الحركات النسوية من حيث علاقتها بالجندر
abstract painting on canvas

أماني أبو رحمة/couua- تنويه لا بد منه؛ يُفهم الجندر بوصفه الحالة الإجتماعية، والهوية الشخصية، ومجموعة العلاقات بين النساء والرجال ومع بعضهم البعض. لم يعد الجنس البيولوجي المدخل الوحيد أو المادة الأساسية للترتيبات الاجتماعية، لكنه تفاعل معقّد للجينات والهرمونات والفيسيولوجيا والسلوكيات. أما الجنسانية فهي بناء اجتماعي يرتكز على الفسيولوجيا ويجري التعبير عنهاعاطفياً.

كانت نقطة تركيز النسويات فيما يتعلّق بعدم المساواة الجندرية هي أنها ليست مسألة فردية، بل متأصّلة بعمق في بُنى المجتمعات. ينشأ عدم المساواة بين الجندرين في مؤسسات مثل الزواج والعائلة والعمل والاقتصاد، والسياسة والأديان والفنون وغيرها من المنتجات الثقافية، واللغة التي نتحدّث بها. ولذلك فإن تحقيق المساواة بين الرجال والنساء يتطلّب حلولاً اجتماعية وليس فردية.

ما أودّ تأكيده هنا هو أن المصطلحات الثلاث: الجنس والجندر والجنسانية؛ ليست قابلة للتبادل وليس بالضرورة أن تكون متوافقة. فصاحب/ـــة جنس معيّن ليس مرغماً/ـةً على الالتزام بمعايير المجتمع التي يفرضها على جندره ، كما أنّ جنسه/ـها وجندره/ـها لا يشي أبداً بتوجّهاته/ـها الجنسية التي تبقى شخصيّة جداً وهو/هي المخوّل/ـلة الوحيد/ة بالافصاح عنها.

نسويات إصلاح الجندر

بدأت الموجة الثانية من النسوية مع نسويات إصلاح الجندر: النسوية الليبرالية، والنسوية الماركسية الاشتراكية، والنسوية التنموية. وتعود جذورها إلى الفلسفة السياسية الليبرالية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على التوالي؛ الفلسفة التي طورت فكرة الحقوق الفردية، ونقد ماركس للرأسمالية في القرن التاسع عشر ومفهومه للوعي الطبقي، والسياسات المناهضة للاستعمار في القرن العشرين وأفكار التنمية الوطنية. حاولت نسويات إصلاح الجندر وضع المرأة في قلب هذه المنظورات.

النسوية الليبرالية من الناحية النظرية

تدّعي النسوية الليبرالية أنّ الاختلافات الجندرية لا تستند إلى البيولوجيا، وبالتالي فليس بين النساء والرجال كل هذا الاختلاف – إن إنسانيتهم المشتركة تطغى على تمايزهم الإنجابي. وإذا لم يكن النساء والرجال مختلفين، فلا ينبغي معاملتهم بشكل مختلف بموجب القانون. يجب أن يكون للنساء نفس الحقوق ونفس التعليم ونفس فرص عمل كالرجال تماما. تجسد هدف الحركة النسوية الليبرالية في الولايات المتحدة في تعديل الدستور بما يضمن تساوي الحقوق والذي لم يصادق عليه قط. (” لا يجوز انكار المساواة في الحقوق أو اختصارها بموجب القانون في الولايات المتحدة أو أي دولة بسبب الجنس “).

من الناحية السياسية، شكلت النسويات الليبراليات منظمات بيروقراطية إلى حد ما دعت الرجال للانضمام عليها. اهتم الليبراليون والليبراليات بالمصادر المرئية للتمييز بين الجندرين، مثل التميز في فرص العمل وعدم تكافؤ الإجور، واهتموا أيضا بحصول النساء على مناصب قيادية ومؤثرة في المهن والحكومة والمؤسسات الثقافية.

أخذت السياسات النسوية الليبرالية أسلحة مهمة من حركة الحقوق المدنية – مكافحة التمييز في التشريعات والعمل الإيجابي – واستخدامها لمكافحة عدم المساواة بين الجندرين، لا سيما في سوق العمل. يطالب العمل الإيجابي البحث بقوة عن المؤهلين لتصحيح عدم التوازن الجندري والعرقي في أماكن العمل. وهذا يعني تشجيع الرجال على التدريب للحصول على وظائف مثل التمريض والتدريس والسكرتارية، والنساء في مجالات مثل الهندسة، والبناء، والشرطة.

مع مجموعة متنوعة من المتقدمين المؤهلين، يتوجب على أصحاب العمل قانوناً توظيف عمال وعاملات وفق الكفاءة والحاجة لتحقيق توازن معقول في القوى العاملة، مع الالتزام بدفع اجور متساوية وفتح افاق وفرص تنافسية على قاعدة المساواة أيضا. كانت المساهمة الرئيسية للنسوية الليبرالية في اظهار كيف يميّز المجتمع الحداثي ضدّ المرأة.

في الولايات المتحدة الأمريكية، نجحت الليبراليات في كسر العديد من الحواجز أمام دخول المرأة في الوظائف والمهن التي كان يسيطر عليها الذكور سابقاً، وساعدت على المساواة في الأجور، كما نجحت في اجازة الإجهاض وغيره من الحقوق الإنجابية قانوناً. لكن النسوية الليبرالية لم تتمكّن من التغلب على الاعتقاد السائد بأن النساء والرجال مختلفون جوهرياً. كانت أكثر نجاحاً إلى حد ما في إثبات أنه حتى لو كانت المرأة مختلفة عن الرجل، إلا أنها ليست أدنى درجة.

النسوية الماركسية والاشتراكية

من المفترض أن تحليل ماركس للبنية الاجتماعية للرأسمالية ينطبق على الناس من أي خصائص اجتماعية. إذا كنت تملك وسائل الإنتاج، فأنت بلا شك عضو في الطبقة الرأسمالية؛ إذا قمت ببيع كدحك وعرق جبينك مقابل أجر، فأنت عضو في البروليتاريا. الأمر صحيح أيضاً بالنسبة للمرأة، غير أنه حتى نهاية القرن التاسع عشر، لم يكن يسمح للنساء المتزوجات في الدول الرأسمالية بامتلاك عقارات في بلادهن باسمهن وكانت الأرباح من أي أعمال يدرنها أو أجور يتقاضينها تسجل باسم أزواجهن. وعلى الرغم من أن ماركس أدرك أن زوجات العمال والرأسمالين يعملن في المنزل وفي رعاية الاطفال، أي أنهن عاملات فعلا، لم يكن في تحليله للرأسمالية مكان لربات البيوت. النسويات الماركسيات هنّ من قمن بمهمة إدراج ربات البيوت في بنية الرأسمالية. ربات البيوت مهمات وحيويات للرأسمالية، بل في لأي اقتصاد صناعي، وذلك لأن عملهن غير المدفوع الأجر في المنزل يحافظ على أرباب العمل والعمال ويعيد إنتاج جيل بعد آخر من أرباب العمل والعمال (وزوجاتهم في المستقبل).

علاوةً على ذلك، إذا ما مرّ الزوج البرجوازي بأوقات عصيبة فيما يتعلق بكسب عيشه، يمكن لزوجته أن تؤدّي أعمالاً لكسب العيش من المنزل، مثل الخياطة، أو وظيفة مؤقتة بدوام جزئي، عادة ما تكون من الأعمال المدرجة تحت تصنيف الياقات البيضاء. وعندما يقل أجر العامل عن المستوى المطلوب لإطعام عائلته، كما يحدث في كثيرٍ من الأحيان، يمكن لزوجته الخروج للعمل بأجر في المصانع أو المحلات التجارية أو بيوت الآخرين، أو تحويل المنزل إلى مصنع صغير ويصبح الجميع، بما في ذلك الأطفال أحياناً، عمالاً. عمل ربه المنزل، بأجر أو بدون أجر، هو لعائلتها وليس لها على الاطلاق.

تنتقد النسويات الماركسيات والاشتراكيات العائلة بشدة بوصفها مصدر اضطهاد المرأة واستغلالها. فإذا كانت المرأة تعمل لعائلتها في المنزل، فلا بد لها من الدعم، ولذا فهي تعتمد اقتصاديًا على “رجل المنزل” مثل أطفالها تماماً. وإذا كانت تعمل خارج المنزل، فلا زال من المتوقع ان تفي بواجباتها المنزلية على أكمل وجه، ولذلك ينتهي بها المطاف بالعمل ضعف الرجل، وعادة بأجر أقل منه بكثير.

