“رجل سياسي” هكذا يشترط الدستور الإيراني أن يكون مرشح الرئاسة، لكن هذا قد لا يكون شرطًا بعد الآن في انتخابات 2017. وحينما يتوجه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الجمعة القادم، فإنهم سيتختارون بين مجموعة من المرشحين جميعهم من الرجال. ومضي تاريخ الجمهورية الإسلامية، الممتد منذ نحو أربعة عقود، لم يُسمح للمرأة بالترشح لمنصب الرئيس.
إيران/وكالات- أعلن عباس كد خدايي، المتحدث باسم لجنة الانتخابات الإيرانية، السبت، عن إمكانية خوض المرأة انتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها مايو المقبل. وقال في مؤتمر صحفي، إن “مجلس صيانة الدستور، المعني بالنظر بأهلية المرشحين، وتفسير المواد القانونية المختلف عليها، وأضاف أن الخلاف يتركز حاليًا على مستوى التعليم والشهادة، التي تؤهل المرأة للترشح للرئاسة. وأوضح المتحدث باسم لجنة الانتخابات، أن شهادة الماجستير، أقل درجة تعليم تسمح للترشح للانتخابات الرئاسية، بحسب الدستور الإيراني.
الماة 115 حجر العثرة
كما أشار إلى أن مجلس صيانة الدستور سيعلن نتائج تفسير المادة 115 من الدستور الإيراني، التي تشترط أن يكون الرئيس للبلاد “رجلًا سياسيًا”، ووقتها سيتم حسم هذا الجدل بشكل نهائي.
وكان رئيس تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، قال إن “المادة 115 من الدستور، التي تشترط أن يكون الرئيس رجلًا سياسيًا، تشمل المرأة بتولي هذا المنصب”، مضيفا “عندما كتبنا الدستور، بعد انتصار الثورة عام 1979، تركنا هذه المادة غامضة، لأن الوضع لم يكن يسمح للمرأة بتولي منصب الرئيس، كما أن المادة لا تمنع المرأة من تولي هذا المنصب”.
وبحسب وكالة “فارس” الإيرانية، فإن مصطلح “رجلا سياسيا” لا يعني بالضرورة (جنس الرجال، دون النساء) في مفهوم اللغة الفارسية، ويمكن أن يشمل الإناث، إضافة إلى الذكور.
ففي الغة الفارسية، كلمة رجال ليست فقط بمعنى ذكور، إنما تعني كذلك الأفراد الصالحين.
ووفقًا للمادة (98) من الدستور، فإن مجلس صيانة الدستور، المنوط بعملية تفسير هذه المادة، وحاول نواب في مجلس الشورى حسم الخلاف، من خلال إضافة مادة إلى القانون، لكن المادة حذفت بالكامل، عندما نوقش القانون في المجلس بصورة علنية.
وكان مجلس صيانة الدستور رفض ترشيحات للمرأة في الانتخابات الرئاسية السابقة، منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
لكن هذا لم يقف حائلا أبدا أمام محاولة المرأة الإيرانية للترشح لهذا المنصب الرفيع؛ حيث مضت هذا العام 137 امرأة لخوض الانتخابات، أبرزهن أعظم طالقاني (72 عاما) النائبة السابقة في البرلمان وابنة رجل دين شهير.
سجلت طالقاني اسمها للترشح في معظم الانتخابات الرئاسية في إيران منذ عام 1997، عاقدة العزم على تحدي الصياغة القديمة والغامضة للدستور الإيراني، التي تُفسر تقليديا على أنها تمنح الرجال فقط الحق في تولي منصب الرئيس.
وتركز طالقاني على أن معايير الترشح يمكن أن تنطبق على الرجال والنساء على حدٍ سواء، وأنها كسياسية محنكة تحظى بمؤهلات بارزة لخوض هذا السباق.
لكن مجلس صيانة الدستور، الذي يمثل الجهة الرقابية للانتخابات، كان له رأي آخر، واستبعدها من جميع محاولاتها السابقة للترشح.
وبالرغم من ذلك، توجهت طالقاني، التي أصبحت الآن نحيلة البدن وتتحرك باستخدام أداء للمشي، إلى مبنى وزارة الداخلية في مارس/آذار الماضي بعزم شديد لتُاحرز اسمها في كشوف المرشحين، لكنها فشلت مرة أخرى في الترشح.
