ألمى حسون/ بي بي سي عربي- من غرفةٍ صغيرة في منزلٍ يبعد أميالاً كثيرة عن السعودية، بدأ البث التجريبي لإذاعةٍ اسمها “نسوّية إف إم” تتحدّث عن وضع المرأة في المملكة. مايكرفون للهواة تمّ شراؤه عبر الإنترنت، وكومبيوتر محمول مجهّز ببرنامج للصوت، وسمّاعة جيدة، هي كلّ معدّات البث.
في نهاية شهر تموز/يوليو ظهرت صفحةٌ على تويتر باسم نسوية إف إم (Nsawya_FM) وأعلنت عن حاجتها لطاقم عملٍ نسائي لإطلاق القناة الإذاعية.
تلقّب المُتحدّثة الإعلامية باسم القناة نفسها بـ “عشتار”، وهي جامعيةٌ سعودية في الـ 27 من العمر، وتقول إنّ أيّ إشارةٍ لهويتها سيُعرّضُها للخطر. وتقول عشتار إنّ سبب إنشاء القناة هو “ترك أرشيفٍ للتاريخ ليعرف الناس أننا حقيقياتٌ وموجوداتٌ”.
“يمكن أن تحجب السعودية تويتر بأيّة لحظة ولن يبقى هناك أيّ أرشيفٍ للأفكار والآراء، أما البرنامج الإذاعي فيمكن تسجيله ونشره على مواقع أخرى. يجب أن يعرف الناس أن هناك أشخاصاً مختلفين وجدوا في هذا التوقيت، أشخاصاً يحملون فكراً مختلفاً. ناسٌ حقيقيون”.
أول ساعة بث – قضية المُعَنَّفات من قبل الأسرة
على وقع أنغامٍ حزينة، وبصوت المذيعة المتهدّج الهادئ بدأ أول بثّ إذاعي على الإنترنيت لراديو “نسوية” السعودي يوم 3 آب/أغسطس، وأول القضايا التي طرحها البرنامج كانت العنف الأسري. روت المذيعة قصص نساءٍ سعوديات قيل إنهنّ خسرن حياتهنّ مؤخراً على يد أقاربهن.
نسمعها تحكي إحدى هذه القصص: “عمري 33 سنة، موظفة وتعليمي جامعي، أعيش مع والدي ووالدتي، وأريد الزواج بالشخص الذي أراه مناسباً لي، ولكنه يحمل الجنسية اليمنية. حلم سارة الشريف أنهاه أخوها ذو الـ 22 عاما. خمس رصاصاتٍ قتلت سارة التي تمّت خطبتها الرسمية بموافقة والدها ووالدتها”.
وتضيف: “الكثير من الأسماء وما ذُكِر فقط قطعةٌ من جبل الجليد. أعوامٌ مريرة وأجيالٌ عديدة من النساء انتهت حياتهنّ قبل أن تبدأ منذ اللحظة التي تكوّنت فيها أعضاؤهن التناسلية الأنثوية. حكوماتٌ ذهبت وحكوماتٌ جاءت. وكلّ حكومةٍ تُعطي الوعود. وتحاول دفن النساء وقضاياهنّ في أكبر أخدود”.
يضمّ فريق العمل 9 مُعِدّاتٍ ومذيعتين، بينهنّ مصريّة ويمنية.. التواصل “صعبٌ جداً” بين الشابات، فكل ما يجمعهنّ هو مجموعةٌ على أحد تطبيقات الموبايل، ويعانين من مشكلة فرق التوقيت فلسن جميعاً مقيماتٍ في السعودية، وبعضهن مشغولاتٍ بالعمل أو بالدراسة، كما تقول عشتار.
ولا تتوقع عشتار حالياً جمهوراً كبيراً لبرنامجهن “يكسّر الدنيا” وتفضّل “النمو التدريجي”، حيث أن كل ما يهمّها هو “نشر الوعي” حول وضع المرأة.