هذا المصدر لعدم المساواة الجندرية تمت تسويته إلى حد ما في البلدان التي تمنح جميع الأمهات إجازة مدفوعة الأجر قبل وبعد ولادة طفل والتي توفر رعاية الأطفال بأسعار معقولة. لكن ذلك الحل يضع عبء الأطفال تماما على الأم، ويشجع الرجال على عدم المشاركة في المسؤوليات العائلية كليا. لمواجهة هذا الاتجاه، خصصت النسويات في حكومة النرويج جزءاً معيناً من إجازة رعاية الأطفال المدفوعة للآباء على وجه التحديد.

حققت نسويات الدول الشيوعية السابقة ما كانت تطمح اليه الليبراليات في الاقتصادات الرأسمالية بالنسبة للمرأة – وظائف بدوام كامل مع إجازة الأمومة و خدمة رعاية الأطفال المدعومة من الدولة. لكن الماركسيات والاشتراكيات يدعين أن دولة الرفاه قد تكون أبوية هي الأخرى، كل ما في الأمر أنها استبدلت البطريركية العامة بالبطريركية الخاصة. تقول نسويات هذا الاتجاه إن الذكور المسيطرين على السياسات الحكومية يضعون مصالح الدولة قبل مصالح النساء: عندما يحتاج الاقتصاد إلى العمال، تدفع الدولة تدفع ثمن إجازة رعاية الطفل؛ ولكن حين ينكمش الاقتصاد، تقلل الدولة الفوائد. بالمثل، عندما تحتاج الدولة أن تنجب النساء المزيد من الأطفال، فإنها تقلل من الإجهاض وخدمات منع الحمل.

حالة المرأة كجيش عمالة احتياطي ومنتج للاطفال لا يختلف في ظل الاشتراكية عما هو عليه في الرأسمالية. وبالتالي لن يكون حل مشكلة الاعتماد الاقتصادي للمرأة على الرجل ببساطة العمل بأجر، خاصة إذا استمرت الوظائف موزعة جندرياً وكانت أجور عمل النساء أقل من الرجال.

وضعت النسويات الاشتراكيات حلاً مختلفاً للقوى العاملة الجندرية عن برنامج الحركة النسوية الليبرالية للعمل الإيجابي. كان الأمر يتعلّق بمقارنة أهمية وقيمة العمل (القيمة المقارنة). إذ عند دراسة أسباب كون أجور العاملات أقل من العمال، وُجد أنه لم يتم تحديد جداول الأجور وفق حاجة سوق العمل، أو حسب قيمة العامل وعمله لصاحب العمل، أو ما يمتلكه العامل من تعليم ومهارات أخرى. يتم تعيين الرواتب تبعاً “للقيمة” التقليدية المتجذرة في الجندر والعرق وغيرها من أشكال التمييز. وتُقارن برامج القيمة المقارنة الوظائف في المهن النسائية التقليدية، مثل السكرتارية والتمريض، مع وظائف الرجال التقليدية، مثل ميكانيكا السيارات. تمنح هذه البرامج نقاط قيمة أعلى للمؤهلات المطلوبة والمهارات المستخدمة ومدى المسؤولية والسلطة على العمال الآخرين والخطر. ثم يتم تحديد الراتب للوظائف مقارنة بنقاط القيمة (التي تمثل “قيمة” الوظيفة).

على الرغم من أن برامج مقارنة القيمة لن تزيل التمييز بين الجندرين، يُجادل المؤيدون للنسوية أن رفع رواتب النساء اللواتي يقمن بوظائف النساء التقليدية يمكن أن يمنح غالبيتهن موارد اقتصادية من شأنها أن تجعلهن أقل اعتماداً على الأزواج أو فوائد دولة الرفاه كوسيلة للعيش.

النسوية التنموية

بتناولها للاستغلال الاقتصادي للمرأة في طريق دول ما بعد الاستعمار نحو التصنيع والتنمية، قامت النسويات التنمويات بتحليلات جندرية شاملة للاقتصاد العالمي. فالعاملات في البلدان النامية في أمريكا اللاتينية والوسطى ومنطقة البحر الكاريبي وأفريقيا يحصلن على أجور أقل من الرجال، سواء كن يعملن في المصانع أو يعملن بالقطعة من المنزل. من أجل العيش في المجتمعات الريفية، تزرع النساء الطعام، ويدرن المنزل، ويكسبن المال بأي طريقة ممكنة لتكملة ما يرسله أزواجهن المهاجرون.

تقسيم العمل جندرياً في البلدان النامية هو نتيجة لتاريخ طويل من الاستعمار. تحت الاستعمار تم تقويض مساهمات النساء التقليدية في إنتاج الغذاء لصالح المحاصيل القابلة للتصدير، مثل القهوة، واستخراج المواد الخام، مثل المعادن. ولذلك كان الرجال هم المفضلون لمثل هذا العمل، ولكن بالرغم من ذلك كانوا يتقاضون رواتب تكفي بالكاد للعيش. كان على أفراد الأسرة من النساء العمل من أجل اطعام انفسهن وأطفالهن، ولكن لأن الأرض الصالحة للزراعة كانت مصادرة، عشن هن أيضا على حافة الحياة، الحياة لمجرد الحياة.

قدمت الحركة النسائية التنموية مساهمة نظرية مهمة لمساواة وضع المرأة مع السيطرة على مصادر الاقتصاد. في بعض المجتمعات، تسيطر المرأة على موارد اقتصادية مهمة يكون لها بالتالي مكانة عالية. في المقابل، في المجتمعات ذات البنى العائلية البطريركية حيث أي شيء تنتجه النساء، بما في ذلك الأطفال، ينتمي للزوج وتكون للمراة بالتالي قيمة منخفضة.

نظرية التطور النسوي هي أنه في أي مجتمع، إذا كان الطعام الذي تنتجه النساء هو الطريق الرئيسي لتغذية المجموعة، وتسيطر النساء أيضا على توزيع أي فائض ينتجنه، فإنهن يحظين بالقوة والهيبة. وإذا كان الرجال هم من ينتجون معظم المواد الغذائية ويوزعون الفائض، تتدنى حالة المرأة. يعتمد ما اذا كان النساء أو الرجال هم من ينتج معظم الطعام على نوع التكنولوجيا المستخدمة. وبالتالي، فإن طريقة الإنتاج وقواعد القرابة التي تتحكم في توزيع أي فائض هي المحددات الهامة للوضع النسبي للنساء والرجال في أي مجتمع.

بالإضافة إلى التحليلات الاقتصادية الجندرية، تناولت النسوية التنموية القضية السياسية لحقوق المرأة مقابل التقاليد الوطنية والثقافية.

في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في الأمم المتحدة اﳌﻌﻘـﻮد ﰲ ﺑﻴﺠـﲔ ﰲ ﻋـﺎم ١٩٩٥، كان الشعار هو “حقوق الإنسان هي حقوق المرأة و حقوق المرأة هي حقوق الإنسان“، أدانت وثيقة منهاج العمل التي خرجت من مؤتمر الأمم المتحدة الممارسات الثقافية القامعة للنساء – وأد البنات، والمهر، زواج الأطفال، ختان الإناث. وافقت 187 حكومة وقعت على الوثيقة على إلغاء هذه الممارسات. ومع ذلك، ولأنها جزء لا يتجزأ من التقاليد الثقافية والقبلية، فإن التخلّي عنها يمكن أن ينظر اليه بوصفه تقليداً وخضوعاً للأفكار الغربية.

وجدت النسويات التنمويات اللاواتي ينتقدن الاستعمار الغربي ومع ذلك يدعمن حقوق المرأة، هذه المسألة عصية على الحل. فالأفكار الغربية عن الفردية والاستقلال الاقتصادي ذات وجهين. فمن ناحية، تدعم هذه الأفكار حقوق الفتيات والنساء في التعليم الذي سيتيح لهن استقلالاً اقتصادياً. وهي أيضاً مصدر مفهوم حقوق الإنسان العالمية التي يمكن استخدامها لمحاربة الخضوع وأحيانًا الممارسات القبلية الجسدية المؤذية، مثل ختان البنات.

من ناحية أخرى، تقوّض الأفكار الغربية الشراكات المجتمعية والإنتاج الغذائي التقليدي والرعاية المشتركة للأطفال.

إنّ حل النساء المحليات لهذه المعضلة هو تنظيم المجتمع حول أدوارهن الإنتاجية والإنجابية كأمهات – بحيث يكون ما يفيدهن اقتصادياً وجسدياً خدمةً لأسرهن، وليس لهن وحدهن.

ومع ذلك، فان تنظيم المجتمع والأسرة بهذه الطريقة يمكن أن يدعم استمرار الممارسات الثقافية مثل الختان، الذي تريد التنمويات الغربيات استئصاله.

قرار عدم التدخل في الممارسات الثقافية التقليدية الضارة بالفتيات وفي الوقت نفسه العمل من أجل تعليمهن وتوفير وصحة أفضل هي أكبر معضلة واجهتها النسوية التنموية على وجه الخصوص.