لن تحكم
لن تحكم امرأة.. هذا ما تؤكد عليه المؤشرات، ليس فقط لمتها دستوريًا، لكن لا يوجد اسم امراة مطروح بقوة، لخوض هذا السباق، بل إن المؤشرات تؤكد على أن الرئيس الحالي حسن روحاني، سيحظي بولاية جديدة.
ورغم أنه لا يُسمح للنساء بالترشح في الانتخابات، فإنهن يمثلن أقل قليلا من نصف عدد الناخبين. لذا، تحظى أصواتهن بأهمية كبرى، ويسعى مرشحو الرئاسة في اكثـر الأحيان للتواصل معهن وكسب أصواتهن.
ونشر الرئيس الحالي، حسن روحاني، في الأيام الأولى من حملته الانتخابية صورة له على وسائل التواصل الاجتماعي أثارت موجة من التعليقات. وظهر روحاني في الصورة وهي يتنزه في يوم عطلة في الجبال، وبجواره شابتان من هواة التسلق، ترتديان حجابا لا يُعد لائقا من وجهة نظر المتشددين.
وكانت هذه رسالة واضحة للمرأة الشابة والعصرية بأنه المرشح الذي لا يعبأ علنا بقواعد الزي الصارمة في إيران، وغيرها من القيود على الحريات الاجتماعية.
وحرص المقطع الذي نشرته حملة روحاني على الإشادة بإنجازات المرأة الإيرانية في مجال العمل والرياضة، والتأكيد على دعمها. وروحاني هو أيضا المرشح الوحيد الذي عقد حتى الآن تجمعا انتخابيا موجها للناخبات.
وقد حظي روحاني بترحيب هائل من آلاف الشابات اللائي تجمعن في ملعب “شيرودي” في طهران هذا الأسبوع. وكان العديد منهن يرتدين الحجاب الأرجواني، لون حملة روحاني، وحمل الكثير منهن لوحات تطالب بالمزيد من الحقوق والحريات.
كما لاقت النائبة البرلمانية المعروفة، بروانه صلاح شوري، تحية كبيرة من الحضور حينما أكدت أمامهن أنه يجب على شرطة الأخلاق أن تتخلي النساء في حالهن، وتركز على محاربة الفساد بدلا من ذلك.
اعتلى روحاني المنصة وحوله عدد من النائبات، ووبخ بشكل غير مباشر منافسه المتشدد إبراهيم رئيسي، بسبب موقف المحافظين من عمل المرأة ووصفه بأنه أقل أهمية من دورهن كزوجات وأمهات.
وتساءل: “هل أنت الشخص الذين سيمنع النساء من الخروج للعمل؟ إذا كنت فعلا تؤمن بعمل المرأة، فلماذا لم تفعل أي شيء حيال ذلك؟”
ويواجه رئيسي، الذي ينتمي لغلاة المحافظين، مصاعب واضحة في كسب ود الناخبات الشابات اللائي يتبنين أفكارا عصرية ومنفتحة. لكن هذا الأمر لم يمنعه من المحاولة، إذ أنه دأب خلال حملته الانتخابية على الحديث عن زوجته، التي تحمل شهادة الدكتوراة وتعمل أستاذة جامعية.
واضاف رئيسي في تصريح صحفي حديثآ: “لا أمانع تناول عشاء بارد حينما تضطر زوجتي للعمل حتى وقت متأخر.”
ويشكك معارضو رئيسي في اهتمامه المفاجئ بحقوق المرأة؛ حيث كانت صورة لحملة رئيسي الانتخابية مثارا للسخرية حديثآ من جانب المعتدلين، بسبب الفصل فيها بين الرجال والنساء من أنصاره.
أول امرأة تترشح
منذ نحو خمسة عشر عاما، كانت أعظم طالقاني، ابنة أحد أشهر رجال الثورة الإسلامية، أول امرأة ترشح نفسها لانتخابات الرئاسة الإيرانية، مصرّة على أن كلمة “رجال”، الواردة في القانون، لا تمنع المرأة من تولي المنصب، غير أن مجلس أمناء الدستور رفض ترشيحها.
وعندما رفضت في 2009، عزا عباس كدخدايي، الناطق الرسمي باسم المجلس، الرفض إلى أسباب تتعلق بعدم الصلاحية العامة لهذا المنصب، وليس بسبب أنها امرأة.
