خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- ملامح السعادة باديةٌ على محيا العروس وأُمّها.. لم تترك لنا الأم فرصةً لمخاطبة ابنتها العروس.. عدّدت الفساتين وأسعارها.. الخواتم والسلاسل الذهبية وقيمتها المليونيّة.. كلّ ماكان يدور من أحاديث، كان ينتمي لأحاديث السوق.. استعراضٌ وتشاوفٌ.. عروضٌ وطلباتٌ ووعودٌ وتحويلاتٌ ومهر ومصاريف تجميل وزينة وانبهار..
لم نعرف شيئاً عن العريس ولا عن عمره أو جنسيته أو شكله أو عمله.. حتى المبالغ الطائلة لم يتسنّى لنا حفظها في زحمة العرض الاحتفالي الذي يُشبه بالعامية (قطش ولحش)؛ بما معناه أنه لا يوجد أي رابط بين الأحاديث و الوقائع.. إنه مجرد استعراض كاد أن يُفقِدَ العروس وعيها لمّا طرحنا عليها سؤالاً عفوياً: حبّيتيه؟
ردّت بخجلٍ وتردّد “مابعرف.. بس هو كتير كريم وزنكيل..”.
أُسقِط في أيدينا.. تمنّينا ان تنتهي الزيارة بسرعة وأن تُغادرنا الطفلة وأُمّها قبل نفاذ صبرنا، كي لاننفجر في وجهيهما المشدوهين بغباءٍ واستخفاف غير إنساني.
قدّمت لنا الأم بطاقة دعوةٍ للعُرس وقالت: “ماعاد حدا عمل كروت.. بس هو أصرّ.. مشان عيون سماح.”
وأخيراً انفرجت السماء وغادرت العروس وأُمّها.. شعرنا براحةٍ مؤقّتة بانحسار الجَلَبة الاستعراضية المُقرِفَة. لكنّ أختي أصرّت على الاستفسار عن الحالة. لقد شعَرَتْ بأن جنوناً مطبقاً يحدث، ولابدّ من فهمه أو إعلان رفضه.
قرّرنا أن لا نشارك بحضور العرس الجنائزي كما تخيّلنا، خاصةً بعد ورود المعلومات المُحزِنة والبائسة..
العروس في السادسة عشرة من عمرها.. طلب عريس الغَفلَة أن تترك المدرسة حتى قبل الخطوبة.. من جنسية عربية.. عمره ستٌ وثلاثون عاماً.. متزوّج لمرتين سابقاً.. يحتفظ بزوجة واحدة ولديه خمسة أطفال من زوجته وطليقته.
في بيتنا عروسٌ تلهو بخواتمها الذهبية وكأنها لعبةٌ لطفلٍ في الخامسة..
في بيتنا عروسٌ لاتعرف الإجابة عن علاقتها بزوج المستقبل، ولا بمعنى الغُربة والابتعاد عن الأهل والبلد لطفلةٍ غير محميّة بأيّ قانونٍ.. ولا حتى بوثيقة زواجٍ رسمية.
في بيتنا عروسٌ منذورةٌ لعُرسٍ جنائزي.. كل ماكان بوسعنا فعله هو أنّنا قاطعنا المشاركة في العُرس؛ ليس نُصرةً للعروس البائسة وحقوقها، بل لتخفيف الأذى عن قلوبنا المُتهالِكة من وقائع تزويج الطفلات واسترقاقهنّ في سوق نَخَاسة تحت عنوانٍ قاهر وعدائي: (تزويج الطفلات.. سترة!).
