“ليلى نصير”.. الفنانة التي رسمت حكايا المارّة على أرصفة اللاذقية
التشكيلية السورية ليلى نصير

سها كامل/ snacksyrian- كانت تسلّي نفسها وهي تنتظر القطار في خمسينيات القرن الماضي، من خلال اللعب بفرشاة الألوان، ترسم من خلالها حكايا الفلاحين في ليالي الشتاء الباردة، “ليلى نصير” الفتاة الشقية التي أخفت فنانّةٌ مُبدعة أحست بالألم الإنساني قبل أن ترسمه، و لُقّبت بفنانّة “التجربة”، لأن معاينتها لوجع الإنسان سبق تجربتها الفنية.

لم تكن “نصير” حينها تعتقد أن الألم الإنساني سيمس روحها بشكل مباشر، إذ انتهت لاحقاً في “بيت الراحة للمسنين باللاذقية”، ومنه قالت خلال زيارة الشاعر “منذر المصري” قبل أيام: «هالناس يلي بحبا وبعطيها حالي بنحرم منها طب ليش، كمان ايدي بالزور اقدر حركهن حتى اقدر ارسم واستمر، وين يلي بيشجع ليلى نصير تعطي وتقاوم أنا قاومت وعطيت بس ما بيطلع بايدي لم كل شي بالدنيا».

من هي “ليلى نصير”؟

في مدينة اللاذقية، حيث بلّلت ريشتها بمياه البحر، ورسمت الجبال الممتدة بخضار منقطع النظير، ولدت الفنّانة التشكيلية “ليلى نصير” عام 1941، و منذ صغرها حملت قماشتها البيضاء وبدأت تجول الشوارع ترسم ما تراه، و على دفترها رسمت أيضاً حكايات ملوّنة عن الفلاحات العاملات في الحقل، كما عُرف عنها في مدينتها، أنها أول فتاة ترتاد مقاهي الرصيف لترسم حياة الناس. وفقاً لما ذُكر في الكتاب الذي حمل اسمها “ليلى نصير”.

شعارها الفني، كما قالت مرة للصحفي “راشد العيسى” أنه «على الفنان أن يعيش التجربة قبل أن يرسمها، لأنها بالضرورة أكثر التصاقاً بالفنان»، لذا بقيت تبحث عن الحقيقة دوماً وتتلمسها. وتعتقد أن هاجسها بالضرورة التواصل مع الجمهور، ظهر ذلك في أدائها التشكيلي الصادق، عندما تسامت تعبيراتها العاطفيّة إلى لغة جماليّة شموليّة.

شهدت لوحة الفنّانة “نصير” عدة تحولات، ظلّت خلالها وفيّة لما نهلته من معارف وأسس فنيّة أكاديميّة، أثناء وجودها كطالبة في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، خاصةً من كنوز الفن المصري القديم والحديث، و غاصت أيضاً في تراث بلادها بحثاً عن روحه، ودأبت على دراسة الحضارتين السورية والمصرية لتخرج منهما بحصيلة فنيّة جديدة معجونة بروحهما وروح العصر الذي تعيشه.

مرّت تجربة الفنانة “نصير” في مراحل فنيّة مختلفة منها الرومانسيّة، السورياليّة، الواقعيّة، الواقعيّة الحديثة، وصولاً إلى التعبيريّة، لكنها لم تتوقف يوماً عن رسم  السمكة و هي تسبح في البحر، وأكواخ الصيادين، و وجوه الفلاحين التي لفحتها أشعة الشمس، وحملت في لوحاتها الإنسان الذي بقي قضيتها الأولى، كما قالت مرّة، في لقاء مع صحيفة “تشرين”: «الإنسان كان وسيبقى، ملحمة هذا الزمان وكل زمان، رغم كل ما يُحيط به من مآسٍ وحروب ومجاعات ودمار واستلاب مادي ومعنوي، خاصةً هذه الأيام التي تقوم فيها دول بابتلاع دول، وإذلال شعوبها، وسرقة حضارتها وكنوزها وخيرات أرضها».

“ليلى نصير” التي تجاوزت الـ 78 من عمرها الآن، بقيت وفيّة ليس فقط لريشتها بل لقلمها فكتبت الشعر والقصة القصيرة، إضافة إلى ممارسة فن النحت الذي استهواها، وهي تنتظر تواصل “أحبتها” كما وصفتهم، كونها بحاجة إلى تشجيعهم لها لتستطيع تحمّل المرض، تعطي وتقاوم، وترسم.

التشكيلية السورية ليلى نصير

التشكيلية السورية ليلى نصير

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015