وأخيراً، تواجه كل واحدة من نسويات إصلاح الجندر تناقضات بين التنظير والحلول العملية. تقول النسوية الليبرالية إن النساء والرجال في الأساس متماثلون، وبالتالي ينبغي أن تكون المرأة متساوية من حيث التمثيل في المجالات العامة التي يسيطر عليها الرجال – العمل، الحكومة، المهن، والعلوم. ولكن إذا كان النساء والرجال قابلين للتبادل، ما الفرق الذي يحدث إذا كانت المرأة أو الرجل من يقوم بعمل معين؟

تقول الماركسية والنسوية الاشتراكية إن مصدر ظلم المرأة هو اعتمادها الاقتصادي على الزوج. وحلهن لهذه المشكلة هو وظائف بدوام كامل للنساء، مع توفير الدولة إجازة الأمومة المدفوعة ورعاية الأطفال. لكن، ما تمنحه الدولة، يمكن أن تأخذه الدولة أيضاً. تعكس سياسات الدولة مصالح الدولة وليس مصالح النساء. فكون المرأة إمراة عامله أو أم فقط، يتوقف على الاحتياجات الاقتصادية للدولة.

وبالنسبة للنسويات التنمويات، ينعكس التركيز النظري على حقوق الإنسان العالمية إيجابياً في الضغط من أجل تعليم الفتيات والأمومة ورعاية صحة الطفل والموارد الاقتصادية للنساء اللواتي يساهمن بشكل كبير في دعم أسرهن.

ومع ذلك، عندما تدعو السياسة الجندرية إلى الحقوق النسوية والاستقلال الجنسي، يتعيّن على الحركة النسائية في كثير من الأحيان أن تواجه القيم والممارسات الثقافية التقليدية التي تمنح الرجال السلطة على بناتهم وزوجاتهم.