البث التجريبي الذي استمر نحو ساعة، احتوى كثيراً من الأغاني الحزينة، لكن عدم وضوح الصوت، وتقطّعه، وأسلوب الإنتاج عكس عدم وجود خبرة في الإنتاج الإعلامي من قبل الفريق.
“أفكارك صدامية”
عشتار واحدةٌ من مُؤَسّسات الإذاعة، وتقول إنها منذ سنواتٍ تحلم بأن تكون لها منصةٌ لتعبّر عن أفكارها.. هي ليست صحفيةً ولم تدرس الإعلام، بل تعرّف عن نفسها بأنّها “ناشطة تستخدم الإعلام كمنصّة”.
وتقول إنها كانت قد راسلت كثيراً من الصحف اللبنانية منذ سنواتٍ لكن “قائمةً طويلة من الصحف” رفضت نشر مقالاتها “لأنّها تحوي أفكاراً صداميّة” حول السياسة والدين والمجتمع.
قالت لي في حديثنا على الهاتف، إنها تنظر بإعجابٍ للعصر الأمومي عندما كانت المرأة هي من تتولّى الحكم والقيادة؛ فهي تعتقد أنّ “جنس الأنثى أفضل من الذكر” وتعتقد أنّ المرأة “إن عادت مرةً أخرى لتمسك زمام الأمور، خاصةً القضاء، فستتحسن الأمور في العالم بفضل فطرتها”.
وتقول إنّها لم تخفِ مثل هذه الأفكار عن عائلتها؛ بل كانت تتحدّث عنها مع أمّها، وأيضاً على نطاقٍ أوسع عندما تجتمع العائلة في فترة العيد مثلاً. لكن أفكارها لم تكن تُعجب أهلها وكان بعض أفراد العائلة يقولون لها إنّ “عقلها مغسولٌ من الغرب”.
وهذه النظرة تجاه الشابات الناشطات منتشرةٌ جداً في السعودية، فمعروفٌ أنّ السعوديات يلجأن إلى موقع تويتر للتعبير عن مواقفهنّ وآرائهنّ بخصوص حياتهنّ داخل المملكة، لذا فهنّ عرضة لهجومٍ كبير ضدّهن ويُوصَفن بـ “الذباب الإلكتروني”، كما تقول عشتار.
وكنّ أيضاً قد أطلقن عام 2016 حملة “سعوديات نطلب اسقاط الولاية” المستمرة حتى اليوم.
“أكثر من 15000 برقية للملك ولم يتغير شيء”
تقول عشتار إنّها كانت واحدةً ممن بدأن الحملة الإلكترونية على تويتر المطالبة بإنهاء نظام ولاية الرجل في السعودية. لكنّ تويتر اليوم “لم يعد كافياً”.
في عام 2016 ذهبت عزيزة اليوسف، وهي من أوائل الناشطات المُطالِبات بحقّ المرأة في قيادة السيارة، إلى الديوان الملكي حاملةً برقيةً تحمل نحو 15000 توقيع لرفع وصاية الرجل على المرأة في السعودية.
ولكن “لم يحدث شي” حينها، تقول عشتار. واليوم عزيزة اليوسف واحدةٌ من الـ 9 مدافعات عن حقوق المرأة المسجونات في السعودية.
ومن المقرر أن ترسل النساء يوم 10 آب/ أغسطس برقيةً جديدة للملك، مطلبها الرئيسي “إسقاط نظام الولاية وإطلاق سراح سجينات دور الرعاية.”
وعند تكرار السؤال نفسه الذي يُطرَح على الناشطات السعوديات: “بدأت بوادر تغييرٍ تظهر في السعودية فيما يتعلّق بحقوق النساء. لماذا لا تنتظرن لتَرَين؟”
تجيب عشتار: “نحن كسعودياتٍ نعرف أنّها بروباغندا. كيف يكون هناك إصلاحٌ وفي الوقت نفسه تعتقل السلطات الإصلاحيين، مثل لجين الهذلول. ولاية الذكر يمكن أن تنتهي بشحطة قلمٍ من قبل الملك، ليست بحاجةٍ لسنين أو لمشاوارت”.