الطلاق والحضانة.. نساء في سلمية لم ينصفهنّ قانون، ولم يرأف بهنّ مجتمع
الطلاق والحضانة.. في مدينة السلمية

(NORTH Press (NPA- ينحاز قانون الأحوال الشخصية السوري بشكلٍ واضح إلى الرجل على حساب المرأة في قضايا الطلاق وما يترتب عليها، وخاصةً ما يتعلق بجزئية النفقة والحضانة، التي يدفع فيها الأطفال الثمن إلى جانب الأم.

وفي بلاد شهدت أكثر من 19 ألف حالة طلاق في الأشهر التسعة الأولى من عام 2020 وفقاً لإحصائية صادرة عن مديرية الأحوال المدنية في حكومة دمشق، تبدو الحاجة ملحّة لإصدار قانون يضمن حقوق عشرات الآلاف من المطلقات وأطفالهن. 

وبالرغم من إقرار مجلس الشعب السوري تعديلات على قانون الأحوال الشخصية في 5 شباط/فبراير عام 2019، إلا أنها أثارت جدلاً واسعاً بين السوريين، نظراً لـ “التغييرات التجميلية” التي أقرتها، ولا تمس عمق القوانين المناهضة لحرية المرأة وحقوقها.” على حد وصف قانونيين محسوبين على الحكومة نفسها.

فيما عدّها أعضاء في مجلس الشعب حينها “وسيلة لتحسين صورة الحكومة أمام الخارج” وليس الهدف منها تغيير “الواقع المجحف” الذي تعيشه النساء السوريات.

في هذا التحقيق تعرض “نورث برس” قصصاً لنساء أمهات من مدينة سلمية (33 كم شمال شرق حماة) يختبرن يومياً مفاعيل قانون الأحوال الشخصية عليهن وعلى أطفالهن. نساء اخترن الانفصال عن أزواجهن، واشتركن في ظروف مادية واجتماعية أجبرت بعضهن على التخلي عن حضانة أطفالهن، وبعضهن الآخر تمسكن بها على حساب حياتهن ومستقبلهن.

روعة؟

“أنتِ مربية لابنك، خدامة بالبيت وبنت ليل بالأخير”، بهذه الكلمات بدأت روعة وهو اسم مستعار لسيدة تبلغ من العمر 29 عاماً، حديثها عن أسباب انفصالها عن والد طفلها، وعن قرار الانفصال الذي تم بمخالعة رضائية، والمماطلة في تثبيت طلاقها قانونياً لأكثر من تسعة أشهر منذ رفع الدعوى عام 2019.

تروي “روعة” أنه بعد خمسة أشهر على الطلاق، وبسبب الظروف المادية السيئة في منزل عائلتها، لم ترغب أن تكون هي وابنها عبئاً إضافياً على أهلها، لكن مبلغ النفقة الزهيد الذي أقرته المحكمة لها” 8000 ” ليرة سورية شهرياً لم يكفِ أبداً احتياجات ابنها.

وتقول: “حين حاولت التفكير بزيادة مبلغ النفقة عن طريق الإثبات للمحكمة أن الوضع المادي لوالد طفلي جيد ويمكنه تزويده بمصروف يلبي احتياجاته، لم أستطع فعل ذلك لأن جميع أملاكه لم تكن باسمه قانونياً بل باسم أخيه، والمحكمة تأخذ فقط بالقانون حتى لو كان الجميع يعلم بوضعه وظرفه المادي الجيد.”

بعد ذلك، وجدت “روعة” أن مصلحة ابنها هي باستقراره مع والده، فاتفقا في البداية على أن يزورها طفلها نهاية كل أسبوع في منزل عائلتها، “لكن الاتفاق لم يدم طويلاً. أخلّ الأب بالاتفاق، ومنع الأم عن طفلها 45 يوماً بذريعة تخلّيها عنه كي يتسنى لها العيش بحرية أكثر.” بحسب ما نقلت روعة حول اتهامات الأب لها.

لكن هذا “الاتهام لا يمت للواقع بصلة” كما تقول روعة، “لأن ظرفي المادي هو من أجبرني على إسقاط حق الحضانة، فاضطررت بعد ذلك إلى رفع دعوى “إراءة ” في المحكمة، أقرت حينها رؤية طفلي لمدة ساعتين فقط وليوم واحد في الأسبوع.“

تقول روعة ” لست راضية أبداً على قرار المحكمة. من حقي أن أرى طفلي يوماً كاملاً على الأقل، وفي مكانٍ آخر غير المحكمة.” 

ورغم محاولاتها في سبيل ذلك، إلا أن طليقها كان دائم الرفض “رؤية طفلي في المحكمة ليس أمراً سهلاً أو مريحاً، وفي كل لقاء كنت أتقاسم معه الشعور بعدم الارتياح، فالمكان في المحكمة غير مؤهل، تغيب الخصوصية في تلك القاعة والأجواء مقيّدة جداَ.”

لم تتوقع روعة الوصول إلى وقت تضطر فيه لإبعاد ابنها عنها، وما تلى ذلك من معاناة لهما للاجتماع معاً. واليوم “أسعى لإيجاد فرصة عمل مناسبة تمكنني من سد حاجاتي وحاجات ابني لعلّي أستعيده في أقرب وقت ممكن.”

جميلة؟

في عام 2005، تنازلت جميلة (49 عاماً) في قضية مخالعة رضائية عن كامل حقوقها ومستحقاتها باستثناء حضانة طفليها. “موضوع الحضانة كان أمراً محسوماً بالنسبة لي. لم أقبل النقاش فيه.” وفقاً لقولها. نقطة الخلاف مع زوجها السابق كانت حول مبلغ النفقة المستحقة لطفليهما. حاول الأب التهرب من دفع النفقة. لاحقاً في المحكمة رفض دفع ما يزيد عن ثلاثة آلاف ليرة للطفلين، بذريعة ظروفه المادية السيئة.

تروي جميلة التفاصيل: “لم يشارك الأب في أي مصاريف أخرى. كنت أنا المسؤولة عن كل ما يحتاجه أطفالي من طعام ولباس واستشفاء ورفاهية، حتى المساهمة المعنوية (التربوية) لم يكترث لها، معتبراً أني شخصية مسؤولة وقادرة على القيام بكل المهمات.” 

لكن بالمقابل استخدم الأب، “الضغط المادي” مع الأم لدفعها إلى العودة إليه “كان يخبرني أن لا مانع لديه من تربية أولاده وحده وتحمّل مسؤوليتهما، لكن طوال فترة تواجدهم معي تهرب دائماً من كل الالتزامات.”

خلال كل ذلك، واجهت جميلة على المستوى الاجتماعي العديد من التعليقات حول انفصالها في عمر صغير ومع طفلين، ما سيمنعها من الزواج مرة أخرى بحسب “أقاويل الناس”، لأنه في حال تزوجت مرة ثانية فسوف يسقط حق الحضانة.

وينصّ قانون الأحوال الشخصية في المادة 146 على أن “حضانة الأم تسقط بمجرد زواجها من غير محرم من المحضون، لكن جميلة أصرت “بمؤازرة عائلتي على أن أكون المسؤولة عن طفلي وتربيتهما.”

وتقول: “كنتُ وما زلت الأب والأم. مساهمة طليقي حتى اللحظة مادية فقط، ودائماً في الحد الأدنى، ولكن حالياً ولديّ أصبحا طالبان في الجامعة، أوصلتهما إلى ما هما عليه، وأسعى أن يتمكنا من الاستقلال وشق طريقيهما في الحياة.”

ديما؟

تتحدّث ديما (44 عاماً) عن انفصالها في عام 2009، وتقول: “ضغط العمل في وظيفتي لم يسمح لي أن أعيش بشكل طبيعي خلال حياتي الزوجية، كان مطلوباً مني أن أكون الزوجة المثالية والاجتماعية في ظل ساعات عملي الطويل وبوجود طفلي بعمره الصغير.” 

وتضيف: “ما عانيته من مقارنات مع نساء غير عاملات، بالإضافة إلى السيطرة الاجتماعية والمادية التي طالت حتى راتبي من وظيفتي، والتهديدات التي أطلقها زوجي من أن بقائي معه محكومٌ بانتهاء فترة حضانتي لطفلنا. كلها دفعتني للانفصال عنه.”

كحال جميلة، لم تناقش ديما حقها في حضانة طفلها. تقول: “بقي طفلي معي بقرار من المحكمة، لكن لم أحصل على كامل حقوقي، لأن الطلاق الذي حصل بيننا لم يتم بشكل رضائي، وانفصلت عنه بشكل قانوني بعد سنة من رفع الدعوى.” 

إضافةّ إلى مبلغ النفقة الذي لم تحصل عليه ديما إلا بعد سنتين ونصف من الانفصال “كان المبلغ زهيداً (850 ليرة) لدرجة أني كنت أنتظر عدة أشهر لاستلامه مجمّعاً، لاحقاً ارتفع إلى 1200 ليرة” كما تروي. 

وتحدّثت ديما عن تصرفات والد ابنها “الكيدية” كما وصفتها. وتذكر أنها بدأت قبل تركها المنزل “لم نتفق أبداً في طريقة تربية طفلنا، كنا نختلف على الكثير من التصرفات التي يقوم بها وأجدها غير مناسبة للتعامل مع طفل بعمر صغير.”

تطوّر الخلاف لاحقاً إلى عادات كيدية استمرت حتى بعد انفصال الزوجين “كنت ألاحظ ذلك حين يعود ابني من كل زيارة لوالده، عبر كلمات وتصرفات غير مناسبة يقوم بها معي ومع عائلتي.”

تقرّ ديما بأن التصرفات الكيدية تلاشت بعد سنوات “لا أعلم إن كان والد ابني قد تغير، لكننا الآن وبعد العديد من الصراعات نتفق حالياً على شكل التربية والمصروف المادي، وبعد دخول ابننا المدرسة أسقطتُ حق النفقة لقلة قيمتها، ولأن والده بدأ بالمساهمة في دفع أقساط تعليمه.”

ترى ديما أن مساهمة الأهل ودعمهم للمرأة وطفلها في حالة الانفصال غالباً ما يكون أحد الحلول لما تتعرض له هي وابنها من ضغوط اجتماعية ونفسية، لكنه على أهميته غير كافٍ.

على سبيل المثال، توضح، أنه بسبب وظيفتها وأشغال أفراد عائلتها ووظائفهم، وعدم قدرتهم على التواجد في المنزل، لم تتمكن من تسجيل ابنها في مدرسة عامة، لعدم تناسب أوقاتها مع أوقات أهلها، ما اضطرها لتسجيله في مدرسة خاصة لا قدرة لها على تحمل تكاليفها.

تُلفت ديما إلى مشكلة أخرى تواجهها مع ابنها: “في عمر المراهقة يحتاج ابني إلى اتفاق أكثر بيني وبين والده على تربيته ودراسته وهذا ما افتقده بعض الأحيان، وبالرغم من مساندة عائلتي واحتوائهم لي ولابني، لكن عدم توفر الاستقلال المكاني يساهم أكثر في حالة القلق والتوتر لكلينا، وكل ذلك يقع تأثيره الأكبر على دراسته.”

وتقول إن تجربتها مع ابنها جعلتها أمام أمانة صعبة، ذلك أن الموقف الطبيعي الذي يحدث مع طفل يعيش بين أبوية يمكن أن يكون كارثياً لابن المطلقة “فإذا سقط ابني خلال اللعب، تبدأ الأقاويل من قبيل (وين كانت أمه، ليش مو مهتمة فيه، ومع مين ملتهية”، وهذا ألم إضافي تعاني منه الأم والطفل” على حد قولها.

قصص لم يتحدّد مصيرها بعد!

العديد من النساء ما زال لديهن الكثير من القصص والأحداث التي تروينها حول انفصالهن وتجاربهن مع حضانة أطفالهن، والتي غالباً ما تكون عائقاً أمام أي قرار شخصي تسعى إليه تلك النساء.

إحدى السيدات (أمل 48 عاماً) تروي تجربتها بعد انفصالها قانونياً وتنازلها عن كامل حقوقها، ومن ثم اضطرارها للتراجع عن قرارها والعودة إلى والد ابنها بسبب ما قام به من تصرفات كيدية طالت ابنهما بشكل مباشر، كمنعه من التواصل مع والدته لفترة قصيرة، وتصويره في لقطات عفوية سعى من خلالها الأب إلى استعطافها والضغط عليها لتقرر التراجع عما سعت إليه، في ظل فقدان الدعم من عائلتها ومحيطها.

أما نور(24 عاماً) فقصتها لم تُكتب نهايتها بعد، فهي لا تعلم عن مصير طفلها البالغ من العمر أربع سنوات بعد أن خرجت من منزل زوجها بداية كانون الأول/ ديسمبر 2020. 

تقول: “أنوي الانفصال عن زوجي بسبب مشاحنات ومشكلات أثرت عليّ نفسياً، وسواء بقيت أم لا، فلن ينجو طفلي من أثر هذه المشكلات.”

وتشير نور إلى أن الاتفاق لم يحصل بعد، و”إن طالت المماطلة لدرجة أحسبها ستؤثر على مستقبلي، سأتنازل عن كل شيء بالرغم من حقي في حضانة ابني وعدم ممانعة زوجي لذلك، لكني غير قادرة على احتضانه في الوقت الحالي.”

تركت نور طفلها في منزل جدته أم والده لعدم توفر بيئة مناسبة، معنوية ومادية لتربيته في منزل عائلتها، كما قالت.  

وتضيف: “أنوي حالياً الاستمرار في دراستي، وإيجاد فرصة عمل تجعلني قادرة على الاستقلال لأستعيد طفلي إليّ لاحقاً، وحتى لو طال الأمر لسنوات، فلا سبيل آخر أمامي.” 

الأسباب؟

في قراءتها لأكثر الأسباب المؤدية إلى الطلاق، وموقف النساء الضعيف اجتماعياً وقانونياً، تشرح اختصاصية اجتماعية (فضّلت عدم الكشف عن اسمها). وقالت لنورث برس: “عندما تكون المرأة عاملة ومنتجة تزداد الضغوط على حياتها بدءاً من العمل إلى ضغوط المنزل وواجباته، وأيضاً متطلبات العلاقة مع شريكها وأطفالها.”

تُضيف المتخصصة الاجتماعية: “مع مرور الوقت، وإذا لم يحدث تفاهم واتفاق واضح بين المرأة والرجل، ستطفو المشكلات على السطح مع كل مرحلة تتقدم فيها العائلة، وفي حال كانت المرأة حين انفصالها غير عاملة ومستقلة فكرياً ومادياً ستكون خسارتها وتنازلاتها أكبر.”

التنازل عن حضانة الأطفال وارد لدى هذا النوع من النساء، خاصةً إذا استخدم شريكها أسلوب المماطلة والتسويف، وعادة ًيكون ذلك بسبب غياب المعرفة والوعي عند المرأة ومحيطها بالحقوق والقوانين المتعلقة بقضايا الحضانة والانفصال بحسب المتخصصة الاجتماعية. 

وتشير إلى الدور المجتمعي المحيط ببيئة المرأة أو الرجل الذي يضغط بشكل أو بآخر على قرارهما، لاسيما إذا تم استخدام الأطفال كوسيلة للضغط على شكل العلاقة أو على شروط الانفصال.

وتذكر المتخصصة الاجتماعية بعض الأسباب الجديدة التي برزت مؤخراً وسببت حالات انفصال عديدة. وتقول: “إن اختلاف البيئات بين المرأة والرجل، وخاصةً بعد النزوح والاختلاط الكبير الذي حدث في مدينة سلمية، أدى إلى ظهور مشكلات جديدة سبب بعضها يعود إلى الانتماء الطائفي المختلف لكلا الزوجين.”

كما تؤثّر المواقف السياسية للزوجين أو ذويهما في حدوث الطلاق “وهو ما شهدناه في سنوات الحرب الأولى، يُضاف إلى ذلك، الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي اليوم في خلق مشكلات لم تكن موجودة سابقاً.” بحسب ما تذكر الاختصاصية الاجتماعية.

وتُشير الاختصاصية إلى فكرة تنازل المرأة عن حقوقها وحريتها في بعض المواقف بالرغم من درايتها لعواقب تلك التنازلات. 

وعدّت أن تجهيل المرأة بحقوقها أمر كارثي، لافتةً إلى الدور الحيوي الذي يجب أن تؤديه المنظمات والجمعيات المحلية المعنية بالنساء، والذي “يزداد أهميةً مع صعوبة التغيير السريع للقوانين.”

ويقع على عاتق هذه الجهات، كما ترى الاختصاصية الاجتماعية، العمل على تمكين النساء وزيادة وعيهنّ تجاه أنفسهنّ وحقوقهنّ، والأهم شرح القوانين المتعلّقة بالأطفال عند اختيارهنّ للانفصال.

قانون؟

في معظم القصص التي روتها نساء من سلمية لـ”نورث برس” ظهر أن مشكلة النفقة كانت الأكثر تكراراً وإجحافاً بحقهنّ وحق أطفالهن، حيث تمثّل قيمتها إهانةً للأم والأطفال، لكنها من جانب آخر، تتزامن مع أوضاع اقتصادية متردّية تعاني منها البلاد عموماً.

ينصّ قانون الأحوال الشخصية السوري في المادة 142 فيما يتعلق بنفقة الحضانة على أن “أجرة الحضانة على المكلف بنفقة الصغير وتقدر بحسب حال المكلف بها.” 

يشرح سامر أحمد، وهو اسم مستعار لمحام طلب عدم نشر اسمه، حيثيات هذا النص، ويقول إن: “ذلك التقدير يعود للقاضي الشرعي الذي يقرر المبلغ بناءً على المعطيات والظروف الاقتصادية للأب وبالشكل القانوني.”

ويستدرك “أحمد”: “في الوقت الحالي وبسبب سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد، يوحّد القاضي في معظم الأحيان مبلغ النفقة، إذ لا تستطيع المحكمة مطالبة الأب بمبالغ كبيرة تفوق راتبه الشهري إذا كان موظفاً حكومياً على سبيل المثال، وتستطيع الأم أن تطالب بزيادة النفقة كل ستة أشهر، لكن تبقى هذه الزيادة محدودة وغير كافية لاحتياجات الطفل.”

وحول التصرفات الكيدية وحالات الابتزاز المتعددة التي تتعرض لها الأم أو الطفل في قضايا الانفصال والحضانة، يقول المحامي إن القانون في سوريا لا يتناول هذه الأمور “هذه مشكلات اجتماعية ليست ضمن اختصاص المحاكم، بينما توجد مؤسسات اجتماعية تعالج هذه القضايا في بلدان أخرى.”

وبحكم عمله في قضايا الطلاق والحضانة، يقدّر المحامي أن نسبة الأمهات اللواتي يتعرضن للظلم والابتزاز المادي قد تقارب 70 بالمئة. ويشير إلى أنه “في معظم حالات الانفصال يتهرب الأب ويماطل في الالتزام، ما يضطر الأم للجوء إلى القانون لتحصيل نفقة الأطفال، وغالباً ما يكون هذا التحصيل هو الحد الأدنى من النفقة.”

ويقول المحامي: ”حتى لو تغير القانون أو عدّل في بعض الإجراءات، إلا أن ظروف البلاد غير مناسبة، بما في ذلك فترة ما قبل الحرب التي لم تكن حينها مناسبة لتحصيل حق الأم والطفل لمستحقاتهم المعنوية والمادية.” 

القضاء؟

يعتقد محامون قابلتهم معدة التحقيق، أن طريقة التعامل مع قضايا الطلاق وحضانة الأطفال كانت قبل الحرب أقل عنفاً وقساوةً، وكانت العائلات أكثر مبالاةً بهذا النوع من القضايا من الوقت الحاضر.

ويقرّ محامٍ آخر فضّل عدم الكشف عن هويته بأن النفقة المالية هي تحقيق للحد الأدنى من معيشة الطفل وليست للرفاهيات، ومع ذلك هي لا تحقق هذا الحد الأدنى، تبعاً لتحديدها على أساس متوسط الرواتب التي يتقاضاها الموظفون الحكوميون. ويشير إلى أن النفقة كانت قليلة وغير كافية قبل الحرب، فيما ازدادت تدهوراً في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، أي أن “القيمة الزهيدة للنفقة هي مشكلة قديمة وليست جديدة.” على حدّ قوله.

ويضيف “القضاء لا يستطيع إقرار مبالغ كبيرة يُلزم بها الأب إلا بإثبات الوثائق الرسمية التي تدلّ بشكل واضح على أملاكه ومدخوله الشهري، وهذا صعب في معظم الأحيان.”

وقد تكون كثرة القضايا والدعاوى سبباً لغياب البحث الكافي والتحقق عن استحقاق الطفل للنفقة الكافية، إضافة إلى أن هذا البحث يكون عادةً من مهام المحامي الموكل في القضية وليس القاضي الشرعي، كما يشرح المحامي. ويشير إلى أن “دور القضاء في هذا الأمر مقيد بالقوانين الموجودة في الوقت الحالي، وأي حلول ممكنة في تلك القضايا سيكون اعتمادها الأكبر على الدور المجتمعي في المنطقة أكثر من القضائي.”

الطلاق!

يذكر مصدر في المحكمة الشرعية بمدينة سلمية لـ”نورث برس” أن نسب الطلاق كانت تتراوح ما بين 20 إلى 25 بالمئة قبل عام 2011، ويضيف أن هذه النسبة ما زالت ثابتة، تزامناً مع الزيادة في حالات الزواج في الوقت الحالي.

وقال المصدر إن أكثر حالات الطلاق ومشكلات الحضانة تحصل عندما يكون الأب هو الابن الأكبر لدى عائلته، أو الابن الوحيد لها، مما يخلق فرصة أكبر لزيادة المشكلات بين عائلته من جهة، واستقلاله في الحياة الزوجية من جهة ثانية.

ويلفت المصدر إلى وجود حالتي طلاق حصلت في المحكمة، أقر القاضي فيهما نوعاً آخر للنفقة ويدعى “نفقة علم”، وألزم بها اثنين من الآباء تجاه أبنائهم من الإناث لمتابعة دراستهن، لكن هذا الأمر لم يتكرر في حالات أخرى، ولم تشهد المحكمة إقراراً لتلك النفقة على الأبناء من الذكور.

وأشار المصدر أيضاً إلى حالات الزواج المبكر التي تزايدت عند الفتيات بأعمار أقل من 15 سنة في المدينة بعد عام 2011، وجميعها كانت تثبّت قانونياً عندما تكمل الفتاة الثامنة عشر من عمرها.

في بلادٍ لا يسعى القانون فيها إلى توفير أي حلول عادلة للنساء المطلقات وأطفالهن، تسعى كلٌّ من روعة وجميلة وديما وأمل ونور، مع اختلاف مشكلاتهن، إلى الاستقلال المادي والمكاني، لأنه الحل الوحيد الذي يضمن حقوقهنّ وسلامتهنّ مع أطفالهنّ.

إنه طريقٌ طويلٌ أمامهنّ جميعاً بظروف مجحفة وغير عادلة. قطعت بعضهنّ أشواطاً منه، فيما لا تزال أُخريات في بدايته. 

إعداد: غزل فطوم – تحرير: سامي شحرور – حمزة همكي

تنويه: جميع الأسماء في التحقيق مستعارة بناء على طلب المتحدثين، لأسباب أمنية واجتماعية. 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015