لمى قنوت/enabbaladi- بدأت حقوق حيازة النساء في سوريا تتآكل منذ أن غيّر العثمانيون قانون الأراضي عام 1858، إذ تبين أن 20% من ملكية الأراضي ببعض المناطق في دمشق وريفها تعود صكوكها للنساء، بينما كانت نسبة الصكوك بأسمائهنّ في القرنين السابع عشر والثامن عشر تتراوح ما بين 38% و39%، وهو ما يتوافق مع قانون الإرث الإسلامي الذي ينصّ على أن للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأظهرت نتائج النظام الإحصائي الزراعي عام 1994 أن نسبة الإناث الحائزات على الأراضي هي 5.3%، في حين بلغت نسبة الذكور الحائزين على الأرض 94.7% من إجمالي عدد الحائزين/ات في سوريا البالغ عددهم 610 آلاف حائز/ة.
ويبدو قياس الأثر المجحف المتعلق بحيازة النساء جليّاً في نتائج بحث قوة العمل عام 2002، إذ بلغت نسبة الحائزين الزراعيين الذكور 95% والإناث 5%، بينما بلغت نسبة إسهامهنّ في الزراعة 40%.
وفي عام 2005، أظهرت نتائج بحث أجري حول العنف ضد المرأة، شملت فيه عيّنة الدراسة 1891 أسرة من المناطق الحضرية والريفية في المحافظات الـ14، أن 17.4% من النساء لم يتلقَّين أي شيء من حقوقهنّ في الميراث، 14.7% في المناطق الحضرية مقابل 20.2% في المناطق الريفية، وعوّضت 24% من النساء عن جزء من ميراثهنّ، وفي بعض المناطق من سوريا مثل منطقة جبل الحص في ريف حلب عام 2003، تعمل المرأة في الأرض ولكن لا يُسمح لها أن تمتلكها، في حين يُسمح لها وبشكل أوسع بامتلاك المجوهرات والأموال.
وفي يومنا هذا تفاقم أثر القانون التمييزي ضد النساء مع قوة الأعراف، وأظهرت نتائج تقرير للمجلس النرويجي للاجئين أن 4% من النساء اللاجئات اللواتي تمّت مقابلتهنّ في لبنان والأردن لديهنّ عقارات مسجلة بأسمائهنّ، وأن النازحات يعانين من صعوبات كبيرة في استعادة الأراضي، وقد مُنِعنَ من ضمان الصكوك و/أو حقوق الميراث أو استعادتها، وسيواجهن تحدّيات اجتماعية واقتصادية وقانونية للحصول على حقوقهن في حال وفاة الزوج، ولا يملكن مستندات لإثبات الوفاة أو لا يملكن مستندات الملكية.
في لبنان على سبيل المثال، أدى خوف اللاجئين الرجال من الاحتجاز أو التجنيد الإجباري إلى إجبار الزوجات على العودة إلى سوريا لتقييم وضع أملاكهم التي شغلتها أو نهبتها الأطراف المتحاربة، وقد تعرضن لعوائق وعقبات كبيرة لإثبات الملكية والمطالبة بها، إما بسبب فقدان سندات الملكية وإما لأن الأملاك ليست بأسمائهنّ، وذلك وفقاً لتقرير “لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية”، الصادر في 2 من آذار الماضي.
أثر تمييزي للخطاب قبل وخلال النزاع السوري
ربط العقل الجمعي بين جسد المرأة والأرض، وأهمية حمايتهما كـ”عرض/شرف” لمجتمعات وذوات ذكورية، تجذّرت عبر خطابات، تمثّلت، على سبيل المثال، بـ”أرضي عرضي، مرتي عرضي/شرفي”، وتشتبك متانة هذا الخطاب، ذي الترابط الثلاثي الركائز (الأرض، المرأة، الشرف)، خلال الاستهداف السياسي للأفراد والجماعات في الحروب والنزاعات، عندما يُراد إهانة الخصم وتجريده من “الرجولة”، بينما يصطدم إعطاء النساء حقوقهنّ المتساوية في الملكية، بالتقسيم الاجتماعي للعمل والثروة والمعرفة والسلطة، والرغبة في إبقائهن خاضعات.
