مادي سافدج/ بي بي سي- رغم زيادة المرونة في العمل في الآونة الأخيرة، يقول كثير من الموظفين العزاب إنهم لا يزالون يعملون لساعات أطول ليحلوا محل زملائهم الذين لديهم أطفال. ولذا، ينصح المدربون المهنيون هؤلاء بأن يواجهوا التمييز ضدهم في مكان العمل.
أمضت جانيكا شاكا ساعة الاستراحة في منتصف أحد أيام العمل في ترتيب درس طهي لتفاجيء به صديقة مقربة كانت قادمة لزيارتها من خارج المدينة. لكنها تأخرت في الرجوع إلى الشركة بسبب الازدحام المروري، ووصلت في النهاية إلى مكتبها بعد انتهاء استراحة الغداء بخمس دقائق.
وتقول شاكا: “أمطروني بالأسئلة واضطررت للبقاء بعد وقت المغادرة وأُسندت إلي أعمال إضافية. لكنني أعرف أنني لو كنت تأخرت لأنني كنت اصطحب طفلي إلى الطبيب، لما لامني أحد على التأخير، بل ربما كان سيسمح لي بأخذ إجازة لبقية اليوم”.
لقد حدث ذلك منذ عقد مضى، حين كانت شاكا تعمل في قسم الموارد البشرية في غوادالاخارا، بالمكسيك. إلا أن تجربتها تتطابق مع أسلوب في التعامل مع غير المتزوجين، تقول شاكا إنها صادفته بنفسها في العشرينيات من عمرها، أثناء عملها في شركات تعد من بين أفضل مئة شركة على مستوى الولايات المتحدة والمكسيك، بحسب تصنيف مجلة فورتشن، ولم يختلف الأمر حين كانت عزباء وحين أقامت علاقات عاطفية ولم تنجب أبناء.
وتقول شاكا إن الزملاء في العمل الذين لديهم أطفال لهم الأولوية في اختيار مواعيد الإجازات السنوية التي يفضلونها، في حين يجد العاملون العزاب أو الذين لم ينجبوا أطفالا صعوبة بالغة في الحصول على إجازة لرعاية أقاربهم المسنين، أو يُطلب منهم السفر في رحلات عمل أكثر من غيرهم.
وتقول تشاكا: “يزعم الزملاء في العمل أن الموظف الأعزب يمكنه إلغاء أي شيء أو ليس لديه هموم والتزامات في الحياة. ولكن في الحقيقة، حياة الأعزب أعلى تكلفة من حياة المتزوج، لأنك تضطر لقضاء احتياجاتك كلها بنفسك وليس لديك من تعول عليه ماليا إذا حدث أي مكروه”.
وبينما من الصعب الحصول على إحصاءات مادية تثبت وجود تحيز غير مباشر ضد الموظفين العزاب في مكان العمل، فقد توصلت دراسة حديثة في المملكة المتحدة، استطلعت آراء 25 ألف موظف، إلى أن ثلثي النساء اللائي تتراوح أعمارهن ما بين 28 و40 عاما ولم ينجبن أطفالا، شعرن أن مديريهم يتوقعون منهن أن يعملن لساعات أطول من زملائهن الذين لديهم أطفال. وقد بدأ عدد متزايد من العاملين والمدرسين والباحثين الجامعيين والمحللين في توثيق هذه الحالات.
أعباء العمل
أجرى إيريك كلينينبرغ، أستاذ علم الاجتماع بجامعة نيويورك، أبحاثا في إطار إعداده لكتابه “العيش منفردا”، وحاور خلالها مئات العزاب في أوروبا وأمريكا، ولاحظ أن “العزاب ينظر إليهم في مكان العمل على أنهم من يجب أن يتحملوا أعباء العمل”.
ويقول كلينينبرغ: “قابلت موظفين لا حصر لهم يشكون من أن مديريهم يفترضون أنهم دائما مستعدون لتولي المهام التي تتطلب البقاء في أوقات متأخرة من الليل والعمل في عطلة نهاية الأسبوع، لأنهم ليس لديهم أزواج ولا أبناء”.
ويضيف: “وفي حالات قليلة، قابلت نساء أفصحن لي بأن مديريهن رفضوا منحهن زيادة الراتب التي يستحقونها لأنهم يرون أنهن لا يحتجن إليها بقدر ما يحتاجها زملائهن الذين يعيلون أطفالا”.
