موقع (الاتحاد العام لعمال سورية) الإلكتروني- في دراسة له أطلقها في شهر أذار الماضي؛ رصد مركز دمشق للدراسات والاستشارات (مداد) دور سياسات مؤسسات التمويل الاجتماعي العامة والخاصة في التمكين الاقتصادي للمرأة السورية على مدى 17 سنة اعتباراً من العام 2001 ولغاية 2017، وذلك من خلال ما تقدمه المؤسسات من خدمات تمويلية للنساء من مختلف الشرائح الاجتماعية.
الدراسة التي أعدها الدكتور أيهم أسد رصدت وحللت ما قدمته مؤسسات التمويل الاجتماعي للمرأة السورية طوال سنوات الدراسة عن طريق التعرف إلى مقدار القروض الممنوحة للنساء خلال هذه المدة، وعن طريق الكشف عن نسبة المستفيدات من النساء من إجمالي المستفيدين من القروض في كل مؤسسة تمويل اجتماعي، وتبين من خلال الدراسة بأن النساء لا زلن لا يستحوذن إلا على أقل من نصف خدمات التمويل الاجتماعي، أي أنه ورغم انتشار تلك المؤسسات فإن فعاليتها في التمكين الاقتصادي للمرأة ما زال محدوداً..
الدراسة بدأت بتوضيح مفهومي التمكين الاقتصادي والتمويل الاجتماعيّ، وعلاقة التمويل الاجتماعي بالتمكين الاقتصادي للمرأة، وتناولت التطور التشريعي الذي أسس لنشر ثقافة التمويل الاجتماعي، على أساس رصدها لكافة أنواع التشريعات التي لعب كل منها دوراً معيناً طوال مدة زمنيّة محدّدة في بناء مؤسسات التمويل الاجتماعي، وبينت الدراسة مدى حساسية تلك التشريعات للنوع الاجتماعيّ، بوساطة استهدافها المباشر في نصوصها للمرأة من عدمه، كما قدمت الدراسة مسحاً لمؤسسات التمويل الاجتماعي العاملة في الاقتصاد السوريّ وسياسة كلّ منها في دعم التمكين الاقتصادي للمرأة، وتوضح ما قدّمه كل من تلك المؤسسات من أجل تمكين المرأة اقتصادياً، وتكشف الدراسة حالة التنوّع المؤسساتي الكبير، وعدم وجود جهة مرجعية موحدة لتلك المؤسسات تجمعها معاً.
نتائج الدراسة
وصلت الدراسة إلى جملة من النتائج منها أنه يوجد تأخير زمني شديد في دخول عمليات التمويل الاجتماعي إلى الاقتصاد السوري تشريعياً ومؤسسياً، وتحديداً مؤسسات التمويل الخاصة، فهذه المؤسسات لم تبدأ بالعمل قبل عام 2007، كما تبين من خلال الدراسة قلة عدد مؤسسات التمويل الاجتماعي المرخصة على القانون رقم 15 لعام 2007 على الرغم من ارتفاع الطلب على خدمات التمويل الاجتماعي والذي قد يتطور في مرحلة ما بعد الحرب كنتيجة للحاجة المجتمعية.
وتبيّن من خلال الدراسة عدم وجود مؤشرات وطنية مرجعية للتمكين الاقتصادي للمرأة السورية يمكن من خلالها قياس أثر سياسات التمويل الاجتماعي على المرأة السورية، كما كشفت الدراسة أن هناك تعددية تشريعية واضحة في التشريعات الناظمة للتمويل الاجتماعي في الاقتصاد السوري حيث مر على الاقتصاد السوري تشريعات أساسية تتعلق بالتمويل الاجتماعي منذ عام 2001 وحتى عام 2017 نتج عنها عدم وجود مرجعية تشريعية موحدة.
تعدّدية مؤسسية
إلى جانب ذلك اتضح من الدراسة أن 70% من التشريعات السورية الأساسية الناظمة لعمليات التمويل الاجتماعي لا تتحدّث صراحةً عن استهداف النساء في تلك العمليات، وبالتالي تلك التشريعات غير حساسة للنوع الاجتماعي بشكل عام، وهناك تعددية مؤسسية كبيرة جداً في المؤسسات العاملة في حقل التمويل الاجتماعي، منها الحكومي البحت ومنها الخاص البحت ومنها الأهلي والديني نتج عنها عدم وجود شكل مؤسسي موحد لإدارة التمويل الاجتماعي على المستوى الكلي، ويوجد اختلاف كبير في البنية المؤسسية للمؤسسات العاملة في التمويل الاجتماعي في الاقتصاد السوري إلى جانب وجود تباين واضح في رؤية المؤسسات العاملة في هذا الحقل حول السياسات اللازم إتباعها والشرائح اللازم استهدافها عن عمليات التمويل وفي المناطق الجغرافية التي يلزم العمل بها، ولا بد من تقليص ذلك التباين لضمان أفضل عمل ممكن، إلى جانب وجود اختلاف شديد في نسب استهداف النساء بالتمويل الاجتماعي بين مؤسسات وبرامج ومشاريع التمويل الاجتماعي تتراوح ما بين 35% لبعض المؤسسات و100% لبعضها الآخر، وذلك ناتج عن اختلاف الإمكانيات المالية التمويلية للمؤسسات واختلاف قدراتها الإدارية والبشرية من حيث الكادر والانتشار.
