جريدة الدستور الأردنية- أكثر من خبرٍ لافت للانتباه تداوله الاعلام أخيراً حول حصول سيدات أردنيات على رخص قيادة مركبات «فئة عمومي»، المرأة الأردنية تقتحم سوق العمل الأردني وتتخطى خطوط العيب الاجتماعي الحمراء، وتعمل في مهن مصنفة في الذهن الجمعي الموروث بالذكورية.
من دون مناسبة نحتفل بالمرأة، و«إن كنت لا أحب أبداً التمييز من هذا النوع»، ولكن لأنها «قوة الحياة»، والتغيير يبدأ من المرأة. قوة أي ثورة ثقافية واجتماعية واقتصادية وحتى سياسية تبدأ من المرأة في مجتمعات محافظة وتقليدية ترزخ تحت سلطة العرف والتقليد والموروث والنمط الاقتصادي الإنتاجي التقليدي.
مجتمع يعيش «شيزوفرينيا» فيما يتعلق بقضية المرأة، بفعل أفكار واعتقادات شعبوية واجتماعية وثقافية متخلّفة تنظر إلى المرأة بدونية وانحطاط وتضعها في خانات الرغبة، ورغم أن المرأة في الفعل اليومي تحولّت إلى قوة فاعلة ومنتجة ومتحررة ولها أثر انتاجي اقتصادي في حياتنا الحديثة لا ينقصه غير التحرر من كبوة العقد التقليدية.
ولربما بتعبير أدق فإن المرأة الأردنية تملك من الجرأة والصلابة والعزيمة في مواجهة آفات الفقر والبطالة والعوز أكثر بكثير من الرجل. السيدة الأردنية الحاصلة على «رخصة سواقة» يقابلها آلاف من الشباب الأردنيين العاطلين عن العمل والمنتظرين في طوابير جيوش البطالة على وظيفة حكومية أو في القطاع الخاص تحت «هفيف الكونيدشين».
وأكثر ما قد يسجّل من رصيدٍ نضالي قيمي ورمزي في سير تلك السيدات اللواتي انتفضن على النمط القائم والمتهالك والمتآكل في الاقتصاد المحلي، أنهن لسن قادماتٍ من جمعيات ومنظمات ومؤسسات أهلية تشتغل على قضايا المرأة، ولسن منغمسات في عالم ورش العمل والندوات والاحتفالات والمؤتمرات الدعائية والاستهلاكية في فنادق خمس نجوم.
أردنياً وعربياً، أكثر ما يعيب أحزاباً وتياراتٍ سياسية هو إهمالها لقضايا المرأة، واختصارها في تمثيل كوتا في البرلمان والمجالس البلدية، فلا تقل أصولية من يرفعون رايات الدولة المدنية والديمقراطية عن الحركات السياسية المتشبعة بالفكر الأصولي الظلامي والخرافي وبالأخص تجاه المرأة وقضاياها.
يمكن اعتبار توفير فرصة عملٍ لامراة واختطاف النساء لمهنٍ ذكورية أهم بكثير من فوز سيدة في مجلس النواب أو تعيينها بموقع سلطوي رفيعٍ كتعبيرٍ رمزي هشّ ورخو وغير واقعي عن تمكين المرأة اقتصاديا واجتماعيا في الحياة العامة، ولأن المساواة لا تبدأ من المحاصصة الجندرية والكوتا والتحرك من النقطة الأضعف والأبعد والأقل تأثيراً.
حلم الدولة المدنية لا يمكن أن يتحقق بالاماني والطبطبة والمشاعر لا الأفكار، فالحلم لا يمكن أن يبدأ إلا بالأفكار القوية: العدالة الاجتماعية والمساواة على شتى ضروبها واشكالها، فهي المفاتيح التي يمكن إعادة صياغة المجتمع على هواها من أفكار وعلاقات وازنة لا فتّاشات وعروض أزياء ولعبٍ في الوجوه لتحقق الانتقال نحو مدنيّة حداثيّة.