وتبحث بيلا ديباولا، أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا، بمدينة سانتا باربرا، في هذه الظاهرة في كتبها ودراساتها، وصاغت عبارة “التمييز ضد العُزاب” لإبراز النظرة السلبية والصورة النمطية الراسخة عن العُزاب وما يتعرضون له من تمييز، إذ ترى أن هذه النظرة للعزاب منتشرة في أماكن العمل وفي المجتمع ككل.
وترى ديباولا أن الكثير من أصحاب العمل يغفلون عن جانب مهم من حياة الموظفين غير المتزوجين، فهؤلاء الموظفون لا يعيشون بمفردهم وليسوا منعزلين، بل على الأرجح يتفاعلون ويندمجون مع مجتمعاتهم وتربطهم علاقات قوية بأصدقائهم، الذين “يعتبرونهم أفراد أسرتهم، حتى لو لم يكونوا أسرة بالمعنى التقليدي”.
إذن، كيف يتصرف الموظفون العزاب إذا تعرضوا للتمييز بسبب اختياراتهم الشخصية في الحياة أو وضعهم الاجتماعي، دون أن يضعوا مستقبلهم المهني وسمعتهم في مهب الريح؟
أول نصيحة يسديها ديفيد كارتر، مرشد أعمال بالمملكة المتحدة: “لا تكثر من الشكوى والتبرم بسبب أوضاعك”.
ويرى كارتر أن “الإجابة في تكوين جماعة من غير المتزوجين”. ويقول إنه يجدر بالزملاء غير المتزوجين أن يفكروا في التضامن معا للوقوف على مواطن الخلل في ممارسات الشركة واقتراح تغييرها بما يصب في مصلحة المؤسسة على نطاق أوسع، وبهذا سيبرهنوا أيضا على مهاراتهم في حل المشكلات.
وربما بات تكوين جماعة من الموظفين العزاب الآن أسهل من أي وقت مضى، بعد أن زاد عدد الأشخاص الذين يؤجلون الزواج أو لا يتزوجون على الإطلاق بمعدلات غير مسبوقة.
وأشارت دراسة صدرت عن مركز بيو للأبحاث عام 2014 إلى أن واحدا من بين كل أربعة بالغين في الولايات المتحدة لم يسبق له الزواج عند بلوغ الخمسين من العمر. وقد خلصت دراسة للوكالة الأوروبية للإحصاء “يوروستات”، حول نوعية الأسر في الاتحاد الأوروبي وحجمها، في عام 2016، إلى أن الأسر الأكثر شيوعا في الاتحاد الأوروبي مكونة من فرد واحد.
ومن بين الأساليب التي يفضلها كارتر لضمان المساواة إقامة نظام لتقاسم النقاط الاقتصادية، على أن تحتسب هذه النقاط رقميا أو باستخدام أشياء مادية، بحيث يتبادل من خلالها الموظفون الساعات أو المهام، ويساعدون غيرهم في المقابل. وإذا كانت النقاط في رصيد كل موظف لا تتجاوز خمس نقاط، سواء كان مدينا أو دائنا، سيضمن الجميع أن المهام والساعات موزعة بين الموظفين بإنصاف.
ويقول كارتر: “أيا كان الغرض من الإجازة، سواء كنت تريدها لتمارس القفز من المرتفعات، أو تتسوق لأعياد الكريسماس، أو للمواعدة، أو حتى لتصطحب أبناءك لحضور مسرحية في المدرسة، فإن ما يهم هو أن تعمل 40 ساعة في الأسبوع في الوقت الذي يناسبك”.
ولا ينكر كارتر الذي يسمح للموظفين في شركته بالعمل “أينما شاؤوا وحينما يفضلون، طالما سينجزون المهمة في النهاية”، على حد وصفه، أن النظام القائم على النقاط الذي يقترحه قد يصعب على الشركات الكبرى تنفيذه. لكنه يشدد على أن الشركات التي تخفق في التوصل إلى طرق لزيادة المرونة في العمل مع جميع الموظفين ستخسر في نهاية الأمر ما لديها من مواهب.