النسويات المقاومات للجندر

شقّت نسوية اصلاح الجندر [الليبرالية والماركسية الاشتراكية تحديداً] طريقها الى الوعي الشعبي في سبعينيات القرن الماضي ودخلت النساء كل المجالات التي كانت حكراً على الرجال وأصبحن أكثر وعياً بالممارسات الذكورية التي لم يولينها اهتماما كافيا أثناء سعيهن لتحقيق المساواة الجندرية. تمر هذه “اللامساواة الدقيقة ” في الحياة اليومية – غير ملحوظة، بل ويجري التغاضي عنها لأجل تحقيق مكاسب أكبر في وظائف مهمة وقيادية ــ مما ساعد على تبلورها في أنماط غادرة تهدد بنسف المكاسب التي حققتها النسويات السابقات في رحلة كفاحهن المضنية.أدركت الشابات اللواتي يعملن في مجالات الحقوق المدنية وضد الحرب في فيتنام والناشطات في حركات الطلاب اليساريين الجدد في الولايات المتحدة في أواخر الستينيات أنهن لسن أكثر من خادمات وصانعات طعام لزملائهن الذكور. وعلى الرغم من خطاب الشباب الثائر الذي كان يندفع في وجه الحضارة الغربية في كثير من البلدان، إلا أنه حين يتعلق الأمر بالنساء، يتصرف الرجال كما لو أنهم في القرن الثامن عشر أو أبعد. ومن الوعي بأنه ليس للنساء مكان في أي تجمع ذكوري جاءت النسويات المقاومات للجندر في سبعينيات القرن العشرين: الحركة النسوية الراديكالية، والنسوية المثلية، ونسوية التحليل النفسي، ونسوية وجهة النظر أو الموقف النسوي.النسوية الراديكاليةكانت بداية النسوية الراديكالية بمجموعات رفع الوعي التي أسستها شابات قياديات، حيث موضوعات النقاش هي حياة المرأة اليومية – الأعمال المنزلية، تلبية احتياجات الرجال العاطفية والجنسية، الدورة الشهرية، الحمل والولادة وانقطاع الطمث وما شابه. من هذه المناقشات جاءت نظرية عدم المساواة بين الجندرين التي تجاوزت التمييز إلى القمع، والسياسات الجندرية إلى مقاومة النظام الجندري المهيمن. كانت البطريركية هي الكلمة المفتاحية للراديكالية النسوية، أو القمع الكاسح للنساء من قبل الرجال واستغلالهن؛ القمع والاستغلال الذي يمكن العثور عليه أينما كان النساء والرجال على اتصال مع بعضهم البعض، في الأماكن الخاصة وكذلك في العامة. تقول النسوية الراديكالية إنه من الصعب اقتلاع النظام البطريركي لأن جذوره – الاعتقاد بأن النساء مختلفات وأدنى درجة – جزء لا يتجزأ من وعي معظم الرجال. والأفضل لمقاومته، كما يدعين، هو مساحات غير هرمية داعمة للنساء فقط حيث تستطيع النساء التفكير والتصرف والابداع متحررات من الاحباط والتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب والعنف. عززت إمكانيات إنشاء مرافق الرعاية الصحية الموجهة للمرأة والمساكن الآمنة للنساء اللواتي يتعرضن للضرب وخدمات الاستشارة القانونية للناجيات من الاغتصاب وثقافة المرأة وحتى دين وأخلاقيات المرأة، التجمعات الأخوية النسائية والأساس العقلاني للفصل عن الرجال. وتشيد بالمقابل بما تقوم به النساء – التغذية والحنان والتعاون والمعاملة بالمثل والعناية بالأجسام والعقول والنفسيات. القيم الهامة، تقول النسويات الراديكاليات، هي الحميمية والإقناع والدفء والرعاية والمشاركة – الخصائص التي تطورها النساء في حياتهن و تجاربهن اليومية مع أطفالهن وأجسام أطفالهن ومع الاشتغلات المعيشية اليومية. يمكن للرجال تطوير هذه الخصائص أيضًا، إذا مارسوا “الأمومة”، ولكن نظرًا لأن القليل منهم يفعل ذلك، فإن هذه الخصائص أكثر انتشارا في النساء. تدعي الحركة النسوية الراديكالية أن معظم الرجال لديهم القدرة على استخدام العنف الجسدي ضد المرأة، بما في ذلك الاغتصاب والقتل. ويدللن بشيوع ظاهرة الاغتصاب وضرب الزوجات، وقتل الزوجات السابقات والصديقات. أما الجانب التجاري لكراهية النساء هذه فهو الطريقة التي يتم بها تصوير النساء كموضوعات جنسية في وسائل الإعلام وقطعة من اللحم في المواد الإباحية، والاستغلال العالمي للفتيات والشابات في الدعارة. والأكثر غدرا، كما يقلن، إن الاستغلال الجنسي هو الجانب السلبي من الحب الرومانسي الغيريي، وهو في حد ذاته ظالم نساء.خطر العنف والاغتصاب، في رأي النسوية الراديكالية النظرية، هو الطريقة التي تسيطر بها البطريركية على جميع النساء. كانت ساحة المعركة السياسية للراديكاليات هي حماية ضحايا الاغتصاب والنساء المعنفات وإدانة المواد الإباحية والدعارة والتحرش الجنسي والإكراه الجنسي. وبما أن كل الرجال يستمدون قوتهم من وضعهم الاجتماعي المهيمن، فأي علاقة جنسية بين النساء والرجال في جوهرها غير متكافئة. موافقة النساء على علاقة جنسية دائما، وفق هذا التعريف، مفروضة فرضا ما لم يتم الاتفاق عليها صراحةً من قبل امرأة مستقلة تماما وواعية. أدت وجهة النظر هذه إلى التوسع في معايير الاغتصاب لحماية النساء والفتيات القاصرات حتى لو تم الأمر بموافقة ظاهرية أو مفترضة. كانت البدائل السياسية للنسوية الراديكالية – مجموعات رفع الوعي والمنظمات النسوية حصرا –أمرا حيويا لأن تحقق المرأة مساحة لـــ “التقاط الأنفاس” من أجل صياغة النظريات الهامة عن المساواة الجندرية، ولتطوير برامج الدراسات النسوية في الكليات والجامعات، ولتشكيل المجتمعات، وإنتاج المعرفة والثقافة والدين والأخلاق، والرعاية الصحية من وجهة نظر المرأة. لكنها غربت ونفرت العديد من النساء العاملات، لا سيما النساء من الجماعات العرقية المهمشة، الذين شعروا أن رجال مجتمعاتهن كانوا مثلهم في الظلم وأكثر من قبل المهيمنين. أدى نقد النسوية الراديكالية للغيرية الجنسية وتثمينها للأمومة إلى انشقاقات بين النسويات، والإساءة للواتي كن في علاقات جنسية غيرية أو اللواتي لا يردن انجاب الأطفال. كما أن مدحها للطاقات العاطفية للمرأة وقدرتها على توفير الرعاية للمرأة وادانتها للجنسانية العنيفة والعدوانية عند الرجل كان دليلا على منحاها الجوهري والحتمي: الاختلافات العميقة المتجذرة والمستعصية بين فئتين عالميتين من الناس. هذا التركيز على القمع الجنساني العالمي أدى إلى اتهامات أن الحركة النسوية الراديكالية تهمل الاختلافات الطبقية والعرقية والاجتماعية بين الرجال وبين النساء وبين الرجال والنساء، وأنها تقلل من أهمية مصادر أخرى للظلم. عن طريق تأليب النساء ضد الرجال، فإن النسوية الراديكالية تنفر النساء الملونات و نساء الطبقة العاملة، اللواتي يشعرن بالتمزق بين ولاءاتهن النسوية والعرقية والطبقية.النسوية المثلية.تأخذ النسوية المثلية النظرة التشاؤمية للنسوية الراديكالية عن الرجال إلى نتيجتها المنطقية. فإذا كانت العلاقات الغيرية في جوهرها استغلالية بسبب السلطة الاجتماعية والجسدية والجنسية للرجال على النساء، لماذا تهتم النساء بالرجال؟ يحب الرجال وجود صديقات للحديث عن مشاكلهم، ولكن النساء لا يفضفضن إلا للنساء. النساء حنونات متفهمات مشاركات ومعتنيات، فلم البحث عن الرجال في حياتهن ؟ توقفن عن مرافقة ” العدو”، وتحولن إلى نساء أخريات من أجل الحب الجنسي وكذلك من أجل الرفقة الفكرية والدعم العاطفي. أحد مفاهيم النسوية المثلية النظرية هو مفهوم (المثلية المتسلسلة lesbian continuum )، حيث يمكن للمثليات أن يكن مستقلات، وتحدد هوية المرأة بالمرأة. تحول هذه الاستعارة المثليه الحب بين النساء إلى هوية، ومجتمع، وثقافة. ما ترفضه نسويات المثلية هو أن تكون النساء كائنات رغبات الرجال وجنسانيتهم دون الاعتراف بجنسانية المرأة الخاصة. لذلك فهي تطمح إلى لغة جديدة، وصوت جديد و تحتفي بجنسانية النساء وأجسادهن وعلاقة الام والابنة والمجتمع الثقافي للمرأة، وليس فقط العلاقات الجنسية والعاطفية بين النساء. ولابد من التنويه هنا أن الأساس الذي تستند إليه المثلية النسوية هو التقسيم الجندري والجنسي الثنائي، لذلك أزعج الغيريات وثنائيات الجنس هذا التصنيف وقوبل حضورهن والاعتراف بهن بمقاومة في كثير من التجمعات المثلية حتى أصبحن تناقضا وتوترا لم يحل بعد في هذا التوجه النسوي.نسوية التحليل النفسي.