خولة دنيا \ أبواب- في يوم ما في المستقبل البعيد، سيكون من أوائل الدروس للمراهقين الشباب، ممن ولد هنا في هذا المنفى القاسي: يا ابني لا تعلق مع وحدة المانية، خلينا ع العربيات منفهم عليهن وبيفهموا علينا. ذاك الأب الذي عاش خوفه من تداعيات تجربة التحرش بالغربيات، لن يغفر لهن أبدًا، لا عدم استجابتهن له ولا لغرائزه، التي أصبحت أساسيات بعد أن استقر به المقام بعيدًا وحيدًا في مخيمات اللجوء، أو نال بعض الاستقرار.
رد الفعل الأولي لأغلب الشباب: لست أنا، ولسنا نحن، بينما تداعى الجميع للدفاع وإيجاد التبريرات وكأننا نحن من نزلنا في (قفّة) من السماء إلى هذه البلاد، لا ولم ولن نرتكب خطأ مهما كان، ولكن (هنَّ) المباحات في لا وعينا، وفيما تربينا عليه، وفي ثقافة مجتمع لا يرى المرأة سوى متاعًا جنسيًا ونزوة عابرة أو دائمة لقضاء باقي الحاجات (جلب الأولاد- الاهتمام به – النظافة – الطبخ – وتلقي الأوامر..).
من منّا نحن نساء الشرق من لم تتعرض للتحرش بأنواعه الشتى وفي كل مكان؟ في الطريق إلى المدرسة، أو الجامعة، في العمل، من ابن الجيران، أو من أحد الأقارب، في الباص أو في السيارة؟ من منّا لم تحمل قصة معها لتحكيها في البيت أو توشوش بها صديقاتها بأنها تعرضت (للتطبيق) من أحد ما، وقد تصل الأمور إلى أقصى من ذلك بكثير ليرتفع صوتها في العراك بمكان عام (ماعندك أخوات بنات تخاف عليهن؟). دائمًا ما كانت المقارنة تأخذ هذا الشكل بين أنا البنت وبين أخواتٍ بناتٍ للمتحرش يجب أن يخاف من تعرضهن لموقف مشابه من عابر سبيل آخر. دائمًا كان يتم اتخاذ موقف دفاعي قبل أن يكون هجوميًا فهي ذاتها تعرف أن لا قانون يحميها ولا حتى الوسط المحيط بها، بالعكس قد يلقي اللوم عليها، إن بسبب طريقة لباسها أو مكياجها، وإن لم يتوفر هذا ولا ذاك فبسبب كونها أنثى فقط. لم يدفعنا هذا لتعلم الكاراتيه للأسف ولا لحمل المسدسات وإن كان حلاً مناسبًا في هذه الأيام الفوضى في سوريا، حيث تزداد حالات التعدي على النساء واستباحتهن.
في ثقافة التحرش الشرقية، يتم تسويق الشاب اللعوب والدونجوان الذي ستقع الفتيات صريعات لمجرد سماع تلطيشة منه: (ولي على قلبي أنا – يا حلو – يا غزال – يا بطة.. يا وزة “ممكن”). وكم من الإساءات لكثير من النساء والفتيات لأسباب خارجة عنهن: (ولي ما أبشعك – أحلى وحدة اللي بالنص – شو هالقفا عشرة فولط- تطلعي على قبري بالكعب العالي تتفركشي وتوقعي بدالي). هذا عدا عن الأساليب التي فتحتها التقنيات الحديثة (التلفون – الانترنت – مواقع التواصل) حيث يملك الكثيرون الجرأة للضغط على الآخرين وإلحاق الأذى بهم معنويًا أو ماديًا دون حتى تفكير بالأمر.
أحيانًا كثيرة تمتد الأمور لأكثر من ذلك: التحرش في وسائل النقل العامة – الدحوشة في كراسي السرافيس. ستعلم ما يجري فقط بالنظر إلى وجوه البنات وتغير لونهن وعدم قدرتهن على الإفصاح عمّا يجري.
وفي حال اشتكت وعلا صوتها، وتسببت بمعركة بين الشباب حولها ستسمع: (الله لا يوفقك، كل السبب منك، لو ما كنتي فلتانة ما كنت علقتي شباب متل الوردة مشانك) دائمًا الشباب متل الوردة، والبنات لا يستحقين حتى من يدافع عن كرامتهن.
كثيرون لا يعلمون أن التحرش الجنسي يتجاوز ما يعلمونه عنه، فهو أي صيغة من الكلمات غير المرحب بها و/أو الأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، عدم الأمان، الخوف، عدم الاحترام، الترويع، الإهانة، الإساءة، الترهيب، الانتهاك، أو أنه مجرد جسد. والأمثلة كثيرة هنا:
التفحّص في النظر: تعبيرات الوجه التي تحمل نوايا جنسية “لحس – غمز – فتح الفم”.
البسبسة: التصفير، الصراخ، الهمس، وأي نوع من الأصوات “ذات الإيحاءات الجنسية”.
التعليقات: إبداء ملاحظات جنسية عن جسد أحدهم، ملابسه أو طريقة مشيه/تصرفه/عمله، إلقاء النكات أو الحكايات الجنسية، أو طرح اقتراحات جنسية أو مسيئة.
الملاحقة أو التتبع: تتبع شخص ما، سواء بالقرب منه أو من على مسافة، مشيًا أو باستخدام سيارة، بشكل متكرر أو لمرة واحدة، أو الانتظار خارج مكان عمل/منزل/سيارة أحدهم.
الدعوة لممارسة الجنس: طلب ممارسة الجنس، وصف الممارسات الجنسية أو التخيلات الجنسية، طلب رقم الهاتف، توجيه دعوات لتناول العشاء أو اقتراحات أخرى قد تحمل طابعًا جنسيًا بشكل ضمني أو علني، أو التكرار رغم رفض الدعوة، مما يسبب الضيق للطرف الآخر.
الاهتمام غير المرغوب به: التدخل في عمل أو شؤون شخص ما من خلال السعي لاتصال غير مرحب به، الإلحاح فى طلب التعارف والاختلاط، أو طرح مطالب جنسية مقابل أداء أعمال أو غير ذلك من الفوائد والخدمات، وتقديم الهدايا بمصاحبة إيحاءات جنسية، أو الإصرار على المشي مع الشخص أو إيصاله بالسيارة إلى منزله أو عمله على الرغم من رفضه. (عن موقع خريطة التحرش)
كل ما سبق يأتي في خانة التحرش الجنسي التي يعاقب عليها القانون في البلدان التي تحترم الإنسان وكرامته وحقوقه الأساسية. وعلى كل شاب جديد على المجتمع المضيف الذي يعيش فيه أن يحفظها كي لا يقترف مثل هذه الجريمة. فعلينا أن نعلم جميعًا أن التحرش ليس ظاهرة جديدة ولا تقتصر على بلدان بعينها، غير أن الفرق يتجلى في القوانين الناظمة والتي تعاقب الجناة، وتحمي الضحايا.
للأسف في بلادنا ما زال القانون قاصرًا عن حماية الناس وخاصة الشرائح الأضعف من النساء والأطفال، وتبدو الحلول المقترحة أغلبها ضد الضحايا حيث يتفنون كل يوم بفتاوى جديدة للحدِّ من حرية المرأة وحركتها، بدل حمايتها ومحاسبة المسيئين لها.
والأنكى من ذلك أن بعض حالات التحرش التي تصل إلى الاغتصاب تدفع المرأة ثمنها بالقتل، فهي نفسها المرأة التي لا تملك من أمرها شيئًا في كل مناحي الحياة، وتعتبر كائنًا ضعيفًا يحتاج للحماية والوصاية، يتم قتلها باسم الشرف وغسل العار، ويتم مكافأة القاتل بشهور قليلة في السجن ليخرج بعدها ويتم استقباله استقبال الأبطال.
الخوف الأكبر اليوم هو على النساء الوحيدات في مخيمات اللجوء ودول اللجوء، حيث يتعرضن لمثل هذه التحرشات دون أن يعرفن أن بإمكانهن طلب الحماية القانونية لأنفسهن ولأطفالهن من أي مسيء مهما كان. وهو ما يجب العمل عليه والتوعية بشأنه.