«نساء» يعلنّ الجهاد على «أبى هريرة»!
«الإسلام والمرأة.. قراءة نسوية فى أسس قانون الأحوال الشخصية» مية الرحبي

إيمان علي/ روز اليوسف- نعيشُ «تخلّفا باسم المُقدّس». بهذه التحرّرية والمُراجعة الجذرية، تُضرم باحثة نسوية سورية النار على رُكامٍ مُمتد من الأحكام السُلطوية الدينية.. امتداد مُغلّف بالنسوية. فمن قبل؛ تكلّم الكواكبى فى أثر الاستبداد فى الإسلام عن «السلفية الغُفل»، الذين يحكمون حياتنا بالحديد والنار والتعصّب.

المثير أن تتبنّى النسوية منهج مُراجعة التاريخ الإسلامى بالأسماء والمواقف. رُواة الأحاديث سبب البلاء؛ هذا ما تذهب إليه أحدث ثورات النسوية العربية فيما يخص وضع المرأة فى الإسلام. الطبرى فى «تاريخ الأمم والملوك» ممّن أشاروا إلى التناقض فى رواية الأحاديث المتعلّقة بالمرأة. وكان أكثر الذين رووا عن النبى ولحقت رواياته العديد من التحريفات عن الأحاديث هو أبوهريرة.
كانت الصُدفة قد قادت إلى بحث علمى منشور فى العام 2014، أتاحته «موجات التفكير النشطة» إلكترونيا مؤخرا على خلفية الأحداث. ففيما يبدو، وهذا طبيعى، أن الجدل الذى أشعلته مبادرة دار الإفتاء فى تونس، قد حفّز على التقليب والتقصّي.
بالاطّلاع على فصول البحث التى صيغت بغزارة معرفية عقلانية فى عدد قليل من الصفحات، يُقارب الـ300 صفحة، نتبيّن أن ثمّة جدلاً نسويًا مُبكّرًا، قادته نساء عربيات حول أحكام الأحوال الشخصية التى تخصهن فى الإسلام.

ميّة الرحبى صاحبة هذه المبادرة، طبيبة الباطنة السوريّة، لا تمضى فى بحثها المُعنون «الإسلام والمرأة.. قراءة نسوية فى أسس قانون الأحوال الشخصية» بأقل من الجرأة والاقتحام الذى تبدأ به بحثها. وتصل باستنتاجاتها وأحكامها إلى اللُب، فتقول، وهى هنا تصف بدايات الدعوة الإسلامية، إن «الدين الجديد» قامت ركائزه على «مُتسلّطين جُدد» سعوا لـ«إيجاد لبوس مقدّس يبرّرون به سيطرتهم على المجتمع». والمقاطع بين تنصيص؛ هى ما اختارته الرحبى تحديدا من عبارات، نافذة وقويّة.
الجهد والاجتهاد الذى تتصدّره الرحبي، يَغرف فى عُمقه من تراث التنوير فى بدايات القرن الماضي، الذى تستعين بمصادره وروّاده كمراجع أساسية لبحثها المُهم. فالتحليل الخاص بـ«تلبيس أحكام الشريعة ثوبا يسع السُلطة ويُبرزها»، قاله نصر حامد أبو زيد فى «دوائر الخوف»: «بدل أن يؤدى الفكر الإسلامى وظيفته فى صياغة الواقع وترشيده أصبح «تبريرا» لهذا الواقع بمنحه غطاءً أيديولوجيا ومشروعية دينية».

ومن قبل، لا يمكن إغفال محمد عبده والتأويل العقلانى للإسلام. قاسم أمين فى تحرير المرأة وفهم الدين بالعلم والمدنية. أمّا الذى تقتبس منه الباحثة كثيرا بعد نصر أبو زيد، فهو الطاهر حدّاد، الذى جاء بعد قاسم أمين بنحو ثلاثين سنة ليطوّر الخطاب عن المرأة. فى كتابه «امرأتنا فى الشريعة والمجتمع» – صادر فى مصر وبيروت 2011 – كتب الطاهر حدّاد: «نحو عشرين سنة من حياة النبى فى تأسيس الإسلام؛ كفّت بل أوجبت نسخ نصوص بنصوص وأحكام بأحكام»!