عدالة انتقالية تحوّلية من أجل تقويض التمييز البنيوي
لقد كثّفت أطر وهياكل اللامساواة أثر الجرائم والانتهاكات على النساء والفتيات خلال فترة النزاع المسلح في سوريا، وازداد الأثر عندما تقاطعت مع الحالة الاجتماعية الاقتصادية، والمنطقة الجغرافية، والرأي السياسي، وغيرها من العوامل.
ومن نافل القول، إن التهجير القسري والتشرّد وحرمان النساء من حقّهنّ المتساوي مع الرجال في الملكية، جعلهنّ أكثر عرضة للاستغلال والعنف بكل أشكاله خلال النزاع، ويمثّل علوّ العرف على القانون التمييزي، الذي يحرم المرأة من حقّها في الإرث ووصمها ونبذها إن طالبت به، أحد أشكال اضطهاد النساء، إلى جانب كونه عنفاً مجتمعياً ذكورياً يضعهنّ وبإصرار في مكانةٍ دُنيا.
لن تنتهي دوائر العنف ضدّ النساء إلا عبر عدالة تحوّلية تحدث أثراً تغييرياً في القوانين، ومن ضمنها الإرث المتساوي، والحقّ بالسكن اللائق، والحقّ بالأرض، وبرامج تعويضات مرتبطة بمبادرات وبرامج إنمائية.
بعض الدروس المستفادة
المغرب: نجح المغرب في برامج جبر الضرر الفردي والجماعي، واختارت هيئة الإنصاف والمصالحة عدم اعتماد مفهوم “الوارث“ المحدّد في قوانين الميراث المغربية عند توزيع المزايا على أسر الضحايا، من أجل منح معاملة متساوية للورثة ذكورًا وإناثًا.
تونس: صدّق مجلس الوزراء التونسي على مشروع قانون الأحوال الشخصية، الذي يتضمن أحكامًا بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، مع ترك حرية الاختيار للمورث إن أراد في حياته التنصيص على قسمة التركة وفق المنظومة المستمدة من الشريعة الإسلامية.
سيراليون: سنّ برلمان سيراليون في حزيران 2007 قانونًا جديدًا للميراث يعطي الزوجين حقًا قانونيًا في الميراث، كما يخوّل المرأة الحق في ممتلكات زوجها عند وفاته “دون تدخل لا داعي له من أفراد الأسرة الممتدة (…) بحيث تنتقل أغلبية الأملاك بموجب القانون الجديد إلى الأرملة والأطفال”.
ختاماً، بعد الصراعات يشتد حرمان النساء من اتخاذ القرارات المتعلقة برد المساكن والممتلكات والأراضي، و/أو العودة إلى مساكنهن وأراضيهن وممتلكاتهن، والسوريات لسن استثناء، بل تشير جميع القوانين والأعراف إلى أنهن الحلقة الأضعف في هذا الملف، وستستمر دورة العنف والاضطهاد والإفقار ضدهن، ما لم يتم التصدي لها.
ووفق ما سبق، يجب إدراج حقوق الملكية والأرض والسكن في اتفاقية السلام، واعتماد “مبادئ بينهيرو“ المتعلقة برد المساكن أو الأراضي و/أو أيٍّ من الممتلكات إلى اللاجئين/ات والنازحين/ات والمشردين/ات، التي حُرموا منها بصورة تعسفية أو غير قانونية، كحقّ أساسي مستقل بذاته، وحظر وإبطال القوانين التعسفية أو التمييزية أو المجحفة التي صدرت، والتنصيص دستوريًا على المساواة بين الرجال والنساء أمام القانون وفي القانون، وحمايتهن من العنف بكل أشكاله، وإقرار حقهن بالسكن اللائق، والتناصف في الإرث بين المرأة والرجل، مع آليات واضحة للتنفيذ، وإقرار عقوبات لمن يحرمهن من حقوقهن، وبناء برامج جبر الضرر الفردي والجماعي، كآلية من الآليات الأساسية بالعدالة الانتقالية التحولية في سوريا.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.