ويقول كارتر: “لم تنقرض الديناصورات من فراغ. وإذا لم تساير الأوضاع الحديثة وتتحلى بالمرونة، والتي تعد جزءا من طريقة تفكير أبناء جيل الألفية، سواء عند توظيف الكفاءات أو للحفاظ عليها، ستلقى نفس مصير الديناصورات”.
التعرض للتمييز
أوردت شيريل ساندرغ، مديرة عمليات فيسبوك، في كتابها “تقدمي إلى الأمام” رأيا مشابها، كثيرا ما يستشهد به في هذا الصدد، حول قصة إمرأة عزباء شعرت أنه لابد أن يعد حضور حفل سببا لا يقل وجاهة عن حضور مباراة كرة قدم يشارك فيها الأبناء، لتبرير مغادرة العمل في الموعد المقرر. فهي تحتاج لمقابلة وجوه جديدة حتى تقيم أسرة وتنجب أطفالا أيضا.
وتقول ساندبرغ في نصيحتها للمديرين: “تأكد من أن الموظفين العزاب يدركون أن لهم كل الحق، كغيرهم من الموظفين، في الاستمتاع بحياتهم كما يشاؤون”.
ولكن رؤساء شركات أخرى يرون أن التعامل بمرونة مع جميع الموظفين على حد سواء، يسهل قوله ويصعب تطبيقه.
يقول جوناس ألميلينغ، رائد أعمال سابق وتقلد منصب رئيس الابتكارات بمؤسسة للتصدير والتجارة بالسويد، وأب لطفل واحد: “تختلف طريقة تفكير الآباء والأمهات عن غيرهم ممن لم ينجبوا أطفالا. ولن تستطيع أن تدرك مدى التغير الذي يحدثه إنجاب الأبناء في حياتك وأولوياتك إن لم يكن لديك أبناء”.
ويتابع: “بالتأكيد لن أتعامل بنفس القدر من المرونة مع الموظف الذي يقول لي ‘عذرا! سأغادر العمل لأذهب في نزهة على متن زورق’، مقارنة بمن يطلب مغادرة العمل لإحضار ابنه من الحضانة”.
ويضيف: “ولكن في الوقت نفسه، فإن الموظف الذي تحرص الشركة على الحفاظ عليه يعيش حياة مرفهة، بغض النظر عن خياراته في الحياة. ولذا ربما نحتاج أن نكون واسعي الأفق في التعامل مع الموظفين”.
وبعد عشر سنوات من تنظيم درس الطهي، أصبحت جانيكا شاكا الآن مدربة أعمال ومستشارة وموزعة ملفات صوتية ومرئية ناجحة. ولا تنكر شاكا أنها كانت تشعر بوخز الضمير في السابق عندما تطلب إجازة في الوقت الذي قد يحتاج فيه الزملاء الأخرون إلى هذه الساعات لقضائها مع أطفالهم.
وفي بعض الأحيان كانت تشعر أن عليها تهويل الأسباب التي تسوقها للمغادرة في الموعد المحدد، حتى لا تبدو أمام الأخرين أنها لا تكترث لظروف غيرها من الزملاء الذين لديهم أطفال.
وبعد أن تركت شاكا العمل في الشركات وانخرطت في العمل الحر، تنصح عملاءها بتجنب هذا الشعور عند المطالبة بإجازات.
وتقول شاكا: “لا تشعر أنك مهدد ولا تندم على اتخاذ قرار الحفاظ على التوازن بين الحياة الأسرية والعمل، سواء كان لديك أطفال أم لا”.
وتنصح شاكا بإجراء بحث شامل عن بيئة العمل في الشركة التي تجري مقابلة فيها وسياساتها قبل الالتحاق بها. وإذا حصلت على الوظيفة، توصي شاكا بالامتناع عن إقامة صداقات على مواقع التواصل الاجتماعي مع زملاء العمل، وبهذا لن تمنحهم الفرصة لإبداء الرأي في صور الأنشطة التي تمثل أهمية لك، وكنت قد غادرت العمل في الموعد المحدد لتحضرها في المساء، أو طلبت من أجلها أجازة لتحضرها في النهار.
وتقول شاكا: “ابحث عن الشركة التي لا تسأل، أو بالأحرى لا تهتم، بالأسباب التي دعتك لطلب إجازة. فأنت ستحصل على الترقية وفقا لمهارتك وذكائك، وليس بالعمل الشاق أو البقاء لساعات طويلة في مكان العمل”.