هى دائرة مُغلقة إذن!

ماذا كان رأى الثورة النسوية فى هذا الأمر؟! تسأل ميّة: هل الإسلام ضد المرأة؟ هل العنف ضد المرأة ذو أساس شرعي؟
وكمُفتتح لإيجاد الإجابات المُناسبة، تَطلق عددا من التحليلات: المُحرّك للتاريخ ومُقدّساته ليس العقيدة بل الصراع السياسى والاجتماعي. وفى موضع آخر تكتب: التاريخ العربى بعد الإسلام حوى صفحات سوداء قاتمة. لتنتهى إلى أن: العنف ضد النساء امتد 15 قرنا مُورست خلالها على المرأة العربية أكبر عملية «تلفيق وتزوير».

على رأس هذا التلفيق تتربّع الروايات عن الرسول. الوضع المُزرى للمرأة على مدى العصور التالية لفجر الإسلام اعتمد على أحاديث جُمعت بعد 200 عام من وفاة الرسول، تقول ميّة الرحبي. يتولى أبوهريرة القسط الأكبر من رواية هذه الأحاديث. تعود ميّة لتذكّرنا بأن أكثر الأحكام المُتعلقة بالمرأة، التى يعتمد عليها الفقهاء، رُويت على لسان أبى هريرة. فقد روى أبوهريرة لوحده خلال ثلاث سنوات فقط رافق فيها النبى عليه السلام خمسة آلاف و300 حديث.

قسم كبير من هذه الأحاديث مُتعلّق بالنساء. نعرف أن مُعظم هذه المدّة قضاها الرسول فى الغزوات، خلال عشر سنوات بعد الهجرة غزا النبى محمد بنفسه 26 غزوة، وهنا تستنكر ميّة: أين المجال إذن لرواية الكثير من الأحاديث المُتعلّقة بالنساء؟!
عُرف أبوهريرة إذن، بكثرة رواياته عن النبي، عمر بن الخطّاب نفسه هدّده بالطرد والنفى لأنه أكثر الرواية عن الرسول. السيدة عائشة طلبت منه فى مرّات عدّة أن يحترس فيما يرويه على لسان الرسول، لم ينقطع خلاف عائشة مع أبا هريرة واصطياد أخطائه فى الرواية بين كل مناسبة وأخرى، اصطدما كثيراً، عائشة تتّهم أبا هريرة بعدم الحذر من رواية الأحاديث على لسان الرسول، حيث يجرى فى أغلب هذه الأحاديث ذكر المرأة والتطرّق إلى أوضاعها وأحكامها بكثير من التحقير والتدنّي، ومنها حديث ورد فى صحيح البخارى نفسه – المسند الأول للمسلمين فى السُّنة – يقول «ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة».

وأبوهريرة لا يرتدع. بلغ الخلاف فيما بين عائشة وأبى هريرة مداه حتى إنه ردّ عليها عندما قالت له بأنه يُحدّث بشيء لم يسمعه، بأنه كان يحفظ الحديث فى حين كانت هى مشغولة بالكُحل والمِرآة. نتعرّف على هذه الواقعة فى كتاب ميّة الرحبي.