غياب التنسيق
كما تبيّن من خلال الدراسة أن نسب استهداف النساء في برامج التمويل الاجتماعي لدى المؤسسات الخاصة وغير الحكومية لا تتجاوز حتى الآن 48%، مع ملاحظة عدم وجود تنسيق بين مؤسسات التمويل الاجتماعي العاملة في الاقتصاد السوري فلكل مؤسسة سياسة تمويلية مستقلة تماماً عن غيرها من المؤسسات، مع عدم وجود خطة وطنية موحدة حول التمويل الاجتماعي في سورية وعدم ربطها بخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة وبالتالي بقاء رؤية وفلسفة التمويل الاجتماعي رؤية فردية لكل مؤسسة، إضافة لعدم وجود قاعدة بيانات مركزية للنساء اللواتي بحاجة إلى التمويل الاجتماعي يتم من خلالها توجيه النشاط التمويلي للمؤسسات والبرامج وتكثيفه في المناطق الأكثر احتياجاً لتلك العمليات، ووجود نوع من التقطع وعدم الاستمرارية الكاملة في عمل بعض مؤسسات التمويل وذلك بسبب ظروف الحرب على سورية، وعدم وجود قياس واقعي مستمر للعلاقة بين التمويل الاجتماعي والتمكين الاقتصادي للمرأة من قبل مؤسسات التمويل الاجتماعي لمعرفة أثر تلك السياسات على تمكين المرأة، باستثناء دراسة واحدة لوزارة الزراعة.
مقترحات وتوصيات
وخلصت الدراسة إلى جملة من التوصيات والمقترحات منها ضرورة أن يعمل مصرف سورية المركزي على إصدار تشريع وطني موحد ينظم عمل مؤسسات التمويل الاجتماعي ككل الحكومية والمدنية والخاصة، لجهة الترخيص والإشراف والرقابة عليها، ويكون بمثابة المرجعية التشريعية الناظمة لعملها، مع ضرورة وجود شكل مؤسساتي وطني شامل يشرف على مؤسسات التمويل الاجتماعي ويمكن أن يأخذ شكل هيئة وطنية للتمويل الاجتماعي، أو شكل اتحاد مؤسسات التمويل الاجتماعي يشرف عليها وينسق فيما بينها ويوجه نشاطاتها، ويكون بمثابة مرجعية إشرافية ورقابية وإحصائية تنفذ التشريع الجديد المقترح إصداره، وضرورة وجود خطة وطنية شاملة للتمويل الاجتماعي ترتبط مع عمليات التخطيط الاقتصادي على المستوى الكلي وخاصة في مرحلة ما بعد الأزمة، ويمكن أن تلعب هيئة التخطيط والتعاون الدولي هذه الدور في المرحلة الراهنة في ظل غياب مرجعية مؤسسية بالتنسيق مع الجهات العامة والخاصة والمدنية العاملة في مجال التمويل الاجتماعي.
مرجعية مؤسساتية
كذلك أوصت الدراسة بضرورة وجود جهاز مؤسسي مرجعي يُعنى بشؤون المرأة الاجتماعية والاقتصادية على شكل هيئة مستقلة، فرضاً، تهتم بالتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة وتقوم بالتشبيك بين النساء ومؤسسات التمويل الاجتماعي، بحيث يكون من مهام هذه الهيئة وضع خارطة استهداف تمويلي للنساء على مستوى المجتمع السوري توضح الأولوية الجغرافية للنساء الأكثر حاجة للتمويل، وضرورة تنويع الجهاز المؤسسي الداعم لمؤسسات التمويل الاجتماعي كمؤسسات ضمان مخاطر القروض، ومؤسسات التأمين على المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وخلق صناديق مالية لدعم مؤسسات التمويل الاجتماعي، أو صندوق مالي مشترك بين المؤسسات العاملة في مجال التمويل الاجتماعي كنوع من الدعم الذاتي فيما بينها، ويمكن لمصرف سورية المركزي إصدار تشريع خاص بتلك الأنواع المالية المتعددة الداعمة لمؤسسات التمويل الاجتماعي.
التعريف بالمزايا والأهداف
ومن التوصيات التي خلصت إليها الدراسة أيضاً منح مزايا اقتصادية خاصة لمؤسسات التمويل الاجتماعي من إعفاءات ضريبية أو تسهيلات اقتصادية ومالية أخرى من أجل تحفيزها وزيادة عددها في الاقتصاد لأهميتها التمويلية الحالية والمستقبلية وتحديداً في مرحلة ما بعد الأزمة، وهنا يمكن لمصرف سورية المركزي إعادة النظر في القانون رقم 15 لعام 2007 وتطويره بما يتناسب مع مرحلة ما بعد الحرب لجذب مؤسسات تمويل اجتماعي أكثر إلى الاقتصاد السوري، ووضع خطة إعلامية وطنية للتعريف بالتمويل الاجتماعي ومزاياه وأهدافه والمؤسسات العاملة فيه لاستقطاب عدد أكبر من المستفيدات النساء، وبالتالي زيادة نسبة حصتهن في المحفظة التمويلية على مستوى الاقتصاد ودعمهن أكثر فيما يتعلق بالتمكين الاقتصادي لهن، مع ضرورة وجود عمليات تقييم مستمرة لنتائج سياسات التمويل الاجتماعي على مؤشرات التمكين الاقتصادي للمرأة السورية لمعرفة الثغرات والمشكلات التمويلية واستدراكها، ولمعرفة احتياجات التمويل غير المحققة للنساء أيضاً، وهنا يمكن لهيئة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الزراعة تكوين جهاز رصد خاص بمتابعة وقياس تلك النتائج وإعادة تقييم كل تجربة تمويلية على حدة حسب خصوصيتها.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.