ثريا القاسمي/ مجلة ميم- بأيّ ذنبٍ قُتل ؟، بأيّ ذنبٍ رمي؟ مشاهدٌ تكادُ تكون يوميةً في البلاد التونسية، رضيعٌ حديثُ الولادة مرمي في الطريق العام، دون شفقة تخلت عنه والدته ظناً منها أنّها تنصلت من خطيئتها.
عندما يتحوّل حلمُ الأمومةِ من النعمة إلى النقمة، عندما تُصبح الفتاةُ سجينةَ المسؤولية، والضياع في براثن مجتمع لا يرحم، الأمُ العزباءُ … الإنجاب خارج إطار الزواج، ظاهرة اكتسحت المجتمع التونسي وشغلت الاخصائيين، والحكومة، وأشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، بصورِ رضّع ضحايا العلاقات خارج إطار الزواج.
1600 ولادة خارج إطار الزواج سنوياً
دقت الجمعيات والمنظمات ناقوس الخطر، بعد ارتفاع عدد الأمهات العازبات في البلاد التونسية حيث أشارت آخر الإحصائيات التي أصدرتها جمعية أمل للعائلة والطفل، إلى تسجيل 1600 حالة ولادة خارج إطار الزواج بنسبة 0.7 بالمائة، أيّ ما يعادل 4 ولادة أطفال يوميا.
وحسب ذات الدراسة، فإنّ الظاهرة شملت الفتيات من مختلف الشرائح العمرية، فقد مثلت 63 بالمائة نسبة الأمهات العازبات ذات الفئة العمرية بين 19 و25 سنة من بينهن 29 بالمائة تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة.
رضع على قارعة الطريق
تناقل في السنوات الأخيرة، رواد موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مشاهد وصور لرضع حديثي الولادة، تم وضعهم على قارعة الطريق أو أمام جامع أو قتله ورميه في النفايات، صورٌ تظهر تخلي الأم عن ابنها، ظناً منها أنّها ستخبئ خطيئتها عن العالم، دون أن تفكّر في مصير ذلك الطفل.
الظاهرة أثارت غضب مرتادي المواقع الإلكترونية الذين نادوا بمعاقبة الأمهات اللواتي يلقين بأبنائهم في الشارع، لتخطي وصمة العار التي ستلحقهن من قبل المجتمع ومن الأسرة.
“حالات وليست ظاهرة”
أكّدت أخصائية في علم النفس الاجتماعي “فتحية السعدي”، في تصريح لمجلة “ميم”، أنّه “لا يمكن تعميم مسألة الأمهات العازبات، واعتبارها ظاهرة اجتماعية، وإنّما تتم دراستها حالة بحالة في علاقة بتركيبة الشخصية، والتنشئة الأسرية للفتاة…”
وتضيفُ محدثتنا، ” هي ظاهرة اجتماعية في العموم لكنّها تعتبر مجموعة من الحالات التي لا تخضع للدراسات الكمية، وإنّما للدراسات الكيفية والنوعية، وهي مسألة تدرس في علم الاجتماع من زاوية البحث الكيفي والنوعي الذي يتعمّق في الظاهرة، ويأخذ بعين الاعتبار العديد من المعايير كالتنشئة الأسرية.”
أسباب اجتماعية واقتصادية ونفسية
ظاهرةٌ تخبئ وراءها قصصٌ مأساوية، تعكسُ معاناة الضحيتين، الأم والابن، ظاهرةٌ تدعونا إلى البحث في الأسباب التي أجبرت الفتاة على الإنجاب خارج إطار الزواج، منها ما هو عائلي، واجتماعي، ومنها ما هو معرفي.
تقولُ الأخصائية في علم النفس الاجتماعي، “فتحية السعدي”، إنّ “ظاهرة الأمهات العازبات هي ظاهرة اجتماعية موجودة في جميع الدول العربية، ولا تقتصر على تونس فقط، ومن أهم أسبابها غياب الثقافة الجنسية داخل الأسرة، والمدرسة، لأنّ التربية الجنسية من أهم الآليات التي تساهم في الحد من ظاهرة الانجاب خارج إطار الزواج، ومظاهر أخرى كالأمراض المنقولة جنسيّاً.”
وشدّدت “السعدي”، على ضرورة توعية الشباب والشابات، بالمخاطر التي تنجر عن العلاقات غير الشرعية، مضيفةً أنّ “التربية الجنسية هي عملية وقائية وعملية للحدّ من السقوط في فخ الأمراض المنقولة جنسياً، أو حدوث الحمل جرّاء العلاقات غير الشرعية.
وتُشير الأخصائية، إلى وجود العديد من الأسباب وراء انتشار هذه الظاهرة، من بينها انفتاح الشباب عن العالم، من خلال ما يُروّج عبر وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة-الإنترنت-، وهي منصات تنشئة أخرى، تُتيح للطفل الذي يكوّن في مرحلة المراهقة، أن يقع في مخاطر وخيمة من خلال مشاهدة الأفلام الإباحية، يسعى لاحقاً إلى إعادة تجسيدها، وانتاجها خارج المنزل، وذلك في ظلّ غياب المرافقة الأسرية.
كما أكّدت السعدي، على وجود خلل في عملية التنشئة الاجتماعية، قائلةً: “أنا لست مع التنشئة الاجتماعية التقليدية التسلطية، التي يغيبُ فيها الحوار، وإنّما يجب أن نسعى إلى ترسيخ تنشئة عصرية قائمة على الحوار والنقاش، والمرافقة، ومصاحبة الأبناء، حتى يستطيعوا المرور إلى مرحلة الشباب بشكل سليم والخروج من كل الأزمات.”
مجتمع لا يرحم…
بعد مرحلة الولادة، تمرّ الأمُ العازبة بتجربةٍ عويصةٍ، نتيجةً لنظرة المجتمع لها، فالمسار الذي تسلكه مسارٌ شائكٌ ، تكون فيه ضحية لأسرتها في مرحلة أولى، ثم للمجتمع في مرحلة ثانية، وفي هذا الإطار تقول السيدة السعدي، إنّ “أمهات عازبات أعدن تجربتهن مع الأمومة بطريقة غير شرعية بسبب نظرة المجتمع لهن، حتى أنّ الفتاة تستبطن هوية الأم العزباء، و تكرّر فعلتها أكثر من مرّة بسبب المجتمع الذي أصبح أقصى من القانون نفسه، لأنّه لا يشجع على إعادة اندماج الأمهات العازبات، أو أيّ ظاهرة انحراف أخرى، والمجتمع العربي ينبذ الخاطئ اجتماعياً، و تقع معاقبته من خلال أحكام قيمية وأخلاقية، ويجبرونه على إعادة الخطأ مرّة ومرتين.”
من ضحية الفقر إلى الأم العزباء
تُشير الدراسة التي أجراها الأخصائي في علم الاجتماع “هشام الحرباوي”، إلى أنّ أغلب الأمهات العازبات ينتمين إلى فئات فقيرة، وذات وضعيات اجتماعية صعبة، حيث أنّ أغلبهن يشتغلن كمعينات في المنازل وعاملات في المصانع، بنسبة 3 بالمائة من الأمهات العازبات، أو عاطلات عن العمل بنسبة 82 بالمائة، وعاملات في القطاع الفلاحي بنسبة 2 بالمائة، وتلميذات وطالبات وعاملات في القطاع الخدماتي بنسبة 6 بالمائة، من إجمالي عدد الأمهات العازبات.
وأشار في ذات الدراسة، إلى أنّ 45 بالمائة منهن، أمياّت 36 بالمائة ذات مستوى تعليمي ابتدائي، وأنّ 8 بالمائة منهن مستواهن التعليمي اعدادي، و9 بالمائة ثانوي، في حين 3 بالمائة لهن تكويناً جامعياً. حيث أنّ 63 بالمائة نسبة الأمهات العازبات ذات الفئة العمرية بين 19 و25 سنة من بينهن 29 بالمائة تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة، وأنّ 4.5 بالمائة من الأمهات العازبات ينجبن مرّة ثانية.
تفاقم عدد الأمهات العازبات في المغرب
شهد المغرب، تزايداً كثيفاً في عدد الأمهات العازبات في الآونة الأخيرة، حيث أجرت جمعيات مغربية جملة من الدراسة، أثبتت فيها، أنّه يتم تسجيل نحو 30 ألف حالة سنوياً من الشابات اللواتي لم يسبق لهن الزواج، واللاتي تقل أعمارهن عن 26 سنة.
وحسب دراسة أنجزتها جمعية “إنصاف”، التي تعنى بالدفاع عن حقوق المرأة والطفل في المغرب، فإنّ ما يزيد عن 153 ولادة يومياً، ناتجة عن علاقات غير شرعية، منهم 24 طفلاً يتم التخلي عنهم وتكون نهايته، إمّا الاستغلال أو الموت جوعاً وبرداً.
وتُضيف ذات الدراسة، أنّ عدد الأمهات العازبات في المغرب، بلغ ما يزيد عن 40 ألف أم عزباء في الدار البيضاء فقط ، 32 بالمائة تقل أعمارهن عن 20 سنة، و30 بالمائة تتراوح أعمارهن ما بين 20 و25 سنة. وفي مدينة الدار البيضاء لوحدها، توجد أكثر من 40 ألف أم عزباء، 32 بالمئة منهن تقل أعمارهن عن 20 سنة، و30 بالمئة تتراوح أعمارهن ما بين 20 و25 سنة.
10 آلاف أم عزباء في الجزائر
ظاهرة الأمهات العازبات ارتفعت وتيرتها أيضاً في الجزائر، حيث أكّدت وزارة التضامن والأسرة في تقرير لها سنة 2016، أنّ 363 أمّاً عازبة رفضن التخلي عن مواليدهن. كما كشفت أرقام تؤكّد تكفّل 41 مركز إسعاف للطفولة، ب 1237 طفل خلال سنة 2016. ومن جانبها كشفت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، عن وجود 10 آلاف أم عازبة في الجزائر سنة 2016، مشيرةً إلى تسجيل 1000 أم عازبة كل سنة.
ظاهرةُ الأمهات العازبات، ارتفعت وتيرتها في السنوات الأخيرة في الدول العربية، وبدت الأرقام مفزعةُ سواءً في صفوف الأطفال الذين ولدوا خارج إطار الزواج، أو عدد الأمهات العازبات. ظاهرةٌ وجب إعادة النظر في ضرورة إيجاد حلول جذرية للحدّ منها ، وإعادة النظر في القوانين الخاصة بهذه الشريحة في مختلف الدول العربية، حتى لا تبقى الأم العزباء، سجينةَ نظرة المجتمع لها، وضحية القوانين الدستورية.