ابـن حـزم الأندلسـي نصيـر المـرأة
ابـن حـزم الأندلسـي نصيـر المـرأة

alkhaleej- ابن حزم الأندلسي أحد أعلام المسلمين في القرن الخامس الهجري، وصاحب المؤلفات المعروفة في الفقه والتاريخ ومقارنة الأديان، وصفوه فقالوا: هو الإمام الكبير، والمجتهد المطلق، بحر العلوم، وجامع الفنون، الفقيه الحافظ، الأديب الوزير، المؤرخ الناقد، صاحب التصانيف الباهرة.

هو الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، الشهير بابن حزم الظاهري، فقد كان إمام المذهب الظاهري ومجدده، وحاملاً للوائه في القرن الخامس الهجري من خلال موسوعته الأصولية «الإحكام لأصول الأحكام»، ودراساته الفقهية «المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار»، ومن أعم ما وصف به ذلك الفقيه الكبير أنه المناهض القوي للرق والعبودية، والنصير البليغ للنساء والرائد الأول لحقوق المرأة، أعطاها حقها وحملها المسؤولية، واهتم بشأنها في كل دراساته، وساواها بالرجل مساواة تامة في الحقوق الإنسانية.

ولد ابن حزم في رمضان سنة 384ه (موافق 994 م) بمدينة الزهراء إحدى ضواحي قرطبة، عاصمة الأندلس، في بيت عز وثراء ووزارة، فأبوه أحمد بن حزم كان أحد وزراء المنصور بن أبي عامر، حاكم الأندلس القوي، فنشأ ابن حزم في تنعم ورفاهية، يلبس الحرير، ويتسور الذهب، يطالع الكتب على قناديل الذهب والفضة المضاءة بشموع العنبر والمسك، وكان أبوه يعده ليسير على درب الوزارة والرئاسة مثله، وكان ابن حزم رزق ذكاء مفرطاً، وذهناً سيالاً، فعكف على دراسة الآداب والأشعار والأخبار، وعلوم المنطق والفلسفة.

تعرّض لموقف حرج ظهرت فيه قلة علمه وفقهه، فقرر سلوك طريق العلم والبحث، وترك طريق الوزارة والرئاسة، وكان بدأ طلبه للعلم باستحفاظ القرآن الكريم، ثم رواية الحديث، وعلم اللسان، فبلغ في كل ذلك مرتبة عالية، ثم اتجه من بعد ذلك إلى الفقه، فدرسه على مذهب الإمام مالك؛ لأنه مذهب أهل الأندلس في ذلك الوقت، ولكنه كان مع دراسته للمذهب المالكي يتطلع إلى أن يكون حراً، يتخير من المذاهب الفقهية ولا يتقيد بمذهب؛ فتفقهه على مذهب الشافعي، فأعجبه تمسكه بالنصوص، واعتباره الفقه نصاً أو حملاً على النص، وشدة حملته على من أفتى بالاستحسان، ومع تبحره في العلوم الشرعية، ونهمه الشديد في الأخذ من الأصول المباشرة، وصل إلى مرحلة الاجتهاد. ولكنه لم يلبث إلا قليلاً في الالتزام بالمذهب الشافعي، فتركه لما وجد أن الأدلة التي ساقها الشافعي لبطلان الاستحسان تصلح لإبطال القياس، وكل وجوه الرأي أيضاً. ثم بدا له أن يكون له منهج خاص وفقه مستقل، فاتجه إلى الأخذ بالظاهر، وشدد في ذلك، حتى إنه كان أشد من إمام المذهب الأول داود الأصفهاني.

ثروة ضخمة

يتفق أهل العلم أن أكثر علماء الإسلام تصنيفاً وتأليفاً هو الإمام ابن جرير الطبري، يليه الإمام ابن حزم الأندلسي؛ حيث ترك ابن حزم ثروة ضخمة وشاملة، لا يعلم مثلها إلا من قلة نادرة من فطاحل أهل العلم، وله مصنفات بديعة، ومؤلفات باهرة في الفقه والحديث وأصول الدين، والمذاهب والفرق والتاريخ والأدب والطب، ويأتي على رأس مصنفاته كتاب «المحلي بالآثار» الذي قال عنه العز بن عبد السلام، سلطان العلماء: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل «المحلى» لابن حزم، وكتاب «المغني» لابن قدامة، ولابن حزم كتب أخرى بلغت، كما قال عن ذلك ولده أبو رافع، الثمانين ألف ورقة، ومن أهم كتبه: (الإيصال في فهم الخصال) وهو في خمسة عشر ألف ورقة، و«الجامع في صحيح الحديث»، و«اختلاف الفقهاء»، «مراتب الإجماع»، «الإملاء في قواعد الفقه»، «الفرائض»، «الفصل في الملل والنحل» وهو من كتب الفرق الشهيرة، «مختصر في علل الحديث»، و«طوق الحمامة» وهو من الكتب التي ناصرت حقوق النساء، و«نقط العروس» وهو من روائع الكتب في التاريخ، وجلب عليه الكثير من المحن مع ملوك عصره، و«الرسائل الخمس، أو جوامع السيرة»، و«رسالة في الطب النبوي»، و«الإحكام في أصول الأحكام» وهو من كتبه الفريدة في بابها، وعلى منوالها نسج من جاء بعده: مثل الآمدي والرازي وابن الحاجب وغيرهم، و«الآثار التي ظاهرها التعارض، ونفي التناقض عنها»، وهو في عشرة آلاف ورقة، وهو من أروع ما كتبه هذا الإمام ابن حزم.

اختلاف

اختلف كثير من العلماء مع ابن حزم في الكثير من القضايا الفقهية، وهذا هو شأن الفقه أصله الاختلاف والتعدد باختلاف المفاهيم وتعدد الاجتهادات، وفي الوقت نفسه وافق كثيرون على أن اجتهادات ابن حزم وآرائه كان لها دور كبير في تحسين مكانة المرأة في الأندلس، ويكفي أن نلقي نظرة على كتاب «طوق الحمامة» لنجده ينادي بتحرير المرأة، واحترام حرياتها، ويقص علينا الكثير من أسرارها دون حرج أو إنكار، ودون أن يلاحقها بالسب واللعن، كما حدث من جانب بعض الفقهاء والمتشددين.

والحق أن ابن حزم ارتفع بالنظرة إلى المرأة عن مستوى الشهوة ورفض النظرة إليها على أنها ليس فيها من جوانب الحياة التي تستحق التعامل معها غير الجسد، ففي «طوق الحمامة»، وفي سائر تراث ابن حزم، ظهرت المرأة في أكثر من صورة، معلمة ومتعلمة، شاعرة ومثقفة، عفيفة لا تطمع فيها الأبصار، وفية ذات خلال عالية، تستحق أن يبكيها الرجل؛ بل أن يموت أسفاً عليها إذا فارقها: حية أو ميتة.

وفسر ابن حزم قوله تعالى في سورة النساء: «الرجال قوامون على النساء» بأنها قوامة لا علاقة لها بالحقوق والطبيعة الإنسانية، أو القدرة على تصريف الأمور، وأشار إلى أنه لو كانت قوامة الرجل بهذا المعنى للزم أن يكون كل رجل أفضل من كل امرأة، وهذا في نظر ابن حزم لا يستقيم في لغة العقل، وفي نظره أن المرأة هي التي تعلم الأطفال القرآن والحديث والشعر والخط، وكان ابن حزم واحداً من الذين تلقوا تربينهم وتعليمهم الأولي على يد النساء، وكان لظروف نشأته التي تميزت بالرخاء أثر كبير في أن تكون صورة المرأة عنده إيجابية.

ناقش ابن حزم آراء الفقهاء الذين لم يقدروا المرأة قدرها قائلاً: «وجائز أن تلي المرأة الحكم، وهو قول أبي حنيفة، وقد روي عن عمر، رضي الله، عنه أنه ولى «الشفاء»، وهي امرأة من قومه، محتسبة في السوق، فإن قيل: قد قال رسول الله: «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة»، قلنا: إنما قال ذلك رسول الله في الأمر العام الذي هو الخلافة، برهان ذلك قوله: «المرأة راعية على مال زوجها، وهي المسؤولة عن رعيتها»، وقد أجاز المالكية أن تكون وصية ووكيلة، ولم يأت نص في منعها أن تلي بعض الأمور».
أعطى ابن حزم للمرأة كل حقوقها؛ بل وكل حق يمكن أن يعطيه لها أي فقيه آخر بمن فيهم أبو حنيفة، وفي المقابل حملها مسؤوليتها كاملة تجاه الرجل، ويمنع ابن حزم التفريق بين الزوج وزوجه إذا لم ينفق عليها؛ بل إنه فوق هذا يوجب عليها الإنفاق إذا كان معسراً، وعجز عن الكسب، وهي غنية ذات مال، ففي هذه الحالة تجب نفقته عليها، وأجاز المذهب الظاهري في الزكاة أن: «تعطي المرأة زوجها من زكاتها».

ومن أهم آراء ابن حزم في شأن المرأة أنه أجاز أن تتولى وظيفة القضاء وهي وظيفة لها خطرها وجلالها العظيم، ومنعها أكثر الفقهاء من ذلك، ويؤكد ابن حزم مساواة المرأة بالرجل في حدود تخصصها، والمهم في هذا الشأن هو ما يقوله عنه الفيلسوف الإسباني «أورتيجا أي جاسيت»: تكلم ابن حزم في كتابه «طوق الحمامة» عن العلاقة الخالدة بين الرجل والمرأة، وسجل تحليلاته العبقرية عن المرأة بعقل رجل موضوعي، لا يذم ولا يمدح، مستخدماً لهجة الفيلسوف، وأسلوب الأديب، ومحاولة الإنسان الدائمة لكي يفهم نفسه ويفهم الآخرين.

ابـن حـزم الأندلسـي نصيـر المـرأة

ابـن حـزم الأندلسـي نصيـر المـرأة

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015