جاءت نسوية مقاومة للجندر أخرى في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من إعادة قراءة النسوية لفرويد وانخراط النسويات الفرنسيات مع لاكان وفوكو ودريدا.تدور نظرية فرويد عن تطور الشخصية حول عقدة أوديب – الانفصال عن الأم. تدعي النسوية النفستحليلية أن مصدر هيمنة الرجال على النساء هو حاجة الرجل اللاوعية لعاطفة النساء وفي الوقت ذاته رفضهن خشية الخصاء. أما خضوع النساء للرجال فبسبب رغباتهن اللاواعية في الترابط العاطفي. هذه الشخصيات الجندرية هي نتائج عقدة أوديب – الفصل عن الأم. ولأن النساء هن الوالدات الأساسيات، فإن الرضع يرتبطون بهن. ومع ذلك، يجب على الأولاد الانفصال عن أمهاتهم والتماهي مع آبائهم من أجل تأسيس ذكوريتهم. يطور الذكور حدود (أنا) قوية وقدرة على العمل المستقل والموضوعية والتفكير العقلاني ويحصلون بالتالي على قيمة أرفع في الثقافة الغربية. وتصبح المرأة(الأم) تهديدا مباشرا لاستقلاليتهم وجنسانيتهم الذكورية. تواصل الفتيات التماهي مع أمهاتهن، وبالتالي يطورن (أنا) بحدود مائعة مما يجعلهن حساسات عاطفيات وودودات. هذه هي الصفات التي تجعلهن أمهات جيدات، ومنفتحات على الاحتياجات العاطفية للرجال. لكن لأن الرجال في حياتهم طوروا شخصيات جعلتهم محميين عاطفيا، تريد النساء إنجاب الأطفال للتواصل معهم. وبالتالي، فإن الجندرة النفسية للأطفال تتكرر باستمرار. ومن أجل تطوير قدرات الرعاية في الرجال، وكسر دورة استنساخ بنى الشخصية الجندرية، توصي نسويات التحليل النفسي بأبوة وأمومة مشتركة – بعد أن يتم تعليم الرجال رعاية الأطفال. تركز النسوية الفرنسية النفستحليلية على الطرق التي من خلالها تعكس وتمثل إنتاجات الثقافة (روايات، دراما، فن، أوبرا، موسيقى، أفلام) اللاوعي الذكوري، وخاصة الخوف من الخصاء. في نظرية التحليل النفسي النسوي الفرنسي، الثقافة البطريركية هي تسامي رغبة الرجال الطفولية المقموعة بالأم والخوف من فقدان الفالوس، رمز الاختلاف الذكوري. وبما أن النساء ليس لديهن فالوس يخسرنه ولا يختلفن عن أمهاتهن، فلا يمكنهن أن يشاركن في خلق الثقافة. رغبة للمرأة في الفالوس والرغبة الجنسية المكبوتة في الآباء تتسامي في الرغبة في إنجاب ابن؛ في حين أن قمع الرجال للرغبة الجنسية في الأم والخوف من خصاء الأب يتسامي إلى إبداعات ثقافية.ما تمثله النساء في الثقافة الفالوسية هي الرغبة الجنسية والانفعالية التي يجب على الرجال قمعها ليصبحوا مثل آبائهم – الرجال المسيطرون والمسيطر عليهم. بغض النظر عن الدور الذي تلعبه النساء في الإنتاجات الثقافية، فإن نظرة الذكور لهن لن تتعدى كونهن كائنات وموضوعات الرغبة الذكورية.الإنتاجات الثقافية الفالوسية، حسب التحليل النفسي النسوي، مليئة بالعدوان والمنافسة والهيمنة، مع كراهية مبطنة للنساء وخوف من الخصاء – من أن يصبحوا نساء. ولمقاومة هذه الثقافة ومواجهتها بثقافة تجعل النساء في مركزها، دعت النسوية الفرنسية النساء إلى الكتابة من تجاربهن الذاتية وأجسادهن حول قضاياهن الخاصة – بهذه الطريقة، يمكنهن مقاومة قمعهن من قبل الثقافة الفالوسية المهيمنة. ومع ذلك، فإن حث النساء على إنتاج فن وأدب محوره المرأة يجعلهن أسيرات فئة قاطعة هي الإناث و يؤكد على اختلافهن عن الرجال والثقافة المهيمنة أكثر وأكثر. اُطلق العنان للقوة العاطفية واصبحت واضحة في الإنتاج الثقافي للمرأة، لكنها انفصلت عن ثقافة الرجال التي بقيت مهيمنة.نسوية الموقف النسوي.تتلاقى النظريات النسوية الراديكالية والمثلية والنفستحليلية في نسوية الموقف أو وجهة النظرstandpoint feminism، والتي تتحول من المقاومة إلى المواجهة مع مصادر المهيمنة المعرفية والقيمية.الفكرة الرئيسية المشتركة بين جميع النسويات المقاومات للجندر هي أن وجهات نظر المرأة يجب أن تكون أساسية في المعرفة والثقافة والسياسة، لا غير مرئية أو هامشية. كل من يحدد جداول أعمال البحوث العلمية، وكل من يشكل محتوى التعليم، وكل من يختار الرموز التي تتخلل المنتجات الثقافية، لديه قوة الهيمنة. الهيمنة هي الأيديولوجية التي تشرع افتراضات المجتمع التي لا شك فيها. في المجتمع الغربي، تأتي مبررات العديد من أفكارنا حول النساء والرجال من العلم. نحن نعتقد في “الحقائق” العلمية ونادرا ما نشكك في موضوعيتها. تنتقد نسوية الموقف أو وجهة النظر العلوم والعلوم الاجتماعية السائدة، ومنهجية البحوث النسوية، وتحليل السلطة التي تشكل إنتاج المعرفة. ببساطة تقول (نسوية وجهة النظر) إن “أصوات” النساء مختلفة عن الرجال، ويجب عليهن رفع أصواتهن إذا أردن تحدي قيم الهيمنة.يمكن القول إن تأثير العالم اليومي في واقعنا التجريبي والهياكل التي تحد وتشكل وتنظم وتخترق الناس، مختلفة في مختلف المواقع الاجتماعية – ولكن بشكل خاص للنساء والرجال، لأن المجتمع منقسم جندريا. الرجال لا يدركون أن المعرفة التي ينتجونها والمفاهيم التي يستخدمونها تخرج من تجربتهم الخاصة. بدلا من ذلك، يدعون أن عملهم العلمي عالمي وعام ومحايد وموضوعي. لكن النساء يعرفن أنه جزئي وخاص وذكوري وذاتي لأنهن يرين العالم من زاوية مختلفة، وقد تم استبعادهن من الكثير من العلوم.جاءت الأسس النظرية لنسوية وجهة النظر من الماركسية و النظرية النسوية الاشتراكية، التي تطبق مفهوم ماركس عن الوعي الطبقي على النساء، ونظرية التحليل النفسي النسوية، التي تصف جندرة اللاوعي. تقول نسوية وجهة النظر إن النساء بوصفهن من يقمن بانجاب الأطفال بدنيا و تربيتهم اجتماعيا – منالجسد والعواطف والفكر والجهد المادي الخالص – فإنهن يرتكزن على الواقع المادي بطرق تختلف عن الرجال. فالمرأة مسؤولة عن معظم العمل اليومي، حتى لو كانت متعلمة تعليما عاليا، في حين يركز الرجال المتعلمون تعليما عاليا على التجريد والفكر. ولأنهن متصلات بأجسادهن وعواطفهن، فإن رؤية النساء الواعية وغير الواعية للعالم واحدية ومتماسكة. وإذا ما أنتجت النساء المعرفة، فستكون أكثر اتصالا بالعالم اليومي المادي وأكثر ارتباطا مع الناس. وعلى الرغم من أن الرجال يمكنهم بالتأكيد إجراء أبحاث حول النساء، والنساء حول الرجال،  تقول نسوية وجهة النظر، إن الباحثات أكثر حساسية لكيفية رؤية النساء للمشاكل و تحديد الأولويات، وبالتالي سيكن أكثر قدرة على تصميم وإجراء البحوث من وجهة نظر المرأة.ومع ذلك، لا يكفي إضافة المزيد من النساء إلى فرق البحث أو حتى جعلهن رئيسات مجموعة بحثية – هؤلاء النساء يجب أن يكون لهن موقف ووجهة نظر نسوية. عليهن أن ينتقدن المفاهيم السائدة التي تبرر خطوط السلطة القائمة، ويعترفن أن “الحقائق” تعكس القيم الحالية والتاريخ الماضي. والأهم من ذلك كله، يجب أن يتحيزن لتجارب النساء. لكن هل كل تجارب النساء متشابهة؟ أليست “الحقائق” التي تنتجها وجهة نظر المرأة متحيزة مثل تلك أنتجتها وجهة نظر الرجل؟ اقترحت دونا هاراواي للخروج من المعضلة أن نقر بأن كل المعرفة مموضعة ومنظورية، كما تدعي نسوية الموقف، لكن موضعتها تختلف، وكذلك الحال في كل وجهات النظر. لذلك يجب أن تكون الحقائق جزئية. هذا التنوع قوة، وليس ضعفا، في الحركة النسوية.وأخيرا، أنتجت النسويات المقاومات للجندر الكثير من الجدل داخل الدوائر النسوية. ركز النقد على ادعاءاتهن أن الاختلافات بين الرجال والنساء جوهرية، وأن الغيرية الجنسية قسرية ويمكن أن تكون عنيفة، وتثمينهن للأمومة، وتعزيزهن لثقافة مستقلة ومميزة للمرأة تركز على الأجسام النسائية والخبرات الحياتية. يشعر العديد من المدافعات عن حقوق المرأة بأن هذه الآراء هي ارتداد إلى المبررات البيولوجية لدونية المرأة، وأن سياسة الفصل بين الجندرين تعزل النساء وتعزل أيضا الرجال المتضامنين معهن لتغيير مجتمعي أوسع. كان المنظور المرتكز على المرأة تصحيحا ضروريًا للـمحايدة العمياء جندريا التي تدعو إلى أن تصبح النساء مثل الرجال – متجهات الى العمل، لا يتحملن مسؤولية رعاية الأطفال، ومتحررات جنسيا؛ حيث انتهين، عندما حاولن  تقليد الرجال، بالعمل في البيت وخارجه (وظيفة بدوام كامل واستمرار المسؤولية عن ادارة المنزل ورعاية الأطفال)، مع شعور بالذنب لإهمالهن أطفالهن (شارك عدد قليل من الرجال في رعاية الأطفال)، وكن عرضة للاغتصاب والأمراض المنقولة جنسيا. ولكن تركيز الناشطات المقاومات للجندر على “المرأة” مزعج أيضا. هل فئة النساء متجانسة بحيث يمكن توقع أن يكون لديها دائما تجارب متماثلة ومنظور وحدوي؟ هل تعمل النسويات المقاومات للجندر على خلق امرأة عالمية هي في الواقع امرأة الطبقة المتوسطة الغربية البيضاء وغيرية الجنس؟ هل هذه المرأة العالمية تقمع أصوات النساء الأخريات ؟ كيف يمكن سماعهن؟ تشعر نسويات الاثنيات والطبقات العاملة أنه يمكن أن يكن “نسويات” دون تقريع الذكور. وتقول النسويات الغيريات أو ثنائيات الجنس أنه يمكن أن يكون لهن علاقات مع الرجال مع الحفاظ على استقلاليتهن وتكرة الليبراليات الدعوة للرقابة على المواد الإباحية. من هذه الانتقادات جاءت مجموعة من النسويات التي تتعامل مع تناقضات النسويات المقاومات للجندر، لا سيما مسائل واحدية فئة المرأة، ونسوية الموقف، ومصدر الهوية في سياسات الهوية، وتعقيدات الجنسانية.نسويات الثورة على الجندرشهدت الثمانينات والتسعينات الماضية ظهور نظريات نسوية تهاجم النظام الاجتماعي المهيمن من خلال استجواب وضوح وتماسك الفئات التي تشكل تسلسلات النظام الهرمية. تفكك تلك النظريات البنى المتشابكة للسلطة والامتياز الذي يجعل فئة الرجال هي المهيمنة، ويضع أي (آخر) غيرها على درجات سلم الحرمان والتهميش المتزايد. تحلل تلك النظريات أيضا كيف أن الإنتاج الثقافي، وخاصة في وسائل الإعلام، يبرر ويطبع عدم المساواة والممارسات التبعية. تمتلك هذه النسويات امكانيات ثورية تهدد بزعزعة استقرار/ وقيم النظام الاجتماعي السائد. يمكن تحديد هذه التظيرات إلى: نسوية الأعراق المتعددة، ونسوية الرجال، ونسوية البنائية الاجتماعية، ونسوية ما بعد الحداثة، ونظرية الكوير.نسوية الأعراق المتعددة.طوال القرن العشرين، اعتقد النقاد الاجتماعيون إن جانبا واحدا من عدم المساواة أكثر أهمية من غيره. يشكل العرق والدين والطبقة الاجتماعية والجنس نظاما معقدًا من الطبقات الهرمية حيث الطبقة العليا، مغايري الجنس، والرجال والنساء البيض يقمعون الطبقة الدنيا والنساء والرجال من الأعراق والأديان المهمشة. وبتقصي خيوط الاضطهاد والاستغلال المتعددة، أظهرت النسوية متعددة الأعراق أن الجندر، والعرق، والدين، والطبقة الاجتماعية هي علاقات متشابكة هيكليا.لا يكفي لتشريح مؤسسة اجتماعية أو منطقة فكر اجتماعي من وجهة نظر المرأة كما تعتقد مجموعة نسويات (وجهة النظر أو الموقف standpoint theory). اذ لا بد لوجهة النظر هذه أن تشمل تجارب النساء والرجال من مختلف الجماعات العرقية والدينية ويجب أيضا أن تأخذ في الاعتبار الطبقة الاجتماعية والظروف الاقتصادية. فالقيم والهوية والوعي الذاتي متجذر في كل الحالات الاجتماعية الرئيسية. والعرق والدين والطبقة الاجتماعية والجندر هي جدران و نوافذ حياتنا – فهي تهيكل ما نختبره، ونفعله، ونشعر به، ونراه، ونؤمن به فيما يتعلق بنا والآخرين. تشير باتريشيا هيل كولينز في تعليق على (نظرية الموقف) النسوية إلى أن هذه التجارب ليست فردية، لكنها تنتمي إلى مجموعات وبالتالي فهي مصدر حيوي لمنظور عالمي وشعور بالهوية، معا. النقطة الهامة التي قدمتها نسوية الأعراق المتعددة هي أن المجموعات التابعة لا تحدد فقط حسب الجندر أو العرق أو الدين، ولكنها مواقع اجتماعية في أنظمة متعددة من الهيمنة. الرجال مضطهدون مثل النساء، لكن الرجال والنساء من الفئات المحرومة مقموعون بطرق مختلفة – في الولايات المتحدة، يعاقب الرجال السود على الرغم من/ أو ربما بسب كونهم رجالا. وتحاصر المرأة السوداء بأدورار جنسية أو أُمومية. وهكذا، يعكس الوعي الجماعي جميع الأوضاع الاجتماعية في آن واحد. تجد النسوية الثقافية متعددة الأعراق الفن في كل ما تنتجه النساء من أي ثقافة في الحياة اليومية: المنسوجات، والأغاني الشعبية، والرقصات الاحتفالية، والأطباق الشعبية، والأطباق المزخرفة، والحياكة والتطريز، كلها جزء من ثقافة نسائية نابضة بالحياة. هذه الصيغ الفنية والأدبية متشابكة ومعبرة عاطفيا. بل انها المعادل الثقافي لإنتاجات الرجال الثقافية التخريبية، مثل موسيقى الجاز وموسيقى الراب، ومثلها أيضا في التعبير عن التمايز والاختلاف عن طريقة المجموعة السائدة في الكلام والتفكير. قد لا تشعر المرأة من مجموعة عرقية محرومة بالولاء أو التماهي مع “كل النساء”. لكنها قد تشعر أيضا بالغربة عن رجال مجموعتها، إذا كانوا ظالمين للمرأة بسبب الثقافة الأبوية التقليدية أو لأنهم أنفسهم تابعون لرجال في الطبقات العليا من التسلسل الهرمي. وهكذا، فالوعي بالتبعية وأشكال النضال ربما يجب أن تكون مختلفة بالنسبة للنساء والرجال؛ الرجل الذي هو الآخر قد يحتاج إلى البحث عن صوته المقموع من قبل رجال مهيمنين؛ والمرأة التي التي هى آخر قد تحتاج إلى العثور على صوت قمعه كل من الرجال المهيمنين والتابعين.نسوية الرجال نسوية الرجال هي مجال دراسي مزدهر يطبق النظريات النسوية لدراسة الرجال والذكورة. تضلع نسوية الرجال بدراسة النساء من خلال علاقتهن بالرجال – معاملة الرجال والنساء كجندر ودراسة الذكورة كما الأنوثة. والهدف الأساسي هو تطوير نظرية، ليس عن ذكورة، ولكن عن ذكورات متعددة، بسبب التنوع بين الرجال. لا توجد خصائص ذكورية عالمية تنطبق على كل المجتمعات ولا، في السياق نفسه، على المجتمع الواحد، أو أي بيئة تنظيمية واحدة، كما تزعم الدراسات عن الطبقة العاملة والعنصرية الطبقية وغيرها.النظرية الرئيسية التي طورتها نسوية الرجال، والتي كانت تستخدم لتشريح الاختلافات بين وضمن مجموعات من رجال الطبقة الوسطى والطبقة العاملة من مختلف المجموعات العرقية والتوجهات الجنسية، هي مفهوم الذكورة المهيمنة hegemonic masculinity. والرجال المهيمنون هم أولئك الناجحون اقتصاديا، والمتفقون عرقيا، وغيري الجنسية ظاهريا. غير أن خصائص الذكورة أو الهيمنة أو غير ذلك، ليست مصدر الحالة أو الوضع الجندري للرجال. الجندرين – الرجال والنساء – علائقيون ومتضمنون في بنية النظام الاجتماعي. والهدف من التحليل بالتالي ليس الذكورة أو الأنوثة ولكن علاقتهما المتعارضة.لا يمكن دراسة الرجال والنساء بشكل منفصل. كل حكاية عدم المساواة الجندرية تنطوي على علاقة بين من يملكون ومن لا يملكون، بين المهيمنين والتابعين، بين ذوي المزايا والمحرومين. تقول نسوية الرجال إن عدم المساواة بين الجندرين تشمل تشويه الرجال لرجال آخرين فضلا عن استغلالهم للمرأة. فالعمال من مستوى متدن في جميع أنحاء العالم مضطهدون بسبب عدم المساواة في الاقتصاد العالمي، كما وتهدد بيئات العمل المحفوفة بالمخاطر والأجور المتدنية حيوات العمال الشباب. تلوم هذه النسوية أيضا الرياضة، والجيش، ورابطات الأخوة، وسائر الروابط القائمة على الذكورة فقط لتشجيعها العنف الجنسي والجندري وكراهية النساء. تشجع هذه الارتباطات الرجال على التماهي مع آبائهم وأن يكونوا “باردين” وعديمي الإحساس تجاه النساء في حياتهم وبعيدين عن أطفالهم. انتقدت نسوية الرجال أيضا التحركات الذكورية التي تعزز البحث عن رجل بدئي أو” الرجل البري “ومنظمات الرجال ذات التوجه الديني التي تربط المسؤولية تجاه الأسرة مع المفاهيم الأبوية للرجولة. ووتقول إن هذه الحركات تسعى إلى تغيير المواقف الفردية ولا تعالج الظروف البنيوية لعدم المساواة الجندرية أو اختلافات السلطة بين الرجال. مصادر عدم المساواة الجندرية التي تركز عليها حركة نسوية الرجال متضمنة في الأنظمة المتقاطعة التي تحكم المجتمعات الغربية وكذلك في رهاب المثلية عند غيريي الجنس، الذين يبنون ذكوريتهم بوصفها عكس ذكورية الرجال المثليين. وبالتالي، فمن الضروري للرجال البارزين من كل المجموعات العرقية في السياسة والرياضة ووسائل الإعلام أن يظهروا غيريتهم بشكل لا لبس فيه. يكمن عدم المساواة بين الجنسين أيضا في تنافس الرجال على المناصب القيادية في أي ساحة يجدون فيها أنفسهم، واستبعاد النساء قدر الإمكان من المنافسة. ليس من قبيل الصدفة أن الكثير من لغة المنافسة هي لغة الرياضة، لأن الرياضة المنظمة ليست مجرد موقع فوري لعروض الذكورة، ولكن أيضا مصدرا للقدرة التنافسية البديلة ولإنشاء الايقونات الرمزية للقوة والجمال الذكوري. لسوء الحظ، فإن هذه الايقونات أيضا ايقونات العنف الجسدي والجنسي. تتداخل نسوية الرجال مع الدراسات المثلية في تحليل الأبعاد الاجتماعية للمثلية الجنسية الذكورية. دراسة المثلية من منظور جندري تظهر أن الرجال المثليين هم رجال، وليس جندرا ثالثا، ويتمتعون بامتيازات و عيوب وأسلوب حياة الرجال من نفس المجموعة العرقية والطبقة الاجتماعية. ومع ذلك، ولأن الرجال المثليين لا يقيمون علاقات جنسية مع النساء – علامة هامة للرجولة في المجتمع الغربي – يعتبرون غير كاملي الرجولة.