موقع (الحرّة)- على الرغم من أن المرأة نادراً ما تخوض الحروب، فإنها تُستَغَلّ كطرفٍ فيها وتعاني من أسوأ عواقبها.. فوز الأيزيدية ناديا مراد والطبيب الكونغولي دينيس مكويغي بجائزة نوبل للسلام ألقى الضوء على قضية “العنف الجنسي كسلاح حرب” في النزاعات حول العالم.
وتقول الأمم المتحدة في أحد تقاريرها إنّ “العنف المرتكز على الجنس بما في ذلك الاغتصاب، يشكّل سلاح حرب مقيتاً هو الأكثر استخداماً”، مشيرةً إلى أنّ مثل هذه الأفعال تؤدّي في الغالب إلى تمزيق عائلات وتحطيم مجتمعات على مدى أجيال.
ونستعرض أهم الحالات التي تعرّضت فيها نساء للعنف الجنسي وأهمّها ما ارتكبه داعش في سورية والعراق، إلى جانب اغتصاب النساء المسلمات في ميانمار، كإحدى أدوات القمع التي تستخدم ضد أقليّة الروهينغا.
داعش- سورية والعراق
تغيّرت حياة مراد التي حازت على جائزة نوبل للسلام الجمعة، عندما بدأت رحلة ظلام، بعد اجتياح تنظيم داعش بلدتها في آب/أغسطس 2014، حين تعرّضت مع أبناء جلدتها من رجال ونساء للاضطهاد والقمع، لتتحوّل النساء إلى ضحايا الرقّ الجنسي. خُطِفَت مراد من قريتها ثم نُقِلَت إلى مدينة الموصل معقل تنظيم داعش حينها، وكانت بداية كابوس دام لأشهرٍ بعدما تعرّضت للتعذيب والاغتصاب الجماعي، قبل أن يتمّ بيعها مراراً بهدف الاستعباد الجنسي.
وقال تقريرٌ للأمم المتحدة في آذار/مارس الماضي إنّ تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات المُسَلّحة المتشدّدة في سوريا أعدمت نساءً ورجالاً وأطفالاً بتهمة الزنا وأرغمت بنات على الزواج واضطّهدت المثليين.
كما أعربت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع براميلا باتن عن تعاطفها الكبير مع النساء والفتيات اللائي تعرّضن للاغتصاب وأُرغِمن على الاستعباد الجنسي من قبل عناصر داعش في العراق، وقالت إن هناك “نقصاً فظيعاً” في دعمهِنّ.
وصرّحت باتن في مؤتمرٍ صحافي بعد عودتها من زيارةٍ للعراق بأنّ بعض هؤلاء الضحايا مثل “الجثث الحيّة”. وأضافت أنهن يعانين من الحبس في المخيّمات بسبب الوصمة المزدوجة النابعة من كونهن ضحايا للعنف الجنسي والخوف من اعتبارهن تابعاتٍ لداعش.
وما يضاعف معاناة الضحايا وفق باتن، خوفهنّ من الاعتقال إذا ما أقدمن على الخروج من المخيّمات، لدرجة أن بعضهنّ لم تتح لهنّ حتى فرصة الاستفادة من الدعم النفسي والاجتماعي المحدود داخل المخيمات.
وبحسب مسؤولين معنيين بشؤون الإبادة الجماعية وزعماء دينيين فإنّ هناك نحو 3154 مفقوداً من الأيزيديين بما في ذلك 1471 امرأة وفتاة، مقابل 1200 من التركمان بينهم 600 امرأة و 250 طفلا.
النظام السوري
يستخدم النظام السوري العنف الجنسي ضد الإناث والذكور لإجبارهم على الاعتراف، أو لانتزاع معلوماتٍ أو للعقاب أو لترويع المعارضين. وفي آذار/مارس الماضي، قال محقّقون تابعون للأمم المتحدة إن قوات الحكومة السورية والقوات المتحالفة معها استخدمت الاغتصاب والاعتداء الجنسي على النساء والفتيات والرجال في حملةٍ لمعاقبة مناطق المعارضة وهي أفعالٌ تشكّل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وذكر التقرير أن القوات الحكومية اغتصبت مدنيين من الجنسين أثناء تفتيش منازلهم وأثناء عملياتٍ برية في المراحل الأولى من الصراع وبعد ذلك عند نقاط التفتيش وفي مراكز الاعتقال. وأصغر ضحية لمثل هذه الجرائم فتاةٌ تبلغ من العمر تسع سنوات.
وقال التقرير إن “اغتصاب النساء والفتيات موثّق في 20 من أفرع المخابرات السياسية والعسكرية التابعة للحكومة واغتصاب الرجال والصبية موثّقٌ في 15 منها”.
ولم يذكر الخبراء، الذين يجمعون قوائم سرية للمشتبه فيهم منذ عام 2011، أسماء أفرادٍ ارتكبوا هذه الجرائم لكنهم قالوا إنهم وثّقوا “عدداً كبيراً” من حالات الاغتصاب التي ارتكبها ضباط كبار.
وقالت كارين أبو زيد وهي أميركية ضمن أعضاء لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إن بعض النساء “اللائي أجريت معهن مقابلات قلن إن القتل أهون عليهنّ من الاغتصاب”.
وأضافت أن “بعض السيدات والفتيات أقدمن أحياناً على الانتحار بسبب الإساءات اللفظية اللائي عانينها في منازلهنّ ومجتمعاتهنّ”.
حتى الرجال لم يسلموا
وقالت أبو زيد إن وقائع اغتصاب الرجال والفتيان غالباً ما يتم تجاهلها على الرغم من أنها مدمّرةٌ لهم أيضاً. وأضافت “إنها جريمة بشعة إلى أبعد حدّ. نعلم أنها مروّعة للنساء لكنها شديدة السوء للرجال أيضاً”.
وتابعت قائلةً “أُجبِروا على ممارسة الجنس مع بعضهم البعض أو مع أقارب. يبلغونك عن فقدانهم رجولتهم وعن إصابتهم بالعجز الجنسي. تعرّضوا لاغتصابٍ جماعي أو انتهاكات باستخدام أدوات مما كان له تداعياتٌ صحية خطيرة”. وتابعت أنّ الضحايا عانوا من الخزي والاكتئاب والسلس البولي والعجز الجنسي والإجهاض والنبذ من أسرهم.
اغتصابٌ جماعي لنساء الروهينغا
أورد تقرير نهائي الشهر الماضي لمحققين من الأمم المتحدة سلسلة طويلة من التجاوزات التي ارتكبت في ميانمار ضد أقليّة الروهينغا المسلمة في 444 صفحة، من بينها “اغتيالات” و”حالات اختفاء” و”تعذيب” و”أعمال عنف جنسية” و”عمل قسري” وهي تشكّل “الجرائم الأفدح في نظر القانون الدولي”.
وأفاد تقريرٌ لوزارة الخارجية الأميركية صدر في أيلول/سبتمبر الماضي أن 82 في المئة من اللاجئين الذين شملتهم دراسةٌ قامت بها، شاهدوا عمليات قتل، و51 في المئة منهم أكّدوا وقوع أعمال عنف جنسية.
ويستند التقرير إلى مقابلاتٍ أُجريَت في نيسان/أبريل مع 1024 من الروهينغا البالغين ممن لجأوا إلى بنغلاديش المجاورة.
وقالت وزارة الخارجية إن شهود العيان الذين قَدِموا من قرى عدّة، أكّدوا وقوع عمليات اغتصاب، مع إجبار عناصر الجيش جميع النساء على مغادرة منازلهِنّ.
ويضيف التقرير “بعد ذلك يختارون مجموعةً أصغر من النساء، عادةً أربع أو خمس، لكن بعض اللاجئين تحدّثوا عن 20، يأخذهم 15 جندياً إلى حقول وغابات ومنازل ومدارس أو إلى المراحيض، لاغتصابِهِنّ بشكلٍ جماعي”.
وقال التقرير إن “العديد من الضحايا قُتِلن فيما بعد كما يُعتقد، لكن ليس في معظم الحالات” مضيفاً بأنّ الجنود في بعض الحالات يذهبون من منزلٍ إلى منزل بحثاً عن “أجمل الفتيات” لاغتصابِهنّ بشكلٍ جماعي.
الكونغو
في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية تعرّضت أكثر من 15 ألف سيدة وفتاة للاغتصاب في 2009، سواء من جانب المتمردين أو القوات الحكومية بحسب مسؤول قوة الأمم المتحدة هناك روجر ميس.
ويستخدم المتمرّدون الاغتصاب كسلاح حرب ضد المدنيين في شرق الكونغو؛ حيث تكثر الهجمات على المدنيين والتي تُلقَى مسؤوليتها على العديد من الحركات المسلحة وكذلك قوات الكونغو النظامية.
وكان الحائز على جائزة نوبل للسلام الطبيب النسائي دينيس مكويغي، قد أسس في عام 1999 مستشفى بانزي الذي صُمّم ليسمح بتسهيل عمليات الولادة على النساء، ومع الوقت تحوّل المركز إلى عيادةٍ لعلاج ضحايا الاغتصاب مع رعب حرب الكونغو الثانية (1998-2003) وجرائم الاغتصاب الجماعي.