وكتبت طالقاني، مقالًا تحت عنوان: “إذا كان المقصود الذكور، فذلك يعني ظلمًا في حق ما يزيد عن 30 مليون امرأة إيرانية”، قائلة: “عندما رشحت نفسي للمرة الأولى، كنا تسع نساء، ووصل عددنا اليوم إلى 90 امرأة يرغبن في الترشح، ومن واجب مجلس الصيانة، أن يعيد النظر في موقفه، قبل أن يصل العدد إلى تسعة ملايين”.
وفي أخر انتخابات رئاسية عام 2013، تقدمت 30 سيدة لخوض الانتخابات الرئاسية، لكن تم استبعادهن من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني.
المرأة الإيرانيةوالانتخابات
ويرى الكثيرون أن الآراء الحقيقية لرئيسي تقترب في حقيقة الأمر من آراء المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يُرجح أن رئيسي سيخلفه.
ويُعرف عن خامنئي رفضه للمساواة بين الجنسين باعتبارها “فكرة غربية فاشلة”، ويركز على أهمية دور المرأة الإيرانية في المنزل والعائلة.
ولجأ المرشح المنسحب محمد باقر قاليباف، وهو عمدة طهران وكان من أبرز المرشحين، إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمخاطبة النساء. ونشر قاليباف حديثآ صورة له برفقة شباب من الأكراد الإيرانيين، من بينهم فتيات يرتدين أغطية رأس ملونة، يظهر شعرهن أسفلها بوضوح.
لكن رواد مواقع التواصل الاجتماعي لم ينسوا تذكير قاليباف بمقترحاته السابقة بالفصل بين الرجال والنساء في مكان العمل في طهران. ووجه الرئيس روحاني انتقادات عديدة لقاليباف للسبب ذاته.
وبالإضافة إلى الانتخابات الرئاسية، سيتوجه الناخبون أيضا لاختيار مجالس محلية جديدة، وهي الانتخابات التي تشهد مشاركة للمرأة كمرشحة وناخبة، وتحظى بتأثير أكبر.
واحرزت المرأة فوزا قياسيا في الانتخابات المحلية التي أُجريت قبل أربع سنوات، وتأمل العديد من النساء تكرار هذا الإنجاز مرة أخرى.
ولا يزال التمثيل الإجمالي للنساء في المجالس المحلية والبرلمان ضعيفا، وجاءت إيران في المرتبة 177 من 193 في تقرير الأمم المتحدة حول مشاركة المرأة في الحياة السياسية لعام 2017.
لكن مشاركة المرأة في المجالس المحلية كان لها تأثير أكبر، وهو المجال الذي يمكن للمرأة أن تُحدث فيه فرقا بشكل واضح.
وبالعودة إلى الحملة الانتخابية في طهران، تستمع الناخبات باهتمام إلى الوعود التي يُطلقها المرشحون.
ويتساءل العديد من النساء إذا كان هذا الخطاب سيُترجم إلى سياسات على الأرض، تعالج بالفعل العديد من الضغوط اللائي يواجهنها في حياتهن اليومية.
وقد شاركت أعظم طالقانی، التي سعت دون جدوى للترشح للانتخابات، في اجتماع انتخابي بجامعة أمير كبير. وأكدت طالقاني خلال الاجتماع أنها ستواصل حملتها من أجل السماح للمرأة بالترشح لانتخابات الرئاسة، لكنها أوضحت أنها في هذه المرحلة ستصوت لصالح الرئيس روحاني في الانتخابات المقبلة يوم الجمعة.
وقالت أمام الطلاب: “ربما لن يكون لدينا مطلقا رئيسة للبلاد، لكن هذا لا يعني حرماننا من حق الترشح”.
المرأة في البرلمان
هناك زيادة ملحوظة في مشاركة المرأة في النواحى السياسية في إيران، ففي مايو الماضي، انتخبت 17 امرأة، شكلن نسبة 6 في المئة من مجموع نواب البرلمان، البالغ عددهم 290 نائبا.
وارتفعت نسبة النساء المشاركات، بعد أن كان البرلمان يضم تسع نساء فقط.
ولطالما أعلن الحزب المحافظ في إيران، أن المرأة الإيرانية لا يحق لها الدخول في مثل هذه الاستحقاقات السياسية.
ورصدت صحيفة الجارديان قبل الانتخابات الأخيرة، أن 49 امرأة فقط دخلوا البرلمان، منذ العام 1979.
وفي أكتوبر الماضي، انطلقت حملة تدعى “نحو تغيير الوجه المذكر في البرلمان”، التي انطلقت بهدف زيادة عدد مقاعد المرأة في البرلمان الإيراني.