وهكذا، مثل غيرهم من الرجال الذين ليس لديهم علامات حالة الهيمنة (الأبيض، الناجح اقتصاديًا، وغيري الجنس)، يحتل الرجال المثليين درجة أقل على مقياس الامتياز والسلطة في المجتمع الغربي. الرجال المثليين،مع ذلك، لا يفسدون الترتيب الجندري لانهم يحتفظون “بحصة ” من مزايا الذكور البطريركية. توفر نسوية الرجال التصحيحية اللازمة لإدخال الرجال في ابحاث الجندر كذوات للدراسة، لكنها لا تقدم نظرية جديدة. بدلا من ذلك، فإن الحركة النسائية للرجال هي خليط من نسوية البنائية الاجتماعية ونسوية التعددية العرقية، ونسوية التحليل النفسي، والنسوية التنموية ودراسات المثليين. ومن المرجح أن نسوية الرجال ستندمج في منظورات وتوجهات نسوية أكثر عمومية.نسوية البنائية الإجتماعيةبينما تركز النسوية متعددة الأعراق على تأثيرات الموقع في نظام منح المزايا أو لا منحها، وتركز نسوية الرجل على العلاقات الهرمية بين الرجال والرجال الآخرين والنساء، فإن نسوية البنائية الاجتماعية تنظر في هيكل النظام الاجتماعي القائم على الجندر ككل. وترى الجندر كمؤسسة على مستوى المجتمع تغلغلت في جميع المنظمات الاجتماعية الكبرى. وبوصفها مؤسسة اجتماعية، يحدد الجندر توزيع السلطة والامتيازات والموارد الاقتصادية. تُدرج المعايير والتوقعات المجندرة في ادراكات الذات عند الرجال والنساء بوصفهم أنواعا معينة من البشر وبوصفها طرقا محددة للعمل وتنظيمه وللحياة الأسرية دون تفكير أو تحليل أو مساءلة لهذه المعايير والتوقعات. ترى نظرية البنائية الاجتماعية النسوية أن عدم المساواة هو جوهر الجندر نفسه: المرأة والرجل متباينان اجتماعيا من أجل تبرير معاملتهم بشكل غير متساو. وهكذا، على الرغم من تداخل الجندر مع غيره من حالات عدم المساواة، إلا أن معالجة الجزء الجندري في هياكل عدم المساواة قد يكون الأصعب، لأن الجندرية منتشرة جدًا. في الواقع، هذا الانتشار الكاسح هو ما يقود الكثير من الناس إلى الاعتقاد بأن هذه الجندرة بيولوجية، وبالتالي “طبيعية”.تركز نسوية البنائية الاجتماعية على العمليات التي تخلق اختلافات جندرية وتجعل تركيب الجندر غير مرئي في الوقت نفسه. ومن امثلة العمليات الاجتماعية الشائعة التي تشجعنا على الانخراط في الاختلافات الجندرية وتجاهل استمراريتها هي تقسيم العمل في المنزل الذي يخصص رعاية الطفل والأعمال المنزلية للنساء؛ والفصل الجندري في المهن والاجور؛ وتبرير ذلك بالخصائص الذكورية والانثوية “الطبيعية”؛ والمقارنات الانتقائية التي تتجاهل أوجه التشابه، كما هو الحال في مسابقات الألعاب الرياضية المنفصلة للرجال والنساء؛ واحتواء وقمع ومحو السلوكيات والمظاهر غير اللائقة بالجندر، مثل العدوانية في النساء والحنان في الرجال.تقول نسوية البنائية الاجتماعية أن ثنائية الذكر والانثى القائمة على أساس الجنس البيولوجي والفسيولوجي تُنتج وتتواصل من خلال العمليات الاجتماعية. يتم تجاهل الغموض التناسلي والهرموني أو تجاوزه في تصنيف الجنس عند الرضع، وجندرة الرياضة والجهد البدني يتجاهل تداخلات القوام والبنية العضلية.في منظور نسوية البنائية الاجتماعية، عمليات التمايز الجندري، وقبول سلوك جندري ومظهر محدد، وعدم الموافقة على الانحرافات عن المعايير المقرة سلفا هي من مظاهر السلطة والسيطرة الاجتماعية. يعزز الدين والقانون والطب خطوط الحدود بين النساء والرجال ويقمع الاختلاف الجندري من خلال اللوم الأخلاقي والوصم، مثل تحديد سلوك غير لائق بوصفه خاطئ وغير قانوني ومجنون. تحلل نسوية البنائية الاجتماعية أيضا السياق الثقافي والتاريخي الذي يتم فيه تحديد الجنسانية وسنها. ما هي السلوكيات الجنسية المعتمدة والمسموح بها والمحرمة بالنسبة للنساء والرجال وبالنسبة للمجموعات الاجتماعية وتحولاتها بمرور الزمان واختلاف المكان.الجنسانية، من هذا المنظور، هي منتج التعلم والضغوط الاجتماعية والقيم الثقافية.تدعم العقوبات القانونية وفقدان الوظيفة والعنف النظام الاجتماعي الغيري، ما يهزم أي محاولات فردية للمقاومة والتمرد. ومع ذلك، يتماشى معظم الناس طواعية مع وصفات مجتمعهم المتعلقة بوضعهم الجندري، لأن المعايير والتوقعات ترسبت في إحساسهم الشخصي بالقيمة والهوية فبدت وكأنها حتمية طبيعية.حتى المتخنثين (الذكور الذين يرتدون ملابس النساء والاناث اللواتي يرتدين ملابس الرجال) و المتحولين جنسيا (الأشخاص الذين قاموا بجراحة تغيير الجنس) يحاولون التصرف كرجال ونساء “عاديين”. لذا فإن الرجال الذين يميلون إلى الملابس المغايرة يفضلون ارتداء ملابس ذات مظهر أنثوي للغاية، ويستخدم المتحولون الذكور هرمونات لتكبير الثديين. ولأن ملابس الرجال في الغرب المعاصر مقبولة للنساء، فلا مشكلة لدى متحولات الجنس من الإناث والمتمردات على الجندر كي يكن “مقبولات “.سلطة البنائية الاجتماعية واضحة، ليس فقط في جندرة الأجساد والملابس، ولكن في ما يحدث في العمل و أدوار الأسرة. وجد المتحولون الذكور إلى الإناث أن الوظائف التي يحتلونها بوصفهم اناثا أقل من الرجال. و الرجال المتزوجون الذين يرتدون ملابس النساء في المنزل لا يقومون بالأعمال المنزلية في حين أنهم يرتدون ملابس النساء. أكثر من ذلك، كل أوراق هوية المتحولين جنسيا، من شهادات الميلاد إلى ﺟﻮازات اﻟﺴﻔﺮ، ﻳﺠﺐ إﻋﺎدة إﺻﺪارها بجندرهم واﺳﻤﻬﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ. يجب على المتزوجين المتحوليين أن يحصلوا على الطلاق لأن امرأتين ورجلين لا يمكن أن يكونا متزوجين من الناحية القانونية.تغيير الجندر هو تغيير المرء لوضعه الاجتماعي الأساسي. من وجهة نظر نسوية البنائية الاجتماعية، تغير هذا النظام الاجتماعي القائم على الجندر لا بد أن يعني إعادة ترتيب واعية لتقسيم العمل بين الجندرين في الأسرة وفي العمل، وفي الوقت نفسه، تقويض الافتراضات حول قدرات النساء والرجال التي تبرر الوضع الراهن. ومن غير المحتمل أن يحدث هذا التغيير ما لم تتعرض المؤسسة الاجتماعية القائمة على التمايز الجندري وبنائها الاجتماعي لتحد صريح يهدد انتشارها الكاسح. ولكن وبما أن عمليات الجندرة تكون غالبا غير مرئية، فمن أين سنبدأ؟ بالوعي الشخصي وتغيير الموقف، أو إعادة هيكلة المؤسسات الاجتماعية وتغيير السلوك؟ بالتأكيد، كل من الأفراد والمؤسسات بحاجة إلى تغيير لتحقيق المساواة الجندرية، ولكن قد يكون من المستحيل القيام بهما مرة واحدة وفي الوقت ذاته. تواجة نسوية البنائية الإجتماعية معضلة سياسية. فإذا كانت الأنشطة السياسية تركز على فهم الأفراد لقيود المعايير والتوقعات الجندرية وتشجيع مقاومتها في كل جانب من جوانب حياتهم، فإن ذلك لن يغير بالضرورة البنية الاجتماعية. إذا كان التركيز على أن تهيكل منظمات العمل والحكومات بشكل يضمن المساواة بين الجندرين، فإنه لن يغير بالضرورة المعايير الجندرية للأفراد. هذه معضلة حقيقية في نظرية البنائية الإجتماعية – يبني الأفراد ويحافظون على المعايير والتوقعات وأنماط السلوك التي تصبح ممأسسة، لكن المؤسسات القائمة تقيد مدى الاختلافات المسموح بها والاختلافات الفردية والجماعية. تبني الأفعال الفردية المنمطة اجتماعيا والهياكل المؤسسية وتعزز بعضها البعض. لهذا السبب، تدرك اسوية البنائية الإجتماعية أنه يوجد دائمًا تغيير، ولكنه عادة ما يكون بطيئا – وقد لا يكون في اتجاه المساواة بين الجندرين – مثل أن يكون التغيير باتجاه الرجعية والأصولية كما حدث مؤخرا وفي اكثر من مكان.نسوية ما بعد الحداثةنسوية ما بعد الحداثة والنظرية الكويرية تذهب إلى أبعد من سابقاتها في تحدي فئة الجندر بوصفها ثنائية ومتعارضة وجامدة، مدعية أن الجنسانية والجندر فئات مائعة متحولة وتضاعفية.تنتقد النسويات ما بعد الحداثيات السياسات القائمة على أساس فئة عالمية، المرأة، ويقدمن بدلا من ذلك رؤية أكثر تخريبية تقوض صلابة النظام الاجتماعي المبني على مفاهيم جنسين، وجنسانيتين، وجندرين.ويقلن إن المساواة ستأتي عندما نعترف بأجناس وجنسانيات وجندرات متعددة بحيث لا يقف في الساحة فئتين فقط تتواجهان إلى الأبد. تدرس النظرية النسوية ما بعد الحداثية ونظرية الكوير الطرق التي تبرر بها المجتمعات المعتقدات حول الجندر في أي وقت (الآن وفي الماضي) مع “الخطابات” الأيديولوجية المتضمنة في التمثيلات الثقافية أو “النصوص”. ليس فقط الفن والأدب ووسائل الإعلام، ولكن أي شيء أنتجته مجموعة اجتماعية، بما في ذلك الصحف، والإعلانات السياسية، والطقوس الدينية، هو “نص”. إن “خطاب” النص هو ما يقوله، وما لا يقوله، وما يلمح إليه (يسمى أحيانًا “نصًا فرعيًا”). يصبح السياق التاريخي والاجتماعي والظروف المادية التي يصدر فيها النص جزءا من خطاب النص. إذا ما أُنتج فيلم أو مجلة في ظل القيم المحافظة أو تحت نظام سياسي قمعي، فإن “خطابه” سيختلف عما لو أُنتج في أوقات الانفتاح أو التغيير الاجتماعي. من الذي يُمول، من الذي يبدع، ومن الذي يشرف على الجانب الإداري، كل ذلك يؤثر على ما ينقله النص إلى جمهوره. الجمهور المتوقع أيضا يُشكل أي نص، على الرغم من أن الجمهور الفعلي قد يقرأ معان مختلفة تماما عن تلك التي يقصدها المنتجون.”التفكيك” هي عملية فحص كل هذه الجوانب من “النص”.
نظرية الكوير هي فرع من الدراسات الثقافية التفكيكية ما بعد الحداثية. هنا نجد أن تحليل الخطابات الجندرية الثقافية قد أُدرج ضمن النسوية ما بعد الحداثية. ركز الكثير من التفكيك النسوي ما بعد الحداثي على التمثيلات الثقافية، مثل الأفلام ومقاطع الفيديو والتلفزيون والموسيقى الشعبية والإعلانات – سواء كانت تستهدف البالغين أو المراهقين أو الأطفال – فضلا عن اللوحات، والأوبرا، والإنتاج المسرحي، والباليه. فكلها تمتلك خطابات تخبرنا سرا وعلانية شيئا عن الأجساد الأنثوية والذكورية، والرغبة الجنسية، والأدوار الجندرية. فأغنية رومانسية عن رجل رحل بعيدا تحتفي صراحة بالغيرية الجنسية؛ وتراجيديا تنوح على موت رب الاسرة الذي يكسب قوتها تمجد العائلة النووية التقليدية. تؤثر هذه الخطابات على طريقة تفكيرنا في عالمنا، دون أن تستجوب الافتراضات التحتية حول الجندر و الجنسانية.تشجع تلك الخطابات الاختيارات المعتمدة حول العمل، والزواج، وإنجاب الأطفال من خلال إظهارها بأنها عادية ومجزية وإظهار ما تم رفضه على أنه يؤدي إلى”نهاية سيئة”. تتجاوز نظرية الكوير الإنتاج الثقافي لفحص خطابات الجندر والجنسانية في الحياة اليومية كنصوص للتفكيك. في نظرية الكوير، الجندر والجنسانية “تأدية أدوار ” – نحن نخلق الهويات أو الذوات عندما نفعل ونتفاعل مع الآخرين.ما نرتديه وكيف نتحدث هي علامات وعروض للجندر والجنسانية. والذي نفعله اجتماعيا يخلقنا كنساء ورجال في مجموعة عرقية وطبقة اجتماعية ومهنة ودين ومكان إقامة معين، حتى لو حاولنا خلق أنفسنا كأفراد. درس منظرو الكوير ما إذا كان ارتداء جندر معين لملابس الجندر “الآخر” مثلا يخلق مساحة اجتماعية أكثر حرية أو يستنسخ الجندرية التقليدية. فالنساء والرجال، مثليي الجنس والمغايرين جنسياً وثنائيي الجنس، وأولئك الذين يلبسون ثياب الجندر الآخر لأجل عروض “الدراغ”، وحفلات الأزياء، والماردي غرا، ومسيرات الفخر للمثليين، وكذلك أولئك الذين يعيشون في حالة الجندر الآخر كلهم نصوص في الخطاب الجندري والجنسي ذاته. ما وجده المنظرون الكويريون ان الادوار الجندرية في كثير من الأحيان يُعاد انشاؤها بنفس الطريقة القديمة –أن المتخنثين يظهرون بملابس نسائية تماما وفقا للتقاليد الجندرية وان المتخنثات يردتين ملابس ذكورية وأن المرأة الملتحية التي ترتدي تنورة وكعبا عاليا لازلت تبدو وكأنها في عرض للسيرك ومحاطة بتحديقات الجموع في الشارع بوصفها خارجة عن الاتفاقيات الجندرية التي حددت مسبقا المعايير المقبولة وغير المقبولة اجتماعيا.وفي حين تصب نسوية البنائية الاجتماعية جل اهتمامها على المؤسسات والهياكل، ولا تهتم بما فيه الكفاية بالإجراءات والسلوكيات الفردية، نجد أن لنسوية ما بعد الحداثة ونظرية الكوير عكس الاهتمامات تماما. في نظرية الكوير، كل التركيز على الذات الفاعلة، وإدارة الانطباعات، وأقنعة تقديم الذات والزي، من أجل انتاج /أو المحاكاة الساخرة من الانسجام والمطابقة الجندرية (مادونا هي من كبار مؤيدي ورموز الكويرية).تهتم ما بعد الحداثة النسوية بشكل رئيسي بتفكيك الإنتاجات الثقافية، مهملة بشكل ملحوظ خطابات السيطرة والتقييد المتضمنة في النصوص التنظيمية والقانونية والدينية والسياسية. يمكن لتحليلات نسوية البنائية الإجتماعية للممارسات المؤسساتية التنظيمية التي تحافظ على النظام الجندري ان تتعاضد مع ما بعد الحداثة النسوية والنظرية الكويرية التي تركز على تفكيك تعامل الافراد مع الجندر أو تراجعهم عنه. تقول نسوية البنائية الاجتماعية إن النظام الاجتماعي القائم على الجندر يعيد تثبيت نفسه باستمرار من خلال العمل الفردي، ولكن نظرية الكوير تظهر كيف يمكن للأفراد بوعي وقصد خلق الفوضى وعدم الاستقرار في النظام الجندري، ما يفتح الطريق أمام التغييرات الإجتماعية. يمكن لنسوية البنائية الإجتماعية أن تظهر مواقع التناقضات البنيوية وخطوط الصدع التي من شأنها أن تقدم مواضع ضغط معينة يستغلها الأفراد والمنظمات والحركات الاجتماعيةلإعادة هيكلة طويلة الأمد ونظام اجتماعي أكثر عدلا ومساواة لجميع الناس. ثم سنجد (كويرين آخرين) يقومون بزعزعته من جديد!!.وأخيرا تستجوب نسويات الثورة الجندرية المعارضة ثنائية. وتوظف هذه التيارات فئات أكثر من “الرجل” و”المرأة”، لأن كل فئة من فئات الجندر متشابكة مع فئات اخرى مثل العرق و الدين والطبقة الاجتماعية. الجنسانية أيضًا ليست ثنائية أو ثابتة. هناك ست جنسانيات على الأقل – امرأة مغايرة الجنس، رجل مغاير الجنس، مثليه، ومثلي، ثنائي الجنس، وثنائي الجنس وثنائية الجنس. هذه الحالات الجندرية الجنسيه تشمل مجموعة متنوعة من المشاعر والخبرات. الجنس البيولوجي ليس ثنائيا أيضا – اذ بالإضافة للذكور والإناث، يمكنك إضافة الخنثى والمتحولات والمتحولين. من الناحية الفسيولوجية، هناك تداخل في قوة العضلات والتحمل البدني – سلسلة متصلة وليس تقسيما حاسما الى ذكر وانثى.يزعج الاعتراف بالفئات المتعددة أناقة قطبية الأضداد ويقوض افتراض أن فئة واحدة هي المهيمنة والاخرى تابعة او خاضعة، واحدة عادية والاُخرى منحرفة، واحدة ذات قيمة والثانية “آخر”. تدعي نسوية الثورة الجندرية أن جميع الأوضاع التي تهيكل حياتنا مركبة اجتماعيا. وبالتالي، فمن الممكن أن يكون هناك اختلافات متعددة واختلاطات وتداخلات لكل ما يمكن للبشر اختراعه في السلوك والعلاقات العاطفية والجنسية، والهويات. تصبح سياسات الهوية أكثر تعقيدًا، لكن تتضاعف أيضا احتمالات الائتلافات ,والتحالفات السياسية.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

 

abstract painting on canvas

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015