بالرجوع إلى الراهن؛ قانون الأحوال الشخصية المَعمول به فى سوريا، موضوع من عام 1953، ويتّخذ مُعظم بنوده من كتاب «الأحكام الشرعية فى الأحوال الشخصية على مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان» لقدرى باشا. ولا يزال يُعمل به حتى اليوم رغم أن الكتاب صادر  فى عام 1917. تنصّ المادة الثالثة فى الدستور السورى بأن الفقه الإسلامى (الذى هو أحكام واجتهادات بشرية) مصدر رئيس للتشريع. تقول فى هذا الصدد: «الفرد المُسلم أعار عقله للفقهاء». مبدأ الحاكمية الذى تحدّث عنه نصر أبوزيد.
«تغيير الأحوال يقضى بتغيّر الأحكام» تُقدّم الدكتورة ميّة الرحبى بهذا الاستنتاج الذى من المفترض أن يكون بديهيا للجميع، قراءة فى مُجمل السياق التاريخى الاجتماعى للدعوة. حيث جرى تجميد العقل الإسلامى طيلة ألف عام. راجعت عادات وأعرافًا دينية أو اجتماعية سابقة على الإسلام، منها ما رفضه الإسلام كُليّا، ومنها ما تقبّله جُزئيا، مع الإيحاء بأهمية تطويرها. وكانت من تلك العادات التى سبقت الإسلام فأتى ولم يُنهها؛ العبودية وقضايا حقوق النساء والحروب.

أى تغيير اليوم لصالح المرأة فى قانون الأحوال الشخصية يُجابه بجملة مُقدّسة لا يجوز نقاشها «ذلك مخالف للشريعة الإسلامية». دون أن يجرؤ أحد على السؤال: هل هو فعلا كذلك؟ وما تذهب إليه الناشطة النسوية بأن جوهر العقيدة الإسلامية لا يُخالف التجديد. وأن تاريخ التراث الإسلامى مليء بتلبيس النصوص، واقتطاع الأحاديث من سياقها، والتمسّك بتفسيرات للشريعة الإسلامية كانت صالحة وقتها لحياة البداوة والحياة القبلية، ولم تعد كذلك اليوم.

تُغطى دراسة الدكتورة ميّة الرحبى جميع أحكام الأحوال الشخصية للمرأة المسلمة من الزواج والطلاق والإرث والحجاب، إلى ولاية المرأة وشهادة المرأة وعمل النساء وتعليمهن، وسفرها، وحتى أحكام الزنى والمحيض والختان. تقطع الرحبى الاستنتاج، الذى أصبحنا نكرّره اليوم، أنه لا توجد نصوص فى القرآن والسنة تحول صراحة أو ضمنا بين زواج المسلمة ورجل من أهل الكتاب، وأن مصدر التحريم هو الإجماع. ولطالما أكّدت آيات القرآن الكريم على التفريق بين لفظتى «المشرك، الكافر» و«الكتابي».
أمّا أحكام الإرث والمواريث، فالاجتهادات فيها خضعت لتأثيرات اجتماعية وسياسية كثيرة. وفيما يخص مسألة «للذكر مثل حظ الأنثيين»؛ يذهب بحث ميّة بأنه «حكم جزئى استُل من سياقه» كما العادة.

أحكام المواريث التزمت بأمر الإنفاق على الآخر. فهى مقرونة بهذا الشرط، والذى كان وفقا للعادات القبلية والبدوية وقتها، واجبًا محصورًا للرجال، أن ينفق الزوج على زوجته والولد على أخته وأمه وهكذا. وحتى فى هذا جرى الخلاف الشهير بين أبى بكر وفاطمة على ميراثها من أبيها الرسول.

الأوضاع اليوم فى ميزان آخر. المرأة العصرية اليوم تُنفق على نفسها، والأرملة على أولادها، وربما فى كثير من الأحوال على بيتها وفى حياة الزوج. تكتب الرحبي: «الكثير من الإخوة لا يتذكّرون الشريعة إلا عند تقسيم المواريث، ينسون دينهم عندما يستولون على حصة أختهم، ليقفوا بعد لحظات مُصليّن خاشعين رافعين أصواتهم بالدعاء».

 «الإسلام والمرأة.. قراءة نسوية فى أسس قانون الأحوال الشخصية» مية الرحبي

«الإسلام والمرأة.. قراءة نسوية فى أسس قانون الأحوال الشخصية» مية الرحبي

أترك تعليق

مقالات
يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن نتحول بين ليلة وضحاها إلى دعاة سلام! والسلام المقصود هنا هو السلام التبادلي اليومي السائد في الخطاب العام.المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015