«حرب» الطلاق في اللاذقية: الهشاشة الاجتماعية تحت مجهر «السوشال ميديا»
القصر العدلي في اللاذقية/ أرشيف

بديع الزمان مسعود/sot-sy- تسجل حالات المخالعة في اللاذقية ازدياداً لافتاً، وبمعدّل تصاعدي لأنها وفقاً لأحد المحامين «باتت أحد أكثر الحلول قبولاً لدى شريحة واسعة من النساء». تعد المخالعة وسيلة للحصول على طلاق سهل وسريع، بعد تنازل الزوجة عن كل حقوقها مقابل الحصول على حريتها.

حين حصلت سماح على ورقة طلاقها عمدت إلى توزيع الشوكولا، والكاتو، والسكاكر على أهلها وصديقاتها المقرّبات احتفاءً بالحدث.

كان تصرف سماح غريباً على بيئة تعتبر الطلاق لا «أبغض الحلال عند الله» فحسب، بل وكارثة كاملة الأركان، خاصة أنها بلغت من العمر الخامسة واﻷربعين، وبذلك فإنّ لحاقها مرة ثانية بقطار الزواج قد لا يكون متاحاً بسهولة إذا فكرت في ذلك.

أخذت سماح قرارها لتنهي عقدين من الارتباط بمهندس أجبرها في مرحلة من حياتهما المشتركة على ترك وظيفتها لدى جهة عامة، واللحاق به إلى دولة اﻹمارات، قبل أن تعود إلى سوريا، وتقضي السنوات الثلاث الأخيرة من زواجهما في اللاذقية من دون أن تتلقى منه ولو مكالمة هاتفية واحدة.

في النهاية سعت إلى الحصول على حكم بالمخالعة متنازلةً بالكامل عن حقوقها التي يفرضها القانون والشرع الديني، ومن بينها المهر، ونفقة طفليها.

لا تستفيض السيدة في الحديث عن الحيثيات، تقول «أنا على أبواب مرحلة جديدة سأركّز فيها على طفليّ اللذين تقبّلا ما حدث حتى اﻵن، وآمل أن يتجاوزا مصاعب غياب والدهما». 

الطفلان في مرحلة التعليم الأساسي (في الصفين الخامس والسادس)، فيما تحمل السيدة شهادة جامعية في المحاسبة تتيح لها العمل في العديد من المجالات.

أضافت سماح نفسها، بلا ندم كما يظهر، إلى قائمة طويلة من النساء السوريات اللواتي حصلن على «ورقة النجاة من الموت» كما تصفها، وتتابع ضاحكةً وهي تزيّن وجهها بالمساحيق والابتسامات: «ﻷول مرة منذ وقت طويل، أشعر بأنني خفيفة الوزن والروح».

معدل تصاعدي

في الفترة الأخيرة ازدادت حالات المخالعة في اللاذقية، وبمعدّل تصاعدي يصفه المحامي أنور بأنه «قد يبدو مقلقاً، لكن المخالعة باتت أحد أكثر الحلول قبولاً لدى شريحة واسعة من النساء». 

ويضيف: «الطلاق العادي يحتاج وقتاً طويلاً قد يمتد سنوات عديدة، وهناك إمكانية كبيرة للتلاعب بالنتائج التي يراد الوصول إليها، لكنّ المخالعة سهلة وسريعة، ولا شك أن كثيراً من الرجال يفضلون أن تلجأ زوجاتهم إليها ففيها خلاص لهم من العبء الاقتصادي والاجتماعي». 

هناك العديد من الأسباب الجديدة التي باتت تدخل في حسابات الطلاق. تقول المحامية مرح إنّ «سبباً أساسياً هو الحرب، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكلاهما ساهم في دفع المرأة باتجاه التخلي عن حقوقها بغاية نيلها حريتها، خاصة أن ضغوط العائلة انخفضت عن السابق، أو على الأقل صار هناك تفهّم لما يجري، وما عاد اﻹجبار سياسة عامة لدى الأهل».

وتضيف: «هذا عدا عن أن نسبة كبيرة من حالات الطلاق هذه، وبالتحديد المخالعة، تحدث في أوساط ذات سوية تعليمية عالية، فضلاً عن أن نسبة كبيرة من المجتمع في اللاذقية غير محافظة عموماً».

بين شهري كانون الثاني وأيلول من العام الماضي (2020) سجّلت المحكمة الشرعية في اللاذقية أكثر من ألف حالة طلاق، مقابل أقل من 800 حالة زواج. قد لا تبدو نسبة حالات الطلاق كبيرة بالقياس إلى عدد سكان المحافظة (قرابة مليون ونصف)، لكن العدد غير قليل، وخاصة إذا ما قورن بعدد حالات الزواج المسجلة.

الحرب والتواصل الاجتماعي!

لا يمكن افتراض أن أسباب المخالعة مقتصرة على أن «كل الرجال عاطلون» طبعاً. هناك حالات كثيرة سُجلت لأسباب قد تبدو واهية لكنها جذرية، وفي حالات أخرى كان تغير ظروف الزوج سبباً مباشراً. في واحدة من هذه الحالات طلبت سيدة تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً المخالعة من زوجها جريح الحرب، لأنه «ما عاد قادر يشبعني الأكل» وفق كلامها، مضيفةً أنها «غير مضطرة لأن تضيع عمرها على معاق».

الحرب التي لم تظهر نتائجها الاجتماعية بكامل آثارها بعد، تلعب دوراً رئيسياً في ارتفاع حالات الطلاق والمخالعة، خاصةً أن هناك ما يشبه نمطاً من الزواج سبق التحاق عدد من الذكور بقطعاتهم العسكرية، وهو تسجيل زواجهم من شابات – أعمارهن في الغالب لا تزيد عن 25 عاماً – على القيود الرسمية (ما يسمى تسجيل محكمة)، من دون إكمال إجراءات الزواج الشرعية (عقد القران الإسلامي)، ومع مصرع بعض أولئك الأزواج في الحرب، نشأت حالات متعددة من الطلاق الجديدة نسبياً على المجتمع السوري.

في تصريح سابق لإحدى الجهات اﻹعلامية، قالت الاستشارية التربوية نورا نحّاس إن «نسبة كبيرة من حالات الطلاق في سوريا، بما فيها زواج القاصرات من رجال تنظيمات مسلّحة، سببها الحرب وآثارها غير المباشرة»، كما لوحظ ازدياد نسبة الطلاق بين الأسر السورية اللاجئة في أوروبا، على سبيل المثال تقول دراسة أجريت على عينة عشوائية في هولندا قبل عامين إن «ربع الأسر السورية في هولندا شهدت حالات طلاق». 

أحد الأسباب الإضافية لارتفاع نسبة الطلاق العامة في البلاد بالعموم، يرتبط بمنصات التواصل الاجتماعي. في واحدة من القصص التي تحوّلت إلى نقاش عام، أقدمت طبيبة في اللاذقية على طلب المخالعة بعد أن اكتشفت أن زوجها ـ وهو طبيب أيضاً ـ يرسل مبالغ مالية كبيرة إلى شابّة مقابل تزويده بصور لها عبر تطبيق واتساب.

ليست هذه الحالة هي الوحيدة التي عرضت للرأي العام، فهناك العديد منها، وتشمل طيفاً مختلفاً من الطبقات الاجتماعية. في واحدة من الحالات أقدمت سيّدة على مخالعة زوجها وتركت له ثلاثة أطفال على أمل أن عشيقها سيتزوجها، لكن العشيق اختفى، ثم تبين أنه سرق من السيدة مبالغ مالية كبيرة.

هشاشة اجتماعية

تتضافر هذه العوامل في تبيان الهشاشة الاجتماعية التي أخرجتها الحرب إلى العلن، ووضعتها تحت مجهر المراقبة.

يشير الخبير الاجتماعي الدكتور محمد، وهو مدرّس في كلية علم الاجتماع في جامعة تشرين إلى أنّ «ما نراه أو نسمعه يومياً هو نتيجة طبيعية للحرب، وبالأصل، فهذه الأحداث كانت تجري في المجتمع، لكن ميزة التواصل الاجتماعي أنه نقلها إلى مساحة الضوء ليظهر حجم الهشاشة الكبيرة التي تعيشها الأسر في مجتمعاتنا».

السبب الرئيسي كما يراه الخبير الاجتماعي أنّ «العديد من حالات الزواج بنيت على نوع من الإكراه المجتمعي أو النفسي، بما فيها تلك التي توّجت علاقات حب، قبل أن تقود الضغوط إلى تفكك المؤسسة الزوجية بسهولة، خاصة مع الوضع الاقتصادي المزري لغالبية الأسر السورية».

يشير الباحث إلى أنّ «العامل الاقتصادي ليس أساسياً بشكل دائم، فحياة الفراغ التي تعيشها طبقة أمراء الحرب بنسائها ورجالها، لعبت دوراً هي اﻷخرى في انتشار حالات الخيانة الزوجية، ومن ثم الطلاق».

ويضيف: «في هذه الشريحة بالتحديد تندر قصص المخالعة، نظراً للمخاطر الكبيرة التي قد تطاول السيدة التي تطالب بها، وهي مخاطر قد تصل إلى القتل، وهو ما تعرّضت له سيدة ينتمي زوجها إلى هذه الشريحة في منطقة جبلة قبل فترة، وتم التكتم على القضية».

القصر العدلي في اللاذقية/ أرشيف

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015