحلية، وتقول أليسون ماكمان: “لقد كان وقت الفتنة الكبرى حينما تمرد البربر ضد الخلافة الأموية، وازداد التوتر الديني”، ومع ذلك، أعربت ولادة عن حبها وإنسانيتها وجنسها باعتبارها امرأة عربية مسلمة، وهذا لا المرأة امرأة “غربية” على الإطلاق، بل يجعلها تعيش تجربة إنسانية طبيعية.
الرد المبدع من ولادة بنت المستكفي على وصفها بأنها عاهرة من قِبل المؤسسات الدينية المحلية والمجتمع، كان من خلال زخرفة ونقش قصائدها على ملابسها كعمل من أعمال الاحتجاج السلمي، تقول في تلك القصيدة:
أنا واللَه أصلح للمعالي ** وأَمشي مشيتي وأتيهُ تيها
أُمكنُ عاشقي من صحن خدّي ** وأعطي قُبلتي مَن يشتهيها