ارتفاع حالات “طلاق الحرب” في سوريا..
ازدياد حالات الطلاق في سوريا

أدت المعارك المندلعة في سوريا منذ سنوات إلى حالات طلاق بسبب إصابة المرأة جسدياً أو نفسياً، الأمر الذي يُعرّف قانونياً بـ “الطلاق التعسفي” لا سيما لأن المرأة لا تحصل على تعويض أو نفقات وهي غالباً ما تكون مسؤولة عن أطفال يتركهم الزوج، في ظل غياب أي محاسبة قانونية.

صدى الشام- أخطأت “أم محمد” التقدير عندما ظنّت أن نجاتها من الموت إثر القصف سيعيدها إلى حياتها الطبيعية، إذ أن القصف الذي أفقدها ساقها بدّد حياتها الأسرية، وكان سبباً في انفصالها عن زوجها.

تقول المرأة البالغة من العمر 37 عاماً لـ “صدى الشام”: “تعرّض مخيم “عابدين” الذي كنّا نعيش فيه للقصف بالبراميل المتفجّرة من الطائرات التابعة للنظام، ففقدتّ ساقي وشُلّت أعصاب يدي فكانت النتيجة أن طلقني زوجي”.

وأضافت: “عدتُ إلى منزلي القديم بريف إدلب الجنوبي مع تسعة أطفالٍ أكبرهم عمره 16 عاماً بعد أن هجرني زوجي وتركني دون أية نفقة لإعالة الأولاد، وتزوّج امرأة أخرى لا إعاقة في جسدها”.

على غرار “أم محمد” أدت المعارك المندلعة في سوريا منذ سنوات إلى حالاتِ طلاق بسبب إصابة المرأة جسدياً أو نفسياً، ما يؤدّي لتراجع بعض الأزواج عن العيش معهنَّ.

ويُفاقم المشكلة أن تلك النساء لا يحصلنَ على تعويضٍ من أزواجهنًّ ليتمكنَّ من الاستمرار بالعيش، فيما يصعب على الكثير منهنَّ الشروع بالبدء بعملٍ جديد جراء تأثير الإصابة التي يجعل المصابة من ذوي احتياجاتٍ خاصّة غالباً.

تشوّهات وإصابات تُقصي النساء

التقت “صدى الشام” مجموعة نساء في محافظةِ إدلب، تسبّبت الأضرار الجسدية والنفسية للمعارك في طلاقهنَّ، وسط غياب أي دور لإجبار رجالهنَّ على دفع أي تعويض.

الغارة الجوية التي استهدفت منزل عائلة “سهام” بريف إدلب في أيلول من العام الماضي لم تتسبّب في بتر قدمها وحسب وإنما أدت لمقتل طفليها، إضافةً لقتل الجنين الثالث الذي في بطنها.

مأساة الفتاة لم تتوقّف هنا، فبعد بتر قدمها تزوّج زوجها من امرأة ثانية بعد عشرةِ أيامٍ فقط من الحادثة.

تقول الفتاة البالغة من العمر 25 عاماً : “توجّهت إلى منزل أسرتي في تركيا، ورُكّب لي هناك طرف اصطناعي، ثم عدتُ إلى منزل زوجي في سوريا فاستقبلوني لمدّة شهرين”.

خلال تلك الفترة تعرّضت الفتاة لشتائمَ وعنفٍ جسدي وإهاناتٍ من زوجها بسبب فقدانها لساقها، لتنتهي قصّتها بالطلاق، حيث أخبرتها عائلة زوجها بأنهم استقبلوها هذه الفترة بما يتناسب مع عادات المجتمع وتجنّباً لكلام المجتمع المحيط بهم، فعادت إلى أسرتها دون أطفالها ودون ساقها و”زوجها”.

وكان مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد أكّد في تقريرٍ نشره في الثاني من شهر كانون الأول الماضي أن ما يُقارب 2.8 مليون سوري يعانون من إعاقةٍ جسديةٍ دائمة بسبب الاشتباكات الدائرة في البلاد.

لا تختلف حكاية سهام عن قصّة “أم سامر” سوى أن الأخيرة تعرّضت للطلاق بسبب مرضٍ جسدي وليس نتيجة القصف.

تقول أم سامر لـ “صدى الشام”: “إن زوجها طلّقها قبل اندلاع الثورة بسبب وجود “خلع ولادة” في ساقها، واضطرارها لإجراء عمل جراحي لزراعة مفصلٍ جديد”، لافتةً إلى أنها عادت إلى دراستها الجامعية التي تركتها بسبب زواجها وباتت الآن في السنة الثانية في معهد اللغة الإنكليزية، تزامناً مع عملها بالخياطة لإعالة نفسها، رغم كبر السن والوضع الصحي الاستثنائي.

طلاق تعسّفي

يَعتبر القانون السوري هذا النوع من الطلاق “طلاقاً تعسّفياً”، وهو تعريفاً “إساءة استعمال حق الطلاق بحيث يؤدّي إلى إضرار الغير” بحسب ما جاء في الفصل الأول من باب الطلاق في قانون “الأحوال الشخصية السوري”.

وألزم القانون ذاته الزوج الذي يطلّق زوجته تعسّفياً دون سببٍ واضح بأن يدفع لها تعويضاً مادياً لقاء هذا الضرر استناداً إلى القاعدة الفقهية “لا ضرر ولا ضرار”.

وبحسب المادة 117 من هذا القانون: “إذا طلّق الرجل زوجته وتبيّن للقاضي أن الرجل متعسّف في طلاقها دونما سببٍ معقول، وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس، جاز للقاضي أن يحكم لها على مُطلّقها بحسب درجة تعسّفه بتعويض لا يتجاوز نفقة ثلاث سنوات لها إضافةً إلى نفقة العدّة”.

الصدمات النفسية سبب للطلاق أيضاً

لا تقف عمليات الطلاق التعسفي هذه على الإصابات الجسدية وحسب، وإنما تمتد للصدمات النفسية التي تلقّتها النساء السوريات في ظل المعارك المستمرة، على ما يؤكّد تقرير “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” الذي أشار إلى تعرّض 30 ألف سوري شهرياً لصدمة نفسية جراء الصراع المستمر.

تَعتبر ” باحثة نفسية واجتماعية” في حديثها لـ “صدى الشام” أن الصدمات النفسية لا تقل تأثيراً على حياة المرأة من الجسدية، لكن أثرها لا يكون واضحاً كأثر فقدان طرفٍ أو مرضٍ مزمن، واصفةً حالات الطلاق هذه بـ “طلاق الحرب”.

وتضيف الباحثة التي رفضت الكشف عن هويتها أن تأثير الصدمات النفسية والاكتئاب الذي تعاني منه المرأة يتضاعف بشكلٍ واضح فيما لو تم إسقاطه على الحياة الزوجية، بسبب الاحتكاك الدائم بين المرأة والرجل، والذي يؤدّي بدوره إلى تفاقم المشاكل بينهما حتى دون أسبابٍ واضحة وهو ما يؤدّي غالباً إلى انفصال الرجل عن زوجته وتركها وحيدةً دون أن يعرف أصلاً أنها مريضة.

ولفتت إلى أن المشكلة الأكبر تنطوي على غياب ثقافة الطب النفسي ضمن المجتمع السوري واعتبارها من الأمور المالية، علماً أن الطب النفسي لا يقل أهمية عن الطب البشري الجسدي.

تنصح الباحثة النساء اللاتي يتعرّضن لطلاقٍ تعسّفي بسبب إصابة جسدية أو نفسية أن يلجأنَ للمحاكم للحصول على التعويض العادل، وفي حال عدم وجود محاكم كما في كثيرٍ من المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام تقول الباحثة: “إن الدور هنا يجب أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني والجهات الحقوقية الموجودة في هذه المناطق وفي حال عدم قدرتها على التأثير فنحن أمام مشكلة حقيقية بسبب عدم القدرة على استعادة حق المرأة”.

وشدّدت على ما وصفتها بـ “مرحلة الوقاية”، عبر توعية المجتمع السوري في جميع مناطق النزاع بأن المرأة تتعرّض لأمراضٍ وصدماتٍ نفسيةٍ من الممكن علاجها طبياً وليس عن طريق الطلاق.

نظرة المجتمع التقليدية

بالإضافة إلى ما أوردته الباحثة تقول “إم إسلام” العاملة في مجال الدعم النفسي لـ “صدى الشام”: “إن الطلاق بأنواعه يغير نظرة المجتمع للمرأة، ما يزيد حالتها النفسية سوءاً، كونها بحاجة للعلاج النفسي كحاجتها المادية”، معتبرةً أن الصدمة النفسية تؤدي في بعض الأحيان إلى موت المرأة، لكنها تعتبر أنه بالمقابل ثمّة نساءً تأقلمنَ مع واقعهنًّ، وبادرنَ لممارسة حياتهنَّ من جديد والانخراط في أعمالٍ مختلفة.

ازدياد حالات الطلاق في سوريا

ازدياد حالات الطلاق